عندما دخل يحيى حقي في الموضوع مباشرةً
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
معظمنا شاهد أو سمع عن فيلم “قنديل أم هاشم” ، وهو فيلم مصري من علامات السينما المصرية على مدار تاريخها من حيث القصة، عندما سافر “اسماعيل” إلى أوروبا واستكمل تعلم طب العيون، ثم يعود إلى موطنه الأصلي بحي السيدة زينب، ليصطدم بمعقدات أهل الحي المترسّخة، وتتلخص في إيمانهم العميق أن زيت قنديل المسجد هو من يشفي المرضى، وفي الحقيقة هو من يزيدهم مرضًا، ويحاول الطبيب المسلح بالعلم إقناع أهل الحي بفساد معتقدهم، لكن شراسة الجهل تواجهه، ومرض خطيبته “فاطمة” بالعمى كان هو التحدي الشخصي له لتمثيله جسر ممتد بين علمه وإيمان أهل السيدة زينب بواقع العلم الجديد .. الرواية كتبها الأديب، رائد القصة القصيرة ، يحيى حقي .. نُشرت في عام 1940، ثم أُنتجت كفيلمًا سينمائيًا عام 1968، من بطولة الفنان الكبير شكري سرحان، وأخرج العمل كمال عطية.
ومن تاريخ نشر رواية “قنديل أم هاشم”، ألى معرض الكتاب المُنقضي، وكأننا لا نعرف كيف تُصنع العجلة لا كيف إعادة صناعتها، أن تكون الوصفة قد وصفت من ثمانين سنة فيما أكثر لكننا نسأل عنها من جديد، وإذ سألت عن مقارنة ما فيما نناقش الآن، فما نتحدث عنه بالتحديد هم أول ثلاث صفحات بالرواية .. قرأت أربعة إصدارات لكُتّاب واعدين من معرض الكتاب الماضي، الروايات تقريبًا في حدود المائتي صفحة .. وعن تجربة، خمسون صفحة تقريبًا لا تعرف ماذا يقصد الكاتب، عندما تكون القصة في فيصل والكاتب في الهرم فيقطع الشارع القصير لما يقصده، فإنه يسافر إلى الأسكندرية ليأخذ أول “يو تيرن” للعودة للقاهرة عن طريق الهرم .. وكأن أول خمسون صفحة هي مذكرات الكاتب عن نفسه، والاقتباسات التي يفكر فيها كعبارات ترويجية للرواية .. وكأن الكاتب قد مسك على القارئ (ذلة) ما كي (يكلبشه) أمام الكتاب حتى تمر الخمسين صفحة الأولى .. وفيما فعله عمنا خيري كتمهيد لحكايته في “قنديل أم هاشم” درسًا كبيرًا لكل من يفكر بالكتابة .. سطور قليلة وضعت أساسات وتاريخ القصة قبل أن يبدأ .. سطور قليلة بها من الإبداع ما يجعلك تعيش ستين سنة في صفحة من الحجم الصغير لروايات الجيب، تمهيد قبل أن يأتي بطلنا “اسماعيل“، وكأن يحيى حقي كان يكسر التابوه في الرواية سواء بطريقة كتابتها أو بمضمون رسالتها .. وفيها قال:
“كان جدي الشيخ رجب عبد الله إذا قدم القاهرة وهو صبي مع رجال الأسرة ونسائها للتبرك بزيارة أهل البيت، دفعه أبوه إذا أشرفوا على مدخل مسجد السيدة زينب – وغريزة التقليد تُغني عن الدفع- فيهوي معهم على عتبته الرخامية يرشقها بقبلاته، وأقدام الداخلين الخارجين تكاد تصدم رأسه . إذ شاهد فعلتهم أحد رجال الدين المتعالين أشاح بوجهه ناقمًا على الزمن، مستعيذًا بالله من البدع والشرك والجهالة. أما أغلبية الشعب فتبسم لسذاجة حؤلاء القرويين ورائحة – اللبن والطين والحلبة- تفوح من ثيابهم، وتفهم ما في قلوبهم من حرارة الشوق والتبجيل، لا يجدون وسيلة للتعبير عن عواطفهم إلا ما يفعلون : والأعمال بالنيات . وهاجر جدي – وهو شاب- إلى القاهرة سعيًا للرزق، فلا عجب أن اختار لإقامته أقرب المساكن لجامعه المحبب. وهكذا استقر بمنزل للأوقاف قديم، يواجه ميضأة المسجد الخلفية، في الحارة التي كانت تسمى (حارة الميضة)، كانت لأن معول مصلحة التنظيم الهدام أتى عليها فيما أتى عليه من معالم القاهرة. طاش المعول وسلمت للميدان روحه ، إنما يوفّق في المحو والإفناء حين تكون ضحاياة من حجارة وطوب! .. ثم فتح جدي متجرًا للغلال في الميدان أيضًا . وهكذا عاشت الأسرة في ركاب الست وفي حماها : أعياد الست أعيادنا، ومواسمها مواسمنا، ومؤذن المسجد ساعتنا .. اتسع المتجر وبورك لجدي فيه – وهذا من كرامات أم هاشم – فما كاد يرى ابنه الأكبر يتك دراسته في الكُتّاب حتى جذبه إلى تجارته ليستعين به، وأما ابنه الثاني فقد دخل الأزهرـ واضطرب فيه سنوات وأخفق، ثم عاد لبلدتنا ليكون فقيهها ومأذونها . بقى الابن الأصغر .. عمي اسماعيل ….
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال