عيدهم وعيدنا
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
صباح الخير يا أبي
كيف يا أبي تماسكت ووقفت فى طابور العيدية أمام جدي لتأخذ عيدية أخي الأكبر الذي ذهب عريسًا في الجنة؟
ترقرقت عينيك بالدموع، لكنك أخذت عيديته وخرجت إلي الشارع ومنحتها لطفل مار بالصدفة، فرح الطفل وهلل، وكنا أيضًا فرحون.
نأخذ القروش القليلة، نتناول الإفطار الصباحي فى العيد الكحك مع الشاي بلبن، ثم ننطلق إلي الشوارع، نستأجر الدرجات ونركب المراجيح، ونعود بعد أن ننفق كل ما معنا.
في الليلة السابقة تستغلنا أمي لنوصل أطبق الكحك للجيران، حتي الآن لا أعرف من فيهم كان مسلمًا ومن كان غير مسلم، الحقيقة لم ألتفت لذلك، فكانت الأسماء متشابهة، وكلنا متشابهون.
كنا جميعا نتشارك البسمة، ثم نبتت الفرقة.
يا أبي
منذ أن بدأنا نُسمي أسماءنا تكشف الهوية الدينية والابتسامة تتراجع، جاء البعض وقال لا للعيدية، ثم اختفت الأطباق في البيوت، وشيء فشيء صرنا في وحدة وعزلة.
كيف أحكي لابني عن فرحة العيد، عن الفيلم الهندي عصر أول أيام العيد، وأفلام عادل إمام التي كنا ننتظرها بلهفة، والمسرحية اليومية.
العيد صار مجرد إجازة فى روزنامة الإجازات للموظفين والعاملين فى القطاعين العام والخاص، ونحن داخل محبسنا الأسمنتي.
منذ كبرت صرت لا أُحب العيد، فهو يعلن عن عزلتي، ويكشف عن جهلي بأسماء جيراني، ووحدة ابني الذي لن ينزل إلي الشارع، ولن يعرف المرجيحة التي كنا نتسابق لتعلو وتعلو والأكثر تميز هو الذي يدور دورة كاملة فينقلب بها ونحن نصرخ شغفًا ودهشة.
لا يا أبي ليست عزلتنا لأننا فى مدينة كبيرة الآن، وقديمًا كنا نعيش فى قرية، نعم مازالت هناك اختلافات بين الريف والمدينة، لكنها ليست كبيرة أو فارقة فالعيد كما اختفي هنا اختفي هناك.
ماذا تبقي لنا من العيد يا أبي؟
أعرف أننا دومًا في حنين إلي ما مضي، وأن ذاكرتنا انتقائية تعمل علي اختيار لحظة الفرح، الآن تعددت سبل المتعة، أصبح كل شيء سهل ومتاح، لكننا لم نعد سعداء!
إذا اختفي الدافع بهت الفعل، نعم يا أبي اختفي الدافع، أصبح بيننا من يُقسمنا وفق تصوراته، يمنح من يحب ويمنع عن من لا يُحب.
من أيام رأيت فيديو علي أحد مواقع التواصل الاجتماعي رجل يوزع وجبات علي محتاجين وحين سأل أحدهم عن ديانته وعرف انه غير مسلم منع عنه الأكل.
كانت الفرحة موجودة لأننا نتشارك، لم أسمع منك أو من أحد فى العائلة حديثًا عن دين أحد، حتي هؤلاء الذين كانوا يحملون أسماء قديسين كنا نناديهم بعمي.
الله رحيم يا أبي لكننا لسنا كذلك، الله جميل ولكننا أدمنا القبح، الله محبة وقلوب أكثرنا سوّدها الأحقاد والضغائن.
صباح العيد يا أبي
أخبرني كيف أُعلم أبني أن العيد فرحة وهو لا يتشاركها مع أحد، كيف تتسق الفرحة مع الوحدة والجفاء، إننا نخاف الغرباء، ونخاف المسئولية.
قست قلوبنا وتغلظت، وكلما قست القلوب خفتت الابتسامة، إنني أتذكر العيد، وقفطان الواقفة، وتفاصيل المحبة، وأحزن لأن أجيال تربت علي الفرقة، فتاوي تنفي الآخر وتبعده، فتاوي تُنكر علي عباد الله نعيمه ورزقه.
يا أبي
هل أقول لك أن هناك اماكن تمنع المختلفين فى الدين مع صاحب العمل من العمل فى المنشأة، فأي عيد هذا الذي نتحدث عنه؟
عيد قائم علي انكار الآخر، وقسوة القلب، وقطع الرزق، إنهم يريدوننا أن نمحو الفرحة من المختلف عنا، يُنصبون أنفسهم وكلاء الله، ولو قرأوا آياته لعرفوا رحمته التي وسعت كل شيء.
إنه العيد يا أبي وهذا العام لأول مرة ستكون عزلتنا مبررة، ووحدتنا أمان، لأن وباء انتشر وتزداد قوته فى التجمعات، هذا العيد لدينا مبرر لحزن خفي، ولفرحة معلقة فى الدواليب.
عيدك فى الجنة يا أبي وعيدنا بما نستحق
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد