همتك نعدل الكفة
711   مشاهدة  

عن مزج مذهب الطقطوقة بآخر…قصة الموسيقار القصبجي

الطقطوقة


 

أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الخامسة والعشرين من قصة الموسيقار الكبير نحيل الجسد قوي الفكر، المرحوم محمد علي القصبجي، وكنا قد تحدثنا في اللقاء السابق عن تطويره في ميدان قالب الطقطوقة بعد أن تسلم راية التطوير في ميدانها من المرحوم الشيخ زكريا أحمد وتبعه في هذا المضمار موسيقار الأجيال المرحوم محمد عبد الوهاب والمرحوم رياض السنباطي، وقلنا أن المرحوم محمد القصبجي كان قد ابتكر فكرة مزج مذهب الطقطوقة بآخر كل غصن فيها ليخرج لحن الطقطوقة في النهاية متماسكا بما يوحي بكتابة الطقطوقة على النحو الذي طوره هو، ويتبقى لنا الحديث عن نقطة هامة وهي أن كل أغنيات القصبجي التي جاءت على النسق الذي تحدثنا عنه وعلى وجه الخصوص الأغاني التي جاءت في الأفلام السينمائية كانت من أجمل ما لحن مطلقا، بل وكانت من أهم النماذج التي نسج على منوالها تلاميذ المرحوم محمد القصبجي.

وجدير بالذكر أنه لم يقتصر عطاء ذلك الملحن الفذ على المطربين والمطربات المصريين والمصريات فقط، بل كانت للمطربات اللبنانيات اللواتي توافدن على القاهرة عاصمة الفنون حصة وافرة من ألحان المرحوم محمد القصبجي، فغنت له المطربة القديرة سعاد محمد أكثر من عشر أغنيات أشهرها أغنيتان من تأليف أمير الزجل المرحوم بيرم التونسي في فيلم فتاة من فلسطين سنة 1948م، كذلك غنت له المطربة الكبيرة نور الهدى إحدى عشرة أغنية، وهي التي قال عنها المرحوم محمد القصبجي أنها من أكثر المطربات إحساسا باللحن وأمانة في تطبيقه وآدائه، وأشهر أغاني نور الهدى من ألحان محمد القصبجي: قيدوا الشموع واسقوا الشربات من فيلم مجد ودموع سنة 1945م، وياللي تحب الفل من فيلم قبلني يا أبي سنة 1947م، وخمس أغنيات أخر من تأليف المرحوم بيرم التونسي في فيلم برلنتي سنة 1943م، كذلك غنت من ألحانه المطربة صباح ثلاث أغنيات في فيلمين هما: أول الشهر، وأنا وابن عمي سنة 1945م، وكذلك غنت من ألحانه المطربة لور دكاش قصيدة طائر الليل.

 

المرحوم محمد القصبجي المتواضع صاحب المزاج:

الطقطوقة

على الرغم من أن المرحوم محمد القصبجي كان موسيقيا من طراز فريد، فهو الذي تفوق على أقرانه من عازفي العود وأصحاب المؤلفات الموسيقية، وعلى الرغم من كونه صاحب مدرسة مستقله سواء على مستوى التأليف الموسيقي أو التجديد والتطوير أو على مستوى العزف على آلة العود، إلا أنه كان شخصا متواضعا، لم يكن يرى نفسه أعجوبة زمانه، وعلى الرغم من إحساسه بفنه وبقيمته وهو ما سنتحدث عنه بعد قليل، كان القصبجي دائم البحث والتعلم، لا يكف أبدا عن التنقيب في العلوم الموسيقية، حتى بعد أن تمكن منه المرض لم يثنه ذلك عن مشواره الذي رسمه لنفسه، والحقيقة كثيرا ما أقف متعجبا أمام هذا الرجل الذي كان يقول وهو سيد العود في زمانه إنه يخشى أن ينشز العود وهو في حضنه، القصبجي الذي وضع نظريات وأسس وأساليب للعزف وصار مدرسة للجيل بل والأجيال التي أتت بعده يقول أنه يخشى أن ينشز، أمر عجيب يجعلني أتوقف لأرى ما آلت إليه الأمور في عصرنا الحالي ممن يسمون أنفسهم أساتذة العود في الوطن العربي وهم أبعد ما يكون عن العمق الفني الذي يوصف صاحبه بالأستاذ، بل إنهم قد زيفوا وبدلوا وربما شوهوا الطعم الشرقي للموسيقى ناسبين أنفسهم للمرسة الشرقية ظلما وزورا، كان القصبجي أستاذا بصدق علم فناني عصره أن يرهبوا الفن ويحترموه ويحترموا المستمع الذي جاء لينهل من صفو الفن الحقيقي، وعن ذلك يقول المرحوم أحمد الحفناوي عازف الكمان الكبير بفرقة أم كلثوم: لقد أشعرني تواضع المرحوم محمد القصبجي برهبة أمام العزف، تلك المهمة الجدية الخطيرة، وها هو المرحوم محمد فوزي يقول عن لحن المرحوم محمد القصبجي في أغنية أنا قلبي دليلي، هذا ليس لحنا من سنة 1947م، إنه لحن من سنة 2000، وللأسف ها نحن سنة 2020م، وها هو الفن قد انحدر ووصل لمرحلة مذرية، فلم يعد على الساحة الفنية من هم في ربع أو ثمن موهبة ذلك الجيل العظيم الذي خلد التاريخ أعماله.

إقرأ أيضًا…الجانب المظلم للناصر صلاح الدين الأيوبي .. أحرق مكتبة وقتل عالما جليلًا

على أن المرحوم محمد القصبجي ورغم تواضعه الملفت إلا أنه كان فنانا مزاجيا أو كما عبر البعض “أرستقراطيا”، لا يخلق الموسيقى التي يطلبها الناس، بل التي يرتضيها وتملأ رأسه، فهو لم ير نفسه جرسونا يلبي طلبات الجماهير العريضة وإنما كان يعتمد في مسيرته أسلوب التجريب الذي وصل إليه من خلال دراساته المتبحرة في العلوم الموسيقية الشرقية والغربية، وربما ناسب ذلك الأسلوب النصف الأول من مسيرته الفنية حين كانت النخبة المثقفة هي التي تتحكم في مسألة الأذواق وتوابعها، إلا أن الوضع في النصف الثاني من مسيرته قد تغير بناء على تغير الطبقة المتحكمة في مسألة الأذواق.

الطقطوقة
الطقطوقة

إقرأ أيضا
بليغ حمدي

ففي النصف الأول من مسيرته الفنية كان المرحوم محمد القصبجي لا يقدم سوى ما يخرج من مخيلته الموسيقية من ألحان والتي بدورها كانت تصادف مزاج باشاوات وهوانم ذلك العصر الليبرالي، صحيح كانت النخبة المثقفة تمثل عددا قليلا إلا أنها كانت الطبقة الأكثر تحكما وتأثيرا في مسألة الأذواق وبناء عليه كان القصبجي لا يجد حرجا في تقديم الفن الذي يعبر عنه، وبسهولة كانت تصل الألحان من خلال تلقيها القبول من الفئة التي كان ينعكس انطابعها إلى بقية الجماهير العريضة، فضلا عن تماسك العمل بعناصر ثلاث مثّل القصبجي واحدا من هذه العناصر، فالكتابة الجيدة والغناء الجيد حين يندمج مع الفكر الموسيقي المناسب يتولد العمل الذي ستتقبله الجماهير ذات الثقافة التي تسمح لها بتلقيه، ولكن مع نهاية الثلاثينيات ودخول مرحلة الأربعينيات وسيطرة السينما الغنائية والإذاعة على الساحة فضلا عن خروج جيل جديد اختلط بعامة الشعب وتخرج من الجامعة لم يجد القصبجي أمامه سوى فئة قليلة من الجماهير التي تتقبل أعماله في حين سيطرت الفئة الأولى على مسألة التحكم في الأذواق ووقتها بدأ منحنى انتاج المرحوم محمد القصبجي يأخذ في النزول، ومع دخول المرحلة الناصرية انقلبت الموازين رأسا على عقب وسادت ألوانا أخرى من الفنون وخرج جيل جديد من الملحنين كانوا الأقرب إلي الشعب باعتبار ارتفاع أسهم الطبقات الكادحة أو الشعبية فانزوى المرحوم محمد القصبجي ولم يجد له مكانا في منافسه لم تكن أبدا في صالحه، ولم يجد القصبجي لفنه متلقيا حقيقا فركن إلى عوده وظل عازفا في فرقة الست أم كلثوم مفسحا المجال لما ناسب الفكر السائد آنذاك حتى توفى في عام 1966.

وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن بنبدأ من الحلقة القادمة في الحديث عن سلسلة التزوير التي أصابت سيرة الموسيقار الكبير محمد القصبجي.
دمتم في سعادة وسرور.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان