مفلسين : ماذا فعلت عندما كنت أم لأربعة أطفال وخالية شغل؟ .. بحثت عن السعادة
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
منتصف عام ٢٠١٧ أصبحت بدون ذكر أسباب خالية شغل، يعني بدون عمل وأعول أربعة أطفال، طبعًا لم أكن وحدي كانت معي محكمة الأسرة، بسبب قصة متكررة جدًا في مصر أب توقف عن الإنفاق على أولاده أو المشاركة بعد الإنفصال ولأن كثيرًا من المرات ما يصادف أن يكون القاضي أب سيئ أيضًا فكان من الطبيعي أن يعاون القاضي أمثاله ويماطل في الأحكام شهور وسنين، لذلك كنت قد قررت أن أعتبرهم جميعًا أشباح ولا أنتظر منهم أي أثر.
أتذكر أنني استيقظت من نومي أول صباح لي وأنا دون عمل كنت حاول أن أتأقلم مع كوني عاطلة لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات عمل متواصلة ، مر شريط الذكريات سريعًا أمامي، عن معاركي التي خضتها وانتصرت لمهنيتي، عن الليال الطوال التي سهرت فيها لتغطية الأخبار وأيام الثورة، السبق الصحفي والتحقق ومراحل النجاح المهنية، لا تزال سيارتي بالقسط رغم عملي رئيس تحرير ومدير عام بل ورئيس مجلس إدارة، غير أنني حين قررت الانفصال عن والد أطفالي قبل هذه المرحلة بسنوات قليلة تركت كل ما أمتلك من سيارات وفيلا راقية وخدم مقيم تركت مدخراتي المالية كلها واخترت راحتي وحريتي وها هو إفلاسي بات وشيكًا أو واقعًا يجب أن استقبله خلال أشهر لينضم هو أيضًا لواقعي الجديد.
يقولون أن الأهل سند وعزوة لكن في مجتمعنا إن اختارت البنت خارج إرادة أهلها فهي بذلك توقع ضمنيًا على إقرار بالتنازل عن هذا الدعم المنتظر مهما كبرت أو علا شأنها تظل هي التي خرجت عن الطوع.
لم تكن الظروف مواتية فكان والدي المهندس ورجل الأعمال المليونير يواجه أزمة شديدة لأول مرة في حياته في السيولة أو الكاش كما يسمونه كان ذلك بسبب ركود ألم بسوق العقارات فلما وصلني أنه يقترض لأول مرة في حياته ليسدد أقساطًا مستحقة عليه بالعملة الصعبة نسفت في التو أي فكرة تحاول أن تقتحمني لأطلب منه المساعدة، وأنا التي لم تستدين في يوم من الأيام أو تطلب المساعدة من أي شخص حتى وقت طفولتي كنت أخجل من أن أطلب مصروف يدي مثل رفقائي.
نظريًا وبحسابات البشر المحدودة كان يستحيل أن أصل لحل للأزمة المالية الشديدة التي ستحل بي مع دخول شهر سبتمبر، شهر مصاريف المدارس ولن أحدثك عن مصاريف مدارس أربعة أطفال نصفهم في الثانوية الأمريكية والآخرين بالقسم الخاص اللغات.
ما عساي أن أفعل
لقد فعلت ما يتوجب علي فعله، وثقت بالله وقدرته وأوكلت أمري كله إليه وصدقًا لم أجزع، كانت شهورًا ثقيلة منذ خسرت عملي حتي مرور موسم بدأ المدارس، لكنني كنت أكرر جملة واحدة ( لقد كنت أمينة ونزيهة طول أيام عملي لم أخن الأمانة يومًا ولم أُهمل ولن ينسانا الله )
بكيت كثيرًا وبحرقة لتركي عملي الذي أحبه وفقداني لشغفي، لكن دمعة واحدة لم تنزل لخوفي من انكشافي أو احتياجي لغير وجه الله تعالى.
انتظمت في ممارسة الرياضة يوميًا في المنزل تشبثت بكل ما يذكرني بأنني قوية وأستطيع
مهما بدت الطريق مستحيلة، كنت أوفر القدر الأكبر من فرص إفراز هرمون السعادة ” الدوبامين ” بداخلي فقررت تعلم نوع جديد من الرياضة كما قررت أن أعلم بناتي قواعد وأصول الطبخ لأضاعف من إحساسي بالإنجاز ولو من نوع جديد، كان عملي بالصحافة والإعلام مرهقًا حيث أخذ مني كثيرًا من الوقت ومن راحة البال والصفاء
وأنا خالية شغل كان عليّ أن أحافظ على توازني وضبط انفعالاتي ورباطة جأشي كما يسمونها حتى وأنا أدرك أن كل يوم يمر يقترب معه موعد إفلاسي الرسمي ولكنني كنت كل لحظة أجدد عهدي مع الله وأكمل الثبات في رحلة الصبر.
أذكر من هذه الأيام أنني وجدتني صابرة بجدارة فأدركت حينها أن الصبر أسهل من الرضا، كنت أصبر على الظلم ولكنني كنت أبكي بحرقة عندما يظلمني أحدهم.
كنت أعلم أن الله لن يتركني لكنني كنت أشكيه إليه سرًا وأذكره بخُلقي وكفائتي واستحقاقي وكأنما أحاسبه على ما قدره لي.
مثابرة على السعي دون كلل ولا ملل – كنت ولا زلت .
النبي عليه الصلاة والسلام قال لما سئل أي الكسب أطيب؟ قال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور.
والرجل هنا يقصد به المسئول رجلًا أو امرأة وكان ذلك دستوري
كانت بناتي الكبريات قد أتقن فن الطبخ وبدأن في تجاوزي لمدارس تهتم بالأصناف المعدة من مصادر طبيعية وصحية وبدأن بشغف القراءة وصقل الموهبة التي بدى لي أنها قاربت المحترفين في أشهر قليلة ولقد أفسحت لهن المجال بتقديم الدعم وتوفير المواد الخام من أجود الأنواع وأغلاها وأخبرتهن أننا لو تقدمنا في هذا المجال يمكننا احترافه، كنت أمهد لي ولهن طريقًا جديدًا للكسب والعيش إن طال الوقت ولم أجد عملًا يناسب تخصصي
قدر الله أن ييسر لنا واستطعت دون جهد يمكن ذكره أن حصل على قدر من مستحاقاتي المالية عن فترة عملي الأخيرة، وكان لي دين لدى صديق هداه الله وقدره على سداده فانفرجت أزمة سبتمبر ومد الله لنا بأنفاس جديدة ليكمل امتحانه وأكمل صبري وشكري الله على النعم الذي كفاني سؤال الناس كما دعوته.
شاركت في نشاط تطوعي ضمن مجموعات نسائية مغلقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ونذرت لله أن أعين كل امرأة لديها مشروع منزلي صغير في أبحاث السوق والإعداد والتسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي حتى البيع دون مقابل، كنت أصدق أن تفريجي على المكروبين سيعود إلي ولو بعد حين، وكنت أبحث دائمًا عن مصدر جديدي للدوبامين – هرمون السعادة والإنجاز وما كنت أنتهي من تقديم المساعدة لإحداهن إلا وشعرت بشعور عظيم من الامتلاء والإطمئنان.
واظبت على إحراز تقدم ملموس في تعلم رياضتي الجديدة وممارستها يوميًا إلى جانب القراءة وتجديد العهد مع الله كل لحظة ضعف وبدأت في تصميم علامة تجارية لبيع المأكولات الخفيفة والصحية التي تصنع من مصادر طبيعية خالية من السكر والجلوتين، لقد أصبحنا الآن جاهزات للمنافسة بأصناف بعينها ولدينا القدرة على بيعها بأسعار منافسة، كنا قد أجرينا أبحاث السوق كاملة ورصدنا المنافسين واطلعنا على التغليف وتفاصيل البيع الخ … وأطلقنا – دوترز – daughters لم أكن أصدق أننا بدأنا البيع التجريبي خلال أشهر وصممنا وأصدرنا المطبوعات الخاصة بالمنتجات، وقبل أن نقلع عُرضت عليّ شراكة من مستثمرين أراداوا مشاركتي لفتح محال لبيع منتجاتنا دون أن يمانع أحدهم في احتفاظنا بعلامتنا التجارية، غير أنني كنت قد بدأت في أكثر من عمل – بنظام القطعة كمنتج فني لبرامج وآخر كاستشاري – كان العمل قريبًا جدًا من تخصصي، وأراد الشركاء أن نضيف الزبد والسمن والدقيق في بعض منتجاتنا ورأيت أنا وبناتي أن ذلك يخل بالعلامة التجارية التي صنعناها ويتعارض مع هدفنا في التوعية بنمط صحي غذائي ورفضنا العرض.
كتت قد أرسلت رسالة مختصرة تفيد بتركي لعملي وخبرتي المهنية وأنني اليوم متاحة للعمل وأرسلتها إلى قائمة قصيرة من أسماء أصدقاء ومعارف عمل ربما كانوا بحاجة لتخصصي، صحيح أن من بينهم من تصور أن مركزه القوي المهم جدًا يسهل له استغلالي واعتقد أن حاجتي للعمل مبررًا لطمعه المريض إلا أن آخرًا تهللت أساريره فور علمه بأنني متاحة للعمل حيث يوجد مؤسسة ما تبحث منذ أشهر طويلة عن خبرة في مجالي وتريد استشاريا يساعدها في الاتصال والتسويق الإلكتروني ، وقد كان.
لم تمر أربعة أشهر حتى وجدت عملًا جديدًا وبعدها بأشهر قليلة كسبت عملًا آخر لكنني للحظات شعرت أنني بقيت دون عمل لأربع سنوات تعلمت فيها أن نول الرضا ليس بالسهل ولكنني اليوم رضيت فزادني الله من فضله بتوفيق أولادي وبزواج كان فيه كل العوض.
من – دوترز – لدينا فقط حساب على انستاجرام ومطبوعات متبقية وبعض الأغلفة، لكن الأهم هو أثر التجربة الذي سيبقى في داخلنا للأبد ، عندما سأل أحدهم نبينا عليه الصلاة والسلام مساعدة باع له ما يملك وأعطاه ثمنه وأمره أن يحتطب فلما عاد الرجل بمال وفير قال عليه الصلاة والسلام ( لئن يذهب أحدكم بأحبله إلى الجبل فيحتطب ويبيع خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه )
ولقد كان صنع أيدينا عونًا ولو غير مباشر وصدق الله وعده فهو الرزاق ذو القوة جل شأنه سبحانه، لم أفلس أبدًا ولم أسأل الناس المساعدة ولم أستدين.
مرت التجربة وربما لم تتغير الظروف كثيرًا غير أنني أنا التي تغيرت، لم يعد الظلم إن وقع سببًا كافيًا ليبكيني ، إن الله موجود حقًا حين يدرك كل جزء فيك بوجوده قلبك وعقلك وروحك.
اليوم أنا صابرة وراضية أكثر بكثير ، أبدأ دائمًا من جديد ولا أكف عن السعي وطلب الرزق والسعادة.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
الله بجد اد ايه حبيت مقالك جايز علشان حاسس ان كلامك طالع من القلب للقلب بدون اى تصنع او تكليف زيادة عن اللزوم
انتى انسانه ماشاء الله عليكى ربنا بحفظك ويحفظ عائلتك الجميلة
اول مرة من يوم مشتغلت اقرأ مقاله طويلة كاملة من غير ملل لانك جزء كبير من تجارب عشناها زيك 🌹