رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
228   مشاهدة  

عن الصراع الطويل بين التابوهات والإبداع.. من المنتصر؟

التابوهات
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



لا أحد يعرف على وجه الدقة إذا كان الإبداع يسبق التابوهات المتعارف عليها أم أن التابوهات هي السابقة؟

ولكن، ما نعرفه حقًا أن هناك صراع تاريخي طويل بين الإبداع والتابوهات التي تتمثل في الدين والمجتمع والسلطة الحاكمة. هذا الصراع الذي عاصره وعاني منه كل مبدع حقيقي عبر التاريخ. والتاريخ نفسه كُتبت صفحاته بدماء المبدع/ المفكر ابتداءًا من أخناتون الذي نادي بالإله الواحد فكان مصيره النفي مع زوجته الجميلة نفرتيتي مرورًا بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى بالغرب، وحرق كتب الفلاسفة بالشرق، وصولاً إلى يومنا هذا حيث اتخذت تلك التابوهات التي تعمل على حجب الإبداع في عصرنا صورًا أخري.. ومنها:

التضييق على دور النشر

التابوهات

دور النشر هي الوسيط بين المبدع والقارئ، بدونها يصبح الكتاب مجرد نسخة لا يتطلع عليه سوي عدد محدود من القراء. وبها ينتشر الإبداع، لهذا فأحيانًا ما يكون التضييق على دور النشر وسيلة لحجب الإبداع.

في عام 2008 اضطر الناشر المصري الحاج مدبولي أن يعدم رواية “سقوط الإمام” ومسرحية “الإله يقدم استقالته” للكاتبة نوال السعداوي بعد فتولا من مركز البحوث الإسلامية بالمنع والمصادرة من معرض القاهرة.

أما الناشر محمد هاشم صاحب ومدير دار ميريت للنشر فهو يعاني من ملاحقات الأمن المصري الدائمة لداره، حيث اقتحمت مكتبه أكثر من مرة نظراً لدوره الفعال في ثورة 25 يناير، ربما يكون أخرها عقب إعلانه لدعوة ندوة لمناقشة الكاتب علاء الأسواني. بالإضافة إلى منع كتبه للمشاركة في العديد من المعارض الدولية ومنها معرض جدة، والصعوبات التي واجهها هذا العام بمعرض القاهرة الدولي للكتاب.

وهناك دول تلعب حكومتها دور الرقيب، الكويت مثلاً على رأس الدول التي تمنع الكتب، ربما يتم منع الكتاب لعنوانه أو غلافه، ثم تأتي الإمارات في نفس المرتبة حيث أنه يجب أن تقرأ لجنة مختصة الإعلام الأماراتي لتحدد إذا كان الكتاب سيعرض أم لا.. وهو ما حدث مع رواية غرفة العنكبوت للكاتب المصري محمد عبد النبي منعت من الإمارات كمثال.

فتاوى دينية ضد الإبداع

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

عام 1962 كتب نجيب محفوظ روايته الشهيرة “أولاد حارتنا”، لم يكن يظن أن مؤسسة دينية مثل الأزهر ستتحرك ضد تلك الرواية، وربما يكون قد اندهش حين طلب منه طه حسين نشرها في الأهرام مسلسلة، وكان لعميد الأدب العربي رؤية مستقبلية، فبخبرته أدرك على الفور أن هذا العمل سيتحرك ضده الأزهر، فأراد أن يضعه أمام الأمر الواقع، وبالفعل نُشرت الرواية في جريدة الأهرام وتحرك الأزهر لمنع النشر غير أن محمد حسنين هيكل – رئيس تحرير الأهرام وقتها- رفض وساند نجيب للنهاية، وفي اتفاق ضمني بين نجيب وحسن صبري الخولي – رجل عبد الناصر- تم منع نشرها في مصر، ونُشرت بدار الآداب المصرية ولم تنشر في مصر حتى عام 2013 بدار الشروق..

كذلك رواية (آيات شيطانية) التي هزت العالم الإسلامي في عام 1988، واتهم بسببها سليمان رشدي بالكفر والزندقة ومُنعت من عدة دول عربية وإسلامية، وأصدر الخميني فتواه الشهيرة بإهدار دم سلمان رشدي..

أما رواية “وليمة لأعشاب البحر” لـ حيدر حيدر فقد اصدرتها وزارة الثقافة في سلسلة كان يشرف عليها الكاتب الكبير إبراهيم أصلان والروائي حمدي أبو جُليل، وهاجمها الأزهر بضراوة شديدة. على أثرها تم استدعاء إبراهيم أصلان وحمدي أبو جليل للتحقيق معهما.

يصرح أبو جليل: “بعد فتوى الأزهر انقلبت الدنيا وخرج طلاب جامعة الأزهر غاضبون، عرفت وقتها أنني في خطر، حضرت شنطة ملابسي وانتظرت القبض عليّ”

يضيف: “هناك، تم فصلي عن أصلان، واصطحبوني إلى غرفة مغلقة، أذكر وقتها أن المحقق سألني وقتها: يعني إيه رواية؟ ظللنا نتحدث طوال الليل تقريبًا وفي النهاية أطلق سراحنا”

كتب هشام البواردي في روايته الثانية “الرجل النملة”، والتي جاءت كـ سيرة ذاتية للراوي، وهو أيضاً خريج جامعة الأزهر حيث يصف بدقة غضب الطلاب واضرابهم عن الطعام – وكان البواردي واحد من الطلبة الغاضبون- حتي جاءت المذيعة جميلة إسماعيل وسألتهم: أنتوا قريتوا الرواية؟ لم يكن أحد قد قرأها أصلاً.

احتجاز المبدع أو منعه من دخول البلاد

هناك أيضًا نوع آخر من الحجب وهو منع المبدع من دخول بلاد بعينها، ووضعه على قائمة الممنوعين من دخول البلد.

نصر حامد أبو زيد
نصر حامد أبو زيد

مرة كنت قد قرأت في أخبار الأدب مقال لنصر حامد أبو زيد يتحدث فيه عن زيارته للكويت، وكانت لديه ندوة ستنعقد هناك، غير أنهم في المطار أوقفوه بدعوة أن هناك أمر بعدم مغادرته للمطار وعودته من حيث أتي في أقرب طائرة، مما أجبره على الجلوس في غرفة بالمطار لمدة ساعات طويلة، وكان بالغرفة ضابط يشرف عليه، ودار الحديث بينه وبين هذا الضابط الذي كان متعاطفًا ومندهشًا، وطلب الضابط من أبي زيد أن يلقي عليه المحاضرة التي كان سيلقيها، وفعلاً ألقي حامد أبو زيد المحاضرة ودار النقاش حولها حتى موعد الانصراف.

وهناك نوع ثاني يتمثل في مطاردة المبدع حتي يترك بلاده، وهو ما حدث ما الكاتب السوداني حمور زيادة الذي تم حرق منزله بالكامل بعد كتابته لقصة تحكي عن تعرض أطفال للاعتداءات الجنسية، الأمر الذي أجبره للهرب إلى القاهرة.

إقرأ أيضا
العوم في الترع

المجتمع كتابوه رابع

انتشرت مؤخرأ ظاهرة المواطن المخدوش حياءه، يقدم بلاغ للنائب العام فتتحرك كل مؤسسات الدولة من أجل الحياء المخدوش، وبسبب الحياء تم سجن الكاتب أحمد ناجي بعد نشره لفصل من روايته الأحدث “استخدام الحياة” في جريدة أخبار الأدب، ليشعر مواطن مجهول بأن كما ورد في البلاغ “أصابه الانهيار العصبي مما كتبه المؤلف” فيتم التحقيق مع الكاتب ويزج به في السجون لعدة أعوام لمجرد أنه ذكر الأعضاء الجنسية بأسماءها العامية.

الحجب بالتفريغ وإفساد الذوق العام

معظم دور النشر اليوم تراعي الحشمة والأفكار المحافظة في كتبها، حتي أنه يوجد اليوم ما يسمي بصعود أدب السلفية، هو مصطلح قديم قامت به الجماعات الإسلامية للحد من الإبداع الحقيقي، غير أن الظاهرة في تزايد حتى أننا نسمع اليوم عن روايات من قبيل “حبيبي داعشي” والمنتقبة الحسناء” بالإضافة لوجود ما يزيد عن 25 كاتبة منتقبة وربما أكثر بكثير.

على الجانب الآخر انتشرت دور النشر التي تروج للكتابة السطحية، وتحتفي بالتفاهة وتسعي وراء نجوم الترند دون اعتبار ينظر للقيمة الأدبية أو الفكرية المقدمة.. ورغم ذلك يبقي السؤال..

هل حققت تلك التابوهات هدفها في منع وحجب الإبداع؟

  • أخناتون: انتهي تعدد الآلهة من مصر، وأصبحت مصر أول حضارة تعرف التوحيد، وصار أخناتون مثالاً للعقل والحكمة يحتذي به..
  • رواية (أولاد حارتنا): المنع لفت نظر العالم الغربي للرواية، وانتبه الغرب لأعمال نجيب محفوظ الروائية، وكانت أولاد حارتنا الشرارة الأولى لحصوله على نوبل في الآداب وترجمة كل أعماله للغات عديدة ليصبح واحد من أهم كتاب الرواية في العالم.
  • سلمان رشدي: حصل على جائزة البوكر العالمية في الآداب مرتين عن نفس الرواية (أطفال منتصف الليل) وذاع صيته وانتشر بعد هجوم المتشددين عليه.. ورغم منع رواية (آيات شيطانية) في عدة دول إلا أنها من الروايات الأكثر رواجًا وبيعًا واهتمامًا على مستوى العالم..
  • رواية (وليمة لأعشاب البحر) وهي رواية متوسطة على مستوى الجودة الأدبية نالت حظها هي الأخرى من الشهرة، وربما تكون الرواية الوحيدة التي شهرت صاحبها بتلك الطريقة، والفضل في ذلك يعود لمؤسسة المنع (الأزهر).. والمفارقة الأغرب أن القاضي المسئول عن التحقيق مع حمدي أصبح روائي معروف وهو الكاتب أشرف العشماوي. أما هشام البواردي بعد سؤال المذيعة له ذهب إلى المكتبة ليسأل عن رواية حيدر فلم يجدها، اشتري رواية السراب لنجيب محفوظ فسقط في حب الأدب وأصبح روائيًا بدوره!
  • نصر حامد أبو زيد بعد زيارته للكويت وصداقته العابرة لضابط المطار، يخبرنا كيف أن المحضرة جاءت بنتائج مبهرة، هو نفسه لم يكن يتخيلها، فالصداقة العابرة أسفرت عن تلميذ جديد – ضابط المطار- الذي راح يبحث عن كتب الأستاذ – نصر حامد أبو زيد- وفي الرسائل المتبادلة بينهما يذكر أبو زيد فرحته بهذا التلميذ الذي تحول إلى باحث وناشر لأفكار أستاذه في البلد التي منعته من عرض أفكاره.
  • في غرفة العنكبوت: وصلت للقائمة القصيرة للبوكر وطبعت عدة طبعات..
  • حمور زيادة نشر روايته الثانية بالقاهرة “شوق الدرويش” بدار العين لتحقق أعلى المبيعات وتصل إلى القائمة القصيرة بجائزة البوكر العربية ويصبح واحدًا من أشهر كُتاب جيله.
  • استخدام الحياة لأحمد ناجي تصدرت قائمة البحث على جوجل، كما أن الفصل المتسبب في السجن نشرته معظم الصحف العربية والمواقع المختلفة.

ومن هنا يتضح لنا أن التابوهات التي سعت بكامل قوتها لحجب الإبداع عملت ضد نفسها وقامت بالترويج لأعمال ربما ستظل خالدة إلى الأبد.

 

الكاتب

  • التابوهات عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان