عيدية المهندس حسن!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
أثار المهندس حسن التونسي انتباه الجميع بما قام بفعله في أول أيام عيد الفطر الفائت.. الرجل أطل من شرفة مكتبه في الطابق الثاني بحي الخليفة (مكتب للمقاولات العامة) وألقى نقودا وافرة على الناس كعيدية؛ تجمع أكثرية الناس تحت شباكه طبعا، وتغنوا باسمه “حسن يا حسن.. بنحبك يا حسن”، ونال كل منهم نصيبه من المال!
اختلفت الآراء بشأن ما جرى، كثيرون عدوه فعلا مشينا مستفزا، هؤلاء قصدوا الطريقة غالبا لا العطاء بذاته، وكثيرون غيرهم رأوا المسألة برمتها بسيطة ومقبولة؛ فسكتوا، أو قرروا الجهر برؤيتهم وليس في حسبانهم ملامة لائمين..
الفئة النقدية التي كان الرجل يقذف بها على الخلق ليست واضحة في الفيديوهات المنتشرة التي وثق بها الناس الحدث الاستقطابي العجيب، بعضهم قال بعد ذلك إنها كانت فئة صغيرة وكثيرة (خمسة جنيهات) وآخرون ذكروا فئات ثانية أكبر (خمسين، مئة، مئتين) لكنهم جميعا أكدوا كثرة ما ألقاه الرجل من شرفته، والخلق متجمهرون في المكان!
قال جيران الرجل ومعارفه إنه يقوم بالفعل نفسه في كل عيد، وإنه ينفق ما يقارب خمسين ألف جنيه في كل مرة، بنفس الأريحية، وعلى كل حال أصبح الأمر معروفا الآن إذ وثقه الأهالي صوتا وصورة، ولم يكن معروفا من قبل، أو كان محدود المعرفة ولم يكن ذائعا..
قد يكون أشخاص، حضروا القصة عابرين أو شاهدوها في الفيديوهات أو سمعوها من غيرهم، قد يكونون قالوا إن الرجل سفيه أو مجنون أو ذو غرض، وهو قول طبيعي للأمانة نظرا لغرابة ما حدث، قالوه ظنا أو يقينا، والظن أليق بالمقام لا اليقين، فهؤلاء بعيدون عن الرجل بعدا يضلل تصورات أصحابه، وليسوا قريبين منه بالمعنى الكاشف الحاسم، ولا علم لهم من ثم بطبيعته ولا ظرفه ولا محيطه الذي يغدق عليه كل هذا الإغداق.. مع ذلك سأتفق مع الذين رأوا الطريقة جارحة لأنها تحمل قدرا من الإهانة بالفعل، لكنني لن أقسو على المهندس الكريم فأتهمه بشيء كبير يدينه في الصميم أو يحقر من مدد يديه، سأذكر القراء بالإنفاق في الإسلام فقط “الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون”.. سورة البقرة– الآية 274
ههنا تبدو العلانية التي توخاها الرجل مطلوبة في الدين، كصورة تكمل صورة أختها السرية، وإن ظللت أنا للأمانة متحفظا على بروزه الصارخ مع المتحفظين، لكن تحفظي خفيف معقول لا كالتحفظات الفادحة التي كادت تودي بالرجل فترديه في هلكة السخرية السرمدية وربما العقاب المحتوم، وسأذكرهم بالحديث الشريف الصحيح الذي نصه: “اليد العليا خير من اليد السفلى”.. والمراد أن المعطي أفضل من الآخذ، وعلى هذا قد يكون الرجل أفضل، في مرآة الدين الواضحة، من جملة الذين نالوا جنيهاته ثم عرضوه للتشهير، ساهين أو عامدين، هكذا لو كان عمله خالصا لله تعالى وعفويا حقا فليس مبطنا بالريبات..
نحن، المصريين، لنا روحنا الفكهة الخاصة التي قلما تشابهها أرواح بقية الأمم، بل لا تشابهها روح واحدة أخرى، لا بالحقيقة ولا بالمجاز، لو شئنا الدقة في توصيف الأمور، وأنا أدخلت القصة المثيرة في هذا النطاق القومي الاجتماعي اللطيف؛ فلم أحاكم الرجل كمن حاكموه ولم أركز على موضوعه طويلا بالأساس، إنما لفتني كغيري، ولفتني كذلك ذاموه ومادحوه في خلال عيد تفتحت أبواب حدائقه، والعيد زحمة حب لا حرب، فقلت في الجمع كلمتي الشاملة حريصا على حياديتها، وذهبت لا ألوي على أحد!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد