عن خواتيم سورة البقرة .. لماذا اعْتُبِرَت آخر 76 كلمة فيها هدية من السماء للأمة المحمدية
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
يقول الله تعالى في خواتيم سورة البقرة :
﴿ آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 285، 286].
خواتيم سورة البقرة ورؤية السنة لها
وروى مسلم في صحيحه (عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- (لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، قَالَ فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا أَيْ رَسُولَ اللَّهِ كُلِّفْنَا مِنَ الأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ الصَّلاَةُ وَالصِّيَامُ وَالْجِهَادُ وَالصَّدَقَةُ وَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هَذِهِ الآيَةُ وَلاَ نُطِيقُهَا.
اقرأ أيضًا
شركة التأمين القرآنية .. بين النساء وجدار الأب الصالح
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا بَلْ قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ». قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).
اقرأ أيضًا
الخلاص في سورة الإخلاص “نظرة أخرى للعبادة بين السلف والخلف”
فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ نَعَمْ (رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) قَالَ نَعَمْ (وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) قَالَ نَعَمْ .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ : بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَمِعَ نَقِيضاً مِنْ فَوْقِهِ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: ( هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ, لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ فَقَالَ: هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إِلَى الأَرْضِ لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إِلاَّ الْيَوْمَ فَسَلَّمَ، وَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إِلاَّ أُعْطِيتَهُ ). وقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: ( أُعْطِيتُ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتِ الْعَرْشِ، لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي ).
روحانيات خواتيم سورة البقرة
فقد اشْتَمَلَت الآيتان على الإيمانِ باللهِ وملائِكتِه وكُتُبِه ورُسُلِهِ واليومِ الآخرِ، وفِيهما بَيانُ وُجُوبِ التَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللهِ وأَمْرِ رَسُولِه، وأَنَّه يَجِبُ على المُؤْمِن إذا دُعِيَ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ أَنْ يَقُولَ سَمِعْنا وأَطَعْنا، مِن غَيْرِ تَرَدُّدِ، فَإِنَّ ذلك سَبَبٌ لِتيْسيرِ أُمُورِهِ، والتَّفْرِيجِ عَنْه ورَفْعِ الحَرَجِ والمَشَقَّةِ عَنْه، ومِن ذلك: العَفْوُ والمَغْفِرَةُ وعَدَمُ مُؤَاخَذَتِه عِنْدَ الخَطأِ والنِّسْيانِ.
وكذلك أنهما من خَصائِصِ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم وَمِن خَصائِصِ هذِه الأُمَّةِ وَأَنَّه نَزَلَ بِهِما مَلَكٌ لَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ ذلك ، وأَنَّه فُتِحَ لَهُما بابٌ مِن السماءِ خاصٌّ لَم يُفْتَحْ قَبْلَ ذلك.
كذلك فإنَّ هاتَيْنِ الآيَتَينِ نورٌ وكَنْزٌ مِن تَحْتِ العَرْش، وَأَنَّهُما نَزَلَتا على رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِحَضْرَةِ جبريلَ عليه السلام، والعَجِيبُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بُشِّرَ بِهِما، وهذا مِمَّا يَزِيدُهُما فَضْلاً.
وَمِن ذلك: أَنَّهُما وِرْدٌ وإعاذَةٌ مِن الشياطِينِ والشُّرُورِ في البُيُوتِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِأَلْفَيْ عَامٍ أَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ الْبَقَرَةِ، وَلَا يُقْرَآنِ فِي دَارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبُهَا شَيْطَانٌ )، ففي هذا دَلِيلٌ على أنَّهُما وِرْدٌ لَيْلِيٌّ مَنْزِلِي، وأَنَّهُما كِفايَةٌ ودِرْعٌ وحِفْظٌ وعِنايَةٌ، لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: ( كَفَتاه )، أي: كَفَتاه مِن شَرِّ ما يُؤْذِيهِ، فَهُما مِن الأَوْرادِ المَتِينَةِ التي تَمْنَع الأَذَى والشَّرَّ والسُّوءَ والمَكْروهَ، والإِفسادَ والضَّرَرَ بِإذْنِ الله، وتُعوِّذ العَبْدَ مِن العَيْنِ والسِّحْرِ وشياطينِ الإنْسِ والجن، و الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قال عليٌّ رضي الله عنه: ” ما كنت أرى أحدًا يَعْقِلُ، يَنامُ حَتى يَقْرَاَ آيَةَ الكُرسيِّ، وخَواتِيمَ سُورةِ البقرة “.
الكاتب
-
أحمد الجعفري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال