عن أغنية أحب أقولك وسيمون التي لا يعرفها الكثيرون
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
عندما صدر ألبوم “أحب أقولك” للمطربة سيمون عام 1994 ظهرت بداخله بعض الأسماء الجديدة والمختلفة على تجربتها الفنية التي عرفناها كلها، كان أشهر تلك الأسماء هو وجود الشاعر “عصام عبد الله” المحسوب على تيار جيل الوسط الغنائي مع الموسيقار “مودي الامام” حيث صنعا لنا التحفة الفنية المتمثلة في أغنية “أحب أقولك” التي تم تسمية الألبوم بها.
ظهور هذا الثنائي كان غريبًا جدًا لأسباب كثيرة تتعلق بابتعاد عصام عبد الله عن الوسط الغنائي بعد خفوت تجارب الأغنية البديلة وجيل الوسط وظهور تجارب جيل الأغنية الشبابية التي كانت تسيطر على أفكارها الأغنية العاطفية المباشرة، أما مودي الإمام فكان ينشط في مضمار أخر هو الموسيقى التصويرية التي حقق فيها نجاحات متتالية ولم يكن لديه متسع من الوقت للاستمرار في سوق البوب المصري.
لكن ماذا حرك في هذا الثنائي كي يجتمعا سويًا مرة أخرى بعد أن كان أخر ظهور لهما في أغنية في قلب الليل لـ على الحجار أواخر الثمانينات، التفسير هو أن أغنية “أحب أقولك” كانت حبيسة الأدراج منذ أواخر الثمانينات ولم تظهر إلى النور إلا في 94 وكانت من أوائل الأغنيات التي اختارتها سيمون كي تضمها إلى ألبومها الأول لكن وقف امام هذا الاختيار المنتج طارق الكاشف مكتشف سيمون والذي كان يرى أنه من الصعب أن تبدأ سيمون مسيرتها الغنائية بتلك الأغنية الدرامية الثقلية وأنه يريد أن يقدمها بشكل مختلف حيث كان يراها المعادل المصري لتجربة مطرب البوب الغربي “مادونا” وبدأ معها رحلتها الفنية التي عرفناها كلها مثال للبنت الشقية المرحة المنطلقة.
ظلت تلك الأغنية في ذهن سيمون تمني النفس بان تغنيها يومًا ما حتى التقت بالمنتج عمرو محمود صاحب شركة ديجيتك ومنتج ألبوم “أحب أقولك” حيث ترك لها حرية اختيار ما تريد أن تغنيه فاستعادت على الفور تلك الأغنية وقررت ان حان الوقت لأن تظهر إلى النور.
الكلمات :
لن أعيد ما ذكرته من قبل عن الشاعر الكبير عصام عبد الله ولكن يكفي أن أذكر أنه من الشعراء القليلين جدًا القادرين على معالجة الأفكار العاطفية التقليدية من منظور جديد يؤكد ذلك قاموس مفرداته الخاص جدًا والذي لا يملك حل لغزه إلا هو فقط.
الفكرة بسيطة جدًا عن تيمة الخداع والخيانة تأتي على لسان امرأة، لكن الجرئ في الموضوع هو أن نرى أغنية نسائية تهاجم الرجل بمفردات قوية وصعبة جدًا وتسدد كلمات تشبه اللكمات إلى الرجل في فترة كان الخطاب النسائي الغنائي عادة ما يرتكن إلى تيم الضعف والإنكسار.
أحب أقولك أني قبلك كنت عايشة وأن بعدك هبقى عايشة وأن في 100 ألف زيك
وأحب أقولك أنت مش مالك نهايتي أنت مش مفتاح سعادتي واللي قالك غير ده غشك
من عادات عصام عبد الله هي عدم اعتماده على قوالب جاهزة ومعلبة في صياغة بنية الأغنية، هو يحكي لنا قصة في قالبه الخاص الذي يختلف بحسب طبيعة كل أغنية، ينحاز للسرد وإبراز التفاصيل أكثر بمفردات يغزلها بنفسه ولا يخشى المغامرة في وضعها داخل سياق الأغنية ولا تجده مضطر لحشر أي لفظ أو مفردة خارج السياق لضبط القافية وفي نفس الوقت يحافظ على تماسك فكرته ويثير فيك الدهشة كلما تستمع إلى كلماته.
الموسيقى :
من عادة مودي الإمام أنه يتعامل مع الكلمات وكأنها فيلم درامي قصير يضع شريط الصوت له ببراعة تتناسب مع الفكرة العامة للأغنية، الأغنية موسيقيًا تسير وفق أسلوب مودي الإمام “أوركسترا الفرد الواحد” حيث يعتمد على نفسه في عزف موسيقى الأغنية مستخدمًا أنواعًا مختلفة من الكيبورد اّلته المفضلة وهي نقطة تجعل مسألة اكتشاف موسيقاه سهلة جدًا وهي طريقة لها مميزاتها ولها عيوبها أيضًا.
اختار مودي الإمام مقام النهاوند بجمل لحنية تحكي وتعبر عن الكلمات أكثر حيث لا حاجة لتطريب المستمع أكثر من إثارة انفعالاته بالكلمات، بطل موسيقى الأغنية هو الكيبورد حيث يتفنن مودي في استخدام أصوات الآلات ما بين الإلكتريك جيتار والباص جيتار والوتريات.
اللحن مكون من فكرتين ببناء تصاعدي يبدأ من “أحب أقولك” وصولًا إلى الفكرة الثانية في “يا ما أحلامي اترمت وأنت كسول” مع استخدام كامل لحليات ومؤثرات صوتية من الكيبورد مع خط باص جيتار يظهر بقوة في خلفية المقطع الثاني واللي قالك غير ده غشك، في نهاية الأغنية يعطي مودي لنفسه براحًا للارتجال قليلًا بعيدًا عن اللحن الأساسي مع تنويع في الأصوات وبراعة في تكنيكات العزف ثم تعود سيمون لغناء اللزمة الرئيسية في مقطع “يا ما احلامي وانت كسول ” حتى تتلاشى الموسيقى وتختفي سريعًا.
ملف بليغ حمدي : الفلكلور ما بين التطوير والإفلاس الفني
كانت أغنية “أحب أقولك” هي قمة تطور تجربة سيمون الغنائية قبل أن تتحول إلى مضمار التمثيل بعدها ويمكن أن نقول أنه أهم وأقيم ألبوماتها من حيث الجودة الفنية والأهم من ذلك هو أنه أظهر لنا سيمون بشكل جديد ومختلف.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال