همتك نعدل الكفة
1٬233   مشاهدة  

عندما جرجر حليم عبدالوهاب إلى انتقاد الشيخ إمام و”الشاعر اللي معاه”

عبدالحليم وعبدالوهاب وأحمد فؤاد نجم والشيخ إمام


“الكلام اللي اتكتب فينا واللي اتقال عنا يملا قفف.. لكن أذكى الكلام كان اللي كتبه الأستاذ محمود السعدني في مجلة صباح الخير تحت عنوان – أغاني هذا الرجل – أنا مش ح أناقش رأيه في الشيخ إمام لكن اللي يهمني هو رأيه في كلام الأغاني قال ما معناه إن الكلمات تتناول أوجاع الناس بأسلوب لاذع بينما شعراء المؤسسة يكتبون عن هجر الحبيب وسهر الليالي وعد النجوم في عز الضهر.

أما اللواء الطبيب الأستاذ محمد عبد الوهاب موسيقار الأجيال فقال في صوت العرب لما سألوه:

– سمعت الشيخ إمام؟

قال:

– أنا ماليش دعوة بالكلام!!

وراح قايل رأيه في صوت الشيخ إمام وبكده يبقى سيادته ارتكب خطأ فني جسيم لأنه افترض وجود أغنية مافيهاش كلام.

عرفت بقى ليه الأستاذ رجاء النقاش كان مسمي البرنامج “مع ألحان الشيخ إمام”؟”

هكذا روى الفاجومي أحمد فؤاد نجم الواقعة التي سئل فيها محمد عبد الوهاب عن رأيه في موسيقى الشيخ إمام، لكن موسيقار الأجيال لم يكن يتنكر لنجم في الأساس قدر ما كان يهرب من فخ وضعه عبد الحليم حافظ كي يقول رأيه بشكل سلبي في الثنائي إمام ونجم، اللذين احتلا موقعا في الإذاعة باقتراح من رجاء النقاش.

كان وجودهما في الإذاعة بموسيقاهما وكلماتهما المضادة للذائقة الرسمية، التي تتحدث بلسان الفقراء، حدثا استثنائيا في حياة الفاجومي والشيخ إمام وغريبا أيضا، وإن لم تكن أغانيهما في الإذاعة تهاجم سلطة عبد الناصر مباشرة، إلا أن الأغاني بشكل عام فضلا على تمردها على قاموس الأغنية المعتاد، كانت تحمل نقدا غير مباشرا للفساد والتغيرات الاجتماعية في عهده. وكان اقتراح النقاش لتقديمها في الإذاعة هو محاولة في الأساس لاحتواء أغانيهما التحريضية اللاذعة، ، كما يذهب الناقد أمير العمري في كتابه ” الشيخ إمام ..في عصر الثورة والغضب”، لكن تلك المحاولة فشلت وانتهت باعتقال الثنائي.

YouTube player

 

يقول الكاتب صلاح عيسى، في مقاله شاعر تكدير الأمن العام الذي تصدر كتاب السيرة الذاتية لنجم الفاجومي:

” بين خريف 1967 وصيف 1968 كان “أحمد العادي فؤاد نجم” قد أصبح نجماً تنشر الصحف أنباءه، وتجري المجلات معه الأحاديث، ويتزاحم وجهاء المجتمع لكي يدعوه إلى بيوتهم ليستمعوا إليه.. وتزدحم حجرته الضيقة بعشرات من نجوم السينما والفن وأقطاب الثقافة، ويخصص التليفزيون برنامجاً خاصاً بعنوان “مع أشعار نجم وألحان الشيخ إمام” ويدعى إلى الندوات العامة، ويستحلفه الذين ينظمونها أن يلقي ما يشاء من أشعاره، فيما عدا قصائد قليلة على رأسها – قصيدة “الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا” – لحساسية موضوعاتها في الظروف السياسية التي كانت قائمة آنذاك، فيأخذهم على قدر عقولهم ثم تكون القصائد الممنوعة هي أول ما يلقيه هو أو يغنيه الشيخ إمام.

وذات يوم تلقي “الرئيس عبد الناصر” تقريراً من أحد أجهزة الأمن حول ظاهرة “نجم / إمام” جاء به، أنهما يذيعان أشعاراً مناهضة للحكم، ورغم ذلك فإن الصحف تتحدث إليهما ويذيع التليفزيون برنامجاً يتضمن أغانيهما، وتستضيفهما النقابات والجمعية الثقافية، فطلب أن يستمع إلى أغانيهما، ثم استدعى إليه وزير الإعلام الأستاذ محمد فائق وسأله:

– إزاى سايبينهم يقولوا الكلام ده.. ما اعتقلتوهمش ليه؟

وقال الوزير: إن البلد مجروحة بسبب الهزيمة، وإن من مصلحة النظام أن يسمح بفرصة محسوبة للتعبير عن آلام الجراح، وإن ما يكتبه نجم رغم قسوته، نقد صحي يمكن احتماله، وإن اعتقاله هو وزميله المغني الضرير سيثير ضجة بين المثقفين.. لكن “عبد الناصر” – الذي كان ككل الثوار يتألم إذا ما نقده ثائر – قال بغضب:

– بلا مثقفين.. بلا كلام فارغ.. اعتقلوهم! ”

إقرأ أيضا
عصا السنوار وعرش بشار

ربما كان عبد الحليم حافظ الذي كان رفيق ملجأ الأيتام نفسه الذي عاش فيه أحمد فؤاد نجم طفولته، قد التقط بذكائه ما سبق قرار عبد الناصر، أن نغمة الثنائي محرضة وثورية، لذا قبل أن يفصح عن سؤاله المباشر لعبد الوهاب بخصوص أغاني الشيخ إمام، مهد لسؤاله بخبث:

  • تفتكر الأستاذ عبد الوهاب، المرارة ممكن تولد فنان.
  • بعض الناس..فيه منهم المرارة تولد..وفيه على العكس يعني مثلا..

ليقاطعه عبد الحليم:

  • مش ممكن تولد حقد؟
  • مين؟
  • حقد.. حقد اجتماعي.
  • بالعكس ممكن تولد فلسفة.. على حسب النفوس يعني.
  • إنما ممكن تولد نوع من الحقد على المجتمع.
  • ممكن وممكن لأ.. كله حسب محتوى الأرتيست ومحتوى الفنان.
  • طب لو لقينا مواهب خلاقة عظيمة ولقيناها منفصلة عن المجتمع أو بتحقد عليه، من واجبنا كفنانين إن إحنا نجيبها ونخليها تساير المجتمع وتندمج فيه علشان تخدمه بفنها ولا نسيبها معزولة وتحقد على المجتمع.
  • لأ طبعا لو جبتها وسنفرتها.. لكن أنا مش عارف أنا عايز أقف شوية قدام كلمة حقد.. أنا ليه أقول حقد.. يعني الانفصال عن المجتمع حاجة والحقد حاجة.
  • أيوه لأنه بيحقد فمنفصل عن المجتمع وبيحقد عليه من بعيد.

لم يكن عبد الوهاب قد أدرك بعد هدف سؤال حليم لكنه أدرك إصراره على تكرار كلمة حقد، وتعجب، فالفن أيضا قد يتحقق بالانفصال عن المجتمع، فلماذا يصر عبد الحليم على ربط فكرة الانفصال بالحقد، فيجيبه:

  • لأ.. أصل فيه في الفن نوعين.. فنان يحاكي الزمن ويلتصق بمجتمعه التصاق كامل ويرجع تاني يظهره أو يحط عليه ميكروسكوب ويوريه للناس ويبقى عايش فيه ويبقى صادق فيه وأصدقه، وفيه أرتيست تاني يبقى منفصل عن مجتمعه لكن متقدم عنه.

بعد الإجابة المحرجة الكاشفة عن عمق رؤيته للفن التي أجابها عبد الوهاب والتي تفسد خبث مقصد حليم يكف عن التمهيد والمراوغة ويسأل مباشرة:

  • طب إيه رأيك في الشيخ إمام والشاعر اللي معاه ( متعمدا إغفال اسم أحمد فؤاد نجم في نبرة تحقيرية)، وهو ما يفعله عبد الوهاب قائلا: أنا ما اعرفش الشاعر اللي معاه، لكن أنا سمعت الشيخ إمام وما حاولتش انظر للكلام، لأن كل إنسان بينظر للأشياء بأحاسيسه هو، وأنا طبعا إحساسي في ودني، والكلام بالنسبة لنا في المرتبة التانية.

لم يكن ذلك منفصلا عما رواه الفاجومي في مذكراته عن محاولات وأد ثورية الثنائي بفصلهما عن بعضهما البعض، وكانت المغريات في الأغلب تتجه إلى الشيخ إمام بالتلحين لمؤلفين آخرين ومطربين من داخل السوق الرسمي، لذا كان اتجاه عبد الحليم هو التعظيم من موهبة الشيخ فقط بشرط ترويضها وفصلها عن روحها الشيطانية التي حرص كل من عبد الحليم وبعد ذلك عبد الوهاب على عدم ذكر اسمها: كلمات الفاجومي.

إجابة عبد الوهاب مدحت بذكاء في ألحان الشيخ إمام: “موسيقى حماسية، ماشي في خط الشيخ سيد درويش، فيه تحمس وفيه إخلاص، ومن جهة صوته، صوت عريض خطوطه واضحة” وهي إجابة دقيقة فنيا، وإن كانت تتفق مع عبد الحليم حافظ فيما يليق أو لا يليق بالخط الرسمي للغناء، إلا أنها على الأقل كانت أكثر ثراء ووعيا بدور الفن، ولم يكتف كحليم بوصفها بالحقد الذي يحتاج إلى ترويض.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان