همتك نعدل الكفة
2٬253   مشاهدة  

عندما بكى فؤاد المهندس

فؤاد المهندس


أثناء جولة من التقليب العشوائي في “يوتيوب”، عثرتُ على اللقاء، أو يبدو أنه هو مَن عثر عليّ ليسيطر على ذهني تمامًا وينتزعني من ملل الجلوس الإجباري في المنزل؛ نعم إنه لقاء الجميل “فؤاد المهندس” مع المحاور الذكي المُزعِج “مفيد فوزي“.

اقرأ أيضًا 
رسالة لمفيد فوزي..اسمحلي استفزك

الفُرجة على حوارات “المهندس” مُتعة خاصة بالنسبة لي، لا أنكر أنني أحبه كإنسان وأتلذذ بمشاهدة حواراته وتتبع سيرته الشخصية بشكل خاص، بعيدًا عن تعلّقي به كممثل قدير متفرد، لكن متابعة لقاءات قُدامي الفنانين الممتعة- بشكل عام- تثير بداخلي حزنًا من نوع خاص، بعد أن أتورط في مقارنتهم بفناني عصرنا ولقاءاتهم والثقافة المتواضعة لمعظمهم، شجن يدفعني للتساؤل عن كيفية وصولنا لموضعنا الحالي.

اقرأ أيضًا 
ما فعله الأستاذ بأبو ضحكة جنان .. سمعة ووشاية المهندس

الإجابة مُعقّدة، ونَفْسي مثقلة بما يكفيها، فأقول لعقلي أنه لا داعٍ للانجرار لهذه الخواطر المزعجة؛ يكفيني كآبة الأجواء العالمية كلها!

ينتشلني الأستاذ “فؤاد” من خواطري ويجتذب تركيزي مرة أخرى، وهو يجيب عن الشيء الذي يجد فيه دافعًا له للعمل والإنجاز، ويبوح بثقة أن السر- بالنسبة له- يكمن في الحب، والاستقرار العاطفي والنفسي، ثم يحدد بالضبط ما يحتاجه: “الدلع.. أنا أدلع أبقى كويس”.

YouTube player

ثم يبدأ في الاستفاضة في الحديث عن افتقاده للدلع، الذي تعوَّد عليه منذ سنين نشأته الأولى؛ حيث كان الأبوان مُدركين لطبيعة ابنهما “فؤاد” الذي تُشحن بطاريات روحه بعبارات وأفعال التشجيع والدلع والدعم العاطفي، حتى أنه لجأ في كِبره، ليعوض حالة حِرمانه من التدليل الذي تحتاجه شخصيته، أن يقف أمام المرآة- كما يروي- في بداية كل يوم، ويدلل نفسه بنفسه، ويعطي روحه ما لم تعد تجده مِن الناس.

وعندما يُبدي المحاوِر اندهاشه من أنه يفتقد للتدليل، وهو الفنان الناجح الذي تحبه الملايين، يلخص الأستاذ “فؤاد” فِكرته في جملة شديدة الذكاء والرهافة: “أنا محدش استناني على غدا”، ثم تفلت الدموع المتجمدة من عينيه، بعدما لخّص إحساسه بافتقاد العاطفة والتدليل في حياته، كأن الكلمات التي خرجتْ من فمه ضغطت في طريقها على موضع الألم الأصيل في روحه، هذا أهم ما كان يفتقده الرجل الناجح الذي أعطته الدنيا ما يكفيه من الشُهرة والمال، أن يجد مَن تنتظره بحب على الغداء، يجلس إليها ويحكي لها عن مصاعب يومه، وربما ينصرف الحديث إلى تفاهات، ربما يتبادلان الضحك وهما يرفعان الأطباق سويًا، قد تهون الحياة كلها في عين المرء في تلك اللحظة، عندما يجد مَن ينتظره على “غداء”، عندما يجد مُنصتًا غير مدفوع الأجر لتفاصيل يومه.

إقرأ أيضا
أصابع البطاطس

حالة الجوع العاطفي التي عبِر عنها “المهندس” بصدق لا تزال حيّة بيننا إلى يومنا هذا، بل إنني يمكن أن أقول آسفًا أنها تعيش أزهى عصور تألقها وشيوعها وتوغلها في كثير من البيوت، يحيا شركاؤها تحت سقف واحد وكل منهما في عالمه، يفرقهما أكثرمما يجمعهما بكثير، ويفتقد أحدهما أو كلاهما لتفاصيل المشاركة والونس المتبادّل التي تجعل لفكرة الحياة المشتركة معنى، قبل أي شيء آخر.. ضغوط الحياة المادية، والقرارات الخاطئة، والتغافل في مواضع كانت تستحق وقفة يتبعها عِتاب متبادَل يُفضي إلى حل.. حواجز من الذلل والتراكمات تتحول بمرور الوقت إلى جبال تفصل بين شخصين كانا شريكي حياة، في لحظة ما، ولم يعودا.

فؤاد المهندس
تم إجراء الحوار أثناء عرض مسرحية “هالة حبيبتي“، أي عام 1985، عندما كان عمر الأستاذ “فؤاد المهندس” 60 عامًا تقريبًا، تزوج خلالهم من امرأتين، وانفصل عن كلتيهما، أنجب أطفالًا، وخاض الحياة بالطول والعرض، ولا زال مفتقدًا للتدليل العاطفي كما تعوَّد وتمنّى، لكن الإيجابي في الأمر هنا أنه كان يدرك موضع ألمه، عرف أين المشكلة، وأدرك سبب عدم اكتمال سعادته، بينما يحيا الكثيرون الآن في تعاسة، رغم نجاحاتهم، دون أن يدركوا أن موضع التعاسة ربما أقرب إليهم مما يعتقدون، وأنهم ربما يصبحون أفضل، عندما يجدون شريك حياة “يستناهم على غدا” في نهاية يوم مُرهِق.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
21
أحزنني
9
أعجبني
6
أغضبني
1
هاهاها
2
واااو
2


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان