عندما تحول البحر لحمام عام..أو هل بدأ التنمر من الإسكندرية؟!
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بصيف العام الماضي انتشرت كوميكس من أهل الإسكندرية كانت في إطار كوميدي كحالة تنفيس عن الغضب من سلوكيات يشهدها أهل البلد من بعض المصيفين. تطورت الكوميكس من فئة ما لتميل إلى التنمر، ولم يأخذ البعض الآخر الكوميكس ككل إلا أنها تصب في مصلحة العنصرية وحدها خاصة وأنها تلصق السلوكيات الخاطئة بالفلاحين تمر الأيام ونضطر جميعًا للجلوس بمنزلنا بسبب الكورونا. التزم الكثيرون من أهل الإسكندرية بالبقاء في البيت والوعي التام بخطورة الموقف، بينما نزل البعض في مظاهرات هزلية ضد الفيروس!..وتكبيرات أشبه بتكبيرات العيد بينما نحن في ورطة ولن ندرك العيد إلا بالخروج منها، وانطلق البعض الآخر للمنتزة والخروج للشواطىء.
المفاجأة كانت في انفجار كوميكس مضادة؛ هذا النوع الذي يصف الإسكندرانية بالفلاحين بنفس الممارسة العنصرية، بل وصرح البعض بمنتهى الوضوح بكرهه لأهل الإسكندرية وأن هذا الموقف يجب استغلاله كي نمارس شماتتنا فيهم! حتى كتب أحد الكتاب المبدعين “ما الذي بينكم وبين باقي المحافظات يا اسكندرانية خلاهم يستلموكو الاستلامة دي؟” إشارة أن أمر التنمر كان ملحوظًا للجميع.
مشهد آخر
بالتوقيت التذي اندلعت فيه الكوميكس بالصيف الماضي عن سلوكيات بعض المصيفين كتبت صديقة عما جعلها تقاطع بحر الإسكندرية، وهذه كلمات مقتبسة مما كتبته:
“السبب اللي خلانا نقاطع بحر إسكندرية في الصيف، إن أخر مرة كنا في قلب المياه لقينا فضلات بني آدم خبطت فينا!..خرجنا من المياه والشط كله وإحنا حالفين ما هننزل فيه تاني. إحنا نقصد الناس دي؛ زي الست اللي خلت ابنها يتبول ورا شمسيتنا، واللي بيرموا زبالة في البحر، واللي بياخدوا عوامات غيرهم كإنها بتاعتهم. مش فاهمة فين العنصرية لما بنقول احترموا المكان اللي انتوا فيه؟..وفي الأخر احنا اللي بنتشتم”
عزيزي القارىء بالتأكيد لا نقصد التعميم، ولكن هذه المواقف هي أقل ما نصادفه صيفًا من المصيفين. نعي جيدًا أن بحر الإسكندرية من خلق الله لعباده، وخاصة من لا يتمتعون برفاهية الذهاب للساحل، وهو نعمة في لأهل المحافظة تحديدًا؛ لذلك نصرخ من أجله.
لا نبرر لأي كوميكس به عنصرية، ولكننا نستعرض الصوت الآخر الذي يشتكي في صمت دون كوميكس،للأسف صدامنا مع براز الغير بالبحر صيفًا يتكرر، ولم يعد مشهدًا غريبًا مع مرور السنين، فقد تعرضت أنا الأخرى لنفس الموقف. تُصادف زوجتك رجلًا يرتدي ملابسه الداخلية بمنتهى الأريحية وعندما تعترض تجد أصواتًا تنادي بأن هذا بحر الفقراء وليس عليك سوى السكوت!..في حين أن الحياء لا يتعارض مع الفقر، واحترام الذوق العام والمكان لا علاقة له بالفقر
أنا فتاة من طبقة متوسطة؛ هذه الطبقة الكادحة التي تجاهد لكي تبقى مستورة، وأدرك حقيقة ما أقول؛ أن هذه السلوكيات ليس لها علاقة بالمستوى الاجتماعي والمادي. أن ترى المارة بالشوارع بملابسهم الداخلية لا علاقة له بالحرية؛ أنت حر ما لم تضر.
صرخنا لسنوات بهذا الكلام وأعلم أن المشكلة لن تحل بالصراخ ولا بمجرد اعتراضات على السوشيال ميديا، ولكن بالنهاية انفجرت بوجهنا الكوميكس. ربما كان بعضها ليس بمحله، ولكن هناك طرف بالموضوع لا نعلم كيف يتأذى.
نحن لسنا بصدد الحديث عن تاريخ الإسكندرية الآن، ولكن من الطبيعي أن يشعر كل فرد للانتماء إلى محافظة كالإسكندرية تتمتع بتاريخ طويل، ويغضب لتشويهها، كما نصرخ دائمًا للحفاظ على الكورنيش كي يصبح متنفسًا للجميع، وكما نصرخ للحفاظ على آثارها وتراثها أيضًا.
إن كان يرضيك ألا تتمتع بالمتنفس الوحيد بمحافظتك بعد كل ما نمر به من ضغوطات، وأن تصطدم بكل ما ذكرته من براز وملابس داخلية والتمتع بأدواتك دون استئذان وما إلى ذلك من سلوكيات فأرجوك راجع نفسك.
أما عن التنمر، فجميعنا نحتاج إلى وقفة بهذا الصدد، فما يفعله البعض بالكومكس لا يختلف عن الأمثال التي أطلقها الشعب في حق كل محافظة؛ مياه مالحة ووشوش كالحة هذا المثل الذي أطلقه البعض على أهل الإسكندرية نفسها، وخاصة أهل البحري، ومن ثم كل المحافظات الساحلية.
المنوفي لا يلوفي ولو أكلته لحم الكتوفي، ويا رايح شبراخيت لا تمسى ولا تبيت، وطنطا أهل الأونطة، وفلان يتمتع ببرود الفلاحين، وعلان قفل كما الصعايدة. لم تسلم فئة من التنمر، ولم تسلم محافظة من الأمثال العنصريةتقريبًا، فكيف نتكلم عن تقبل الآخر ونرجو السلام بالعالم ونحن نتعامل بهذا الشكل في نفس البلد الواحد؟!
بالنهاية مشكلة الحفاظ على شاطئ الإسكندرية تحتاج لكثير من المجهود وملصقات بتعليمات على جدار كل شاطىء عام، وقوانين صارمة لأهل المحافظة وغيرهم من المصيفين، أما عن مشكلة التنمر فلنا عبرة مما يعلمه الله لنا الآن بهذا الوباء والحظر فربما نراجع أنفسنا مم نحن فيه.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال