عن تمويل الإلحاد والمؤامرة على الإسلام
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا.
الفرق بين النظرية والتطبيق
أولا: يقدم المسلمين ورجال الدين الآية السابقة لما يكون الحوار عن السماحة في الإسلام، وإنه دين محبة وسلام وتعايش. بالتالي أستخدمها بيزيد بعد إعلان تنظيم إسلامي ما مسؤوليته عن عملية إرهابية، أو عند دعوة إنسان ما للإسلام.
ثانيا: الآية دي نفسها بتتنسي خالص، والبعض بيقول تم نسخها من أصله، لما يكون الكلام على حد مسلم قرر يترك الإسلام، حتى لو كان نفس الشخص اللي تم استخدام الآية في دعوته.. ويلاقي نفسه في مواجهة أسطورة حد الردة.
الفرق بين الواقع والتشويه
اعتاد المؤمنين، خصوصًا في الشرق الأوسط، على تبني نظرية المؤامرة الكونية ضد دينهم، وهي حالة مَرَضية بامتياز، لدرجة إن كتير من المسلمين المصريين مؤمنين إيمان عميق إن الإسلام مضطهد في مصر.. وإن أجهزة الدولة تُحابي للمسيحيين على حسابهم.
عشان كده من آن لأخر بنلاقي أخبار عبثية عن شبكات لنشر الإلحاد أو رصد تمويلات بملايين الدولارات من جهات خارجية بغرض محاربة الدين وإفساد الشباب.. إلخ إلخ، وهنا مهم نسمع نصيحة عوكل حين قال خلال خطبته العصماء في قهوة المصريين: لازم نعمل وقفة.
وقفة نوضح من خلالها حاجتين، أو نجاوب على سؤالين مهمين:
- هل “الغرب الكافر” يهمه يبعد المسلمين عن دينهم؟
- مين اللي فعلًا بيصرف ملايين لنشر أفكاره العقائدية؟
أسطورة المؤامرة
تعالوا ماندخلش في مهاترات هل فيه مؤامرة ولا مافيش؟، ونبص على المشهد من منظار الإسلامجية، فنشوف العالم مقسوم (شرق مسلم-غرب كفار)، وإن “الغرب الكافر” مركز جهوده في التأمر على شباب الشرق المسلم عشان يضيعهم ويضلهم.. وده لإنه خايف من صحوتهم اللي هتسحب البُساط من تحت رجليه.
تعالوا بقى نحط نفسنا مكان “الغرب الكافر” المتأمر. فلما نكون عايزين نبعد منافس مُحتمل عن قيادة العالم، هل هنحاول نبعده عن أفكار بتقول له إن الحياة الحالية مالهاش قيمة وإن فيه حياة تانية بعد الموت هي الأهم؟
فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ.
ولا نحاول نقنعه بيها أكتر، عشان يسيبلنا ملعب الحياة خالص ويركز على مشاريعه المهمة بعد ما يموت؟
وطبعًا ده مش المثال الوحيد، لسه فيه عشرات الآيات والأحاديث كلها بتأكد نفس المعنى.
هل نحاول نفرق بينه وبين خطاب ديني بيُعلي من قيمة المُستهلك في مقابل المُنتج لمجرد إلتزام المُستهلك بأداء بعض الطقوس والعبادات، ولا نقربه أكتر للخطاب ده وأفكاره؟
تمويل الإيمان
في الوقت اللي بنقرا فيه أخبار عبثية عن تمويل نشر الإلحاد، نادرًا ما حد بياخد باله من وجود بند ثابت في موازنة الدولة رايح لتمويل نشر الإسلام، البند ده مثلا في موازنة 2017-2018 كان أكتر من 12 مليون جنيه، ووزارة الأوقاف كانت بتطالب برفعه إلى 14 مليون.
ده طبعًا غير النشاط الدعوي لمجمع البحوث الإسلامية، التابع للأزهر، واللي ميزانيته سنة 2019 تجاوزت التلاتة مليار جنيه.
هنا أنا ماقصدش إن البنود دي من الميزانية تتوقف، أو تتوجه لحاجات مفيدة زي التعليم والصحة، إنما أقصد أوضح مين اللي بيتمول وبشكل علني.. بس ماحدش بيركز معاه، لإننا عايزين نعيش في ظِل نظرية المؤامرة.. لإنه مريح.
وطبعًا مصر مش الدولة الوحيدة اللي بتمول بعثات دعوية داخلية وخارجية، إنما فيه دول تانية بتقدم نفس الخدمة وبأرقام أكبر بمراحل، كمان مجلس الكنايس العالمي بيلعب نفس الدور، وإن كان لا يمول من موازنات دول.
المصارف الشرعية.. مصادر للتمويل
تمويل الدعوة الإسلامية مش واقف بس على ما تقدمه ميزانيات بعض الدول، إنما كمان فيه مؤسسات وصناديق مستقلة بتجمع تبرعات أهلية، تحت بند الصدقة أو حتى الزكاة، وبيتم تكييف ده شرعيًا عبر تخريجتين:
- جهاد المال.
- سهم المؤلفة قلوبهم.
جهاد المال
من المفهوم بالبداهة إن الغرض من الجهاد هو نشر الإسلام، أو الدفاع عنه، بالتالي الدعوة للدين بدون حرب تؤدي نفس الغرض، بالتالي تمويل نفقاتها يعد جهاد بالمال.
والجهاد حسب القرآن بالمال والنفس، وحسب الحديث المنسوب للنبي والمروي عن أنس بن مالك يزيد عليهم اللسان: جاهِدوا المشرِكينَ بأموالِكُم وأنفسِكُم وألسنتِكُم.
وحسب فتوى الإمام بن باز، المنشورة في موقعه، إن جهاد المشركين أهم من جهاد النفس، يعني ينفع المسلم يكون عاصي ويجاهد بنفسه أو بماله أو بلسانه بغرض نشر ونُصرِة الإسلام، اللي هو كمجاهد مش ملتزم بقواعده “عاصي”.
بناء على التركيبة السابقة من وجود ما يسمى بجهاد المال ومدى فضلُه وأهميته وثوابه، وعدم اشتراط صلاح حال المسلم المموِل/المُجاهِد، فبقى متوفر مصدر دخل كبير للمؤسسات الدعوية، من أموال الصدقات.
المؤلفة قلوبهم
هنا بقى دخلنا في فلوس الزكاة، وهي شرعًا فرض على المسلمين، على عكس الصدقات، وكانوا سوا (جنب الغنايم اللي خِلصت) همه مصادر دخل بيت مال المسلمين، وليهم مصارفها الشرعية الثابتة، المُبيَّنة في الآية 60 من سورة التوبة.
إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.
تَمَن مصارف، سِتّة منهم مقفولين على حالات محددة بعينها، لكن فيه أتنين ينفعوا في تمويل الدعوة، الأولاني “في سبيل الله” وهنا ينفع يبقى تمويل الجهاد، اللي اتكلمنا عنه الفقرة اللي فاتت.
والتاني “المؤلفة قلوبهم” وهو باب مفتوح لكذا حاجة، ينفع مثلًا دفع أموال لشخص حديث العهد بالإسلام، وده باب خلانا نشوف نِمَر زي الشاب الكاميروني اللي نصب ع الناس في ليبيا، ثم انتشرت صوره وقصته مع أخطاء في تحديد جنسيته والبلد اللي نصب فيها، لغاية موقع النهار ما بحث في الموضوع وحدد بدقة مكان وزمان الواقعة.
حماية الإسلام
وينفع كمان الدفع لأشخاص مؤثرين في قومهم ويمكن استمالتهم للإسلام أو لتفادي هجومهم ع الإسلام، حسب تعريف الشيخ علي جمعة.
وبشكل عام سهم المؤلفة قلوبهم، زي كتير من مسائل الفقه، عليه خلاف بين الفقهاء، منهم اللي شايف إنه لا يعطى إلا للمسلمين فقط “زي الإمام الشافعي”، واللي شايف إنه سقط أصلا بانتشار الإسلام “زي أبو حنيفة”، واللي شايف إنه لسه قائم ويجوز دفعه لغير المسلمين.. زي ما شرحلنا الشيخ علي جمعة.
ختامًا
بالتالي كل الكلام عن تمويلات لمحاربة الإسلام، مش بس غير منطقية، إنما كمان ماشوفناش عليها دليل.. على عكس تمويلات الدعوة المثبتة رسميا في موازنات دول، وجهاد المال وسهم المؤلفة قلوبهم المنصوص عليهم قرآنيًا.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال