بطولات الـ 100 يوم المنسية قبل معركة الإسماعيلية (2-5) عمليات الشرطة والفدائيين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تطرق الجزء الأول من تحقيق بطولات الـ 100 يوم المنسية قبل معركة الإسماعيلية، مرحلة ما قبل تعاون الشرطة والفدائيين في القنال، والخلفية التاريخية لذلك، فيما يتناول الجزء الثاني تفاصيل عمليات الشرطة والفدائيين في مدن القنال ضد الاحتلال البريطاني لمصر.
مراحل الـ 100 يوم المنسية بين الشرطة والفدائيين
شهدت مدن القنال في 15 يوم (16-29 أكتوبر 1951) عددًا من المظاهرات قابلتها قوات الاحتلال البريطاني بالاعتداءات التي أسفرت عن استشهاد 19 مصري (4 عسكريين – 13 من المدنيين – سيدة – طفل)، فيما جُرِح 125 مواطنًا (18 من العسكريين – 107 من المدنيين بينهم سيدة)، وارتفعت أعمال النهب فوصل عدد الذين نهبهم الإنجيز إلى 72 شخصًا، فيما تم الاعتداء على 48 عامل من الذين أضربوا عن العمل وإتلاف أمتعة 8 منهم وألقي القبض على 38 آخرين.
(مرحلة آخر 72 ساعة من أكتوبر 1951) | الدعوة لحمل السلاح
في 29 أكتوبر سنة 1951 م أعلن مصر رسميًا إباحة حمل السلاح لغير العسكريين والشرطيين في هيئة اسمها كتائب التحرير شريطة أن تتجه إلى مدن القنال للنضال ضد القوات البريطانية هناك.
كان إعلان وزير الداخلية فؤاد سراج الدين بإباحة حمل السلاح لكتائب التحرير واضحًا وهو أن كتائب التحرير هدفها الأول مقاتلة الإنجليز في مدن القنال، دون أن يكون لها حراك في أي منطقة أخرى مع مراعاة حفظ الأمن.
لقيت دعوة وزير الداخلية صدىً في أرجاء مصر، لدرجة أن المرأة المصرية نفسها تطوعت لحملة السلاح في كتيبة بنت النيل التي أطلقتها درية شفيق.
لم تقف بريطانيا مكتوفة الأيدي إزاء هذا الإعلان الحكومي، فشنت عمليات نهب وسلب واعتداء في مدن القناة استهدفت الجميع.
وفي سابقة هي الأولى من نوعها اختطفت قوات الاحتلال البريطاني اليوزباشي السيد لطفي الخولي معاون نقطة بوليس فايد وأنزلوه عند مدخل مدينة السويس محذرين إياه من العودة إلى فايد، إلى أن اتصل بالسلطات المصرية وقاموا بمصاحبته إلى القاهرة لاتخاذ ما يلزم.
بالتوازي مع سُعَار الغضبة البريطانية، كان العمل الفدائي بدأ على الأرض فعليًا في مدن القنال، إذ نجح الفدائيون في بورسعيد بكشف خلية من الجواسيس والعملاء الذين يعملون لصالح الجيش البريطاني واتضح أنهما صهاينة، كما نجح فدائيو بورسعيد في كشف موظف شركة قناة السويس الذي عاون الإنجليز في فتح كوبري الرسوه، وتم التحقيق معه بواسطة معاون قسم أول بورسعيد عبدالحميد سليمان.
أحد قادة الاحتلال البريطاني أكد حينها أن بورسعيد كانت تخضع تحت سيطرة رجال البوليس المصري وبسبب البوليس المصري فإن خطة احتلال بريطانيا لبورسعيد بائت بالفشل فوجوده يحول دون تحركاتهم.
وفي تصعيدٍ هو الأول من نوعه في تاريخ تعاون الشرطة والفدائيين شهد معسكر قوات الاحتلال البريطاني في السويس اختفاء 10 صناديق من المواد المتفجرة، وتوجه ضابط إلى مكتب البكباشي كامل سالم مأمور قسم السويس ومعه مظروف فيه أسماء المشتبه بهم من الذين خطفوا الصناديق العشرة لكنه خرج من القسم خالي الوفاض.
(مرحلة 1-10 نوفمبر 1951) | خطف ضباط الشرطة المصرية ورد فعل المقاومة
كانت العشرية الأولى من أيام نوفمبر سنة 1951 بداية التكشير الفعلي عن مخالب الشرطة المصرية وأنياب الفدائيين في القنال، وبينهما كان الإنجليز فريسة غير سهلة في المقاومة، فالسلطات البريطانية ترى في كتائب الفدائيين خطرًا عظيمًا، لكنها ترى في الشرطة المصرية الخطر الأعظم لأنها دعامة الدعم الأساسية للفدائيين، والبوق الأوحد للعمال والمدنيين الذي يحضهم على المقاطعة، فأراد الإنجليز قطع حلقة الوصل بين الشرطة والفدائيين، فشنت عمليات اختطاف لضباط الشرطة.
ففي الأول من نوفمبر 1951 تم اختطاف الملازم أول حافظ عفيفي ضابط نقطة بوليس التل الكبير مع 6 جنود، وفي نفس التوقيت تم خطف الكونستابل إبراهيم الدسوقي رئيس نقطة سلطان في محافظة الإسماعيلية، وبمساء ذات اليوم اختطفت القوات البريطانية اليوزباشي حسن طلعت عبدالوهاب رئيس القسم المخصوص في الإسماعيلية.
ولم يقف الأمر عند الخطف ففي اليوم التالي تم الاعتداء على الملازم أول إبراهيم السيد عبدالله في منطقة محجر أبو حماد بالقرب من التل الكبير، وتم القبض على العسكري عوض الله جرجس يوسف ونهب زوجته استر إبراهيم ميخائيل حيث نُهِب منها حلق ذهب بـ 410 قرش وسلسلة ذهبية بـ 9 جنيهات ومبلغ نقدي تبلغ قيمته 4.31 جنيه، كما أن الخطف أخذ شكلاً آخر في اليوم الثالث من نوفمبر، وهو شكل الترحيل القسري حيث تم ترحيل الملازم أول عبدالخالق بركات ضابط نقطة جنيفة في الإسماعيلية بالقوة من موقعه، كما تم الاعتداء على موسى محمد شرف الجندي في نقطة حراسة الكيلو 81 .
شمل الخطف فئة العمال الذين يرفضوا العمل مع الإنجليز في 5 نوفمبر 1951 وبعدهم بيومين تم القبض على الجاويش عبدالغفار أحمد علي في منطقة ميدان محطة الإسكندرية في الإسكندرية بحجة تحريضه للعمال على عدم العمل مع الإنجليز، وحاولت السلطات البريطانية القبض على الأومباشي مصطفى محمد مصطفى في الإسماعيلية، والوصول إلى الكونستبال صديق عبدالعزيز بمكتب جوازات الإسماعيلية، كما تم القبض على العسكري أحمد عبدالحافظ حسن لكنه نجح في الفرار.
كان فعل الإنجليز جنونيًا في القنال، لكن رد فعل الفدائيين كان موجعًا لهم، فالبيان الأول لكتائب التحرير الفدائية في 1 نوفمبر 1951 أعلن صراحةً أن كل فعل إنجليزي سيقابله رد فعل ثأري موازٍ له في الشكل وأعظم منه في التأثير، وهو ما جرى حرفيًا.
بعد 48 ساعة من بدء عمليات اختطاف ضباط البوليس المصري، اختطفت المقاومة السرية أحد الضباط الإنجليز بالقرب من القنطرة لمدة 24 ساعة ثم تركوه عريانًا في اليوم التالي ومعه رسالة شفهية إلى مدير نادي ضباط الوحدات الإنجليزية في الإسماعيلة مفادها أنه سيُحْرَق حيًا.
وفي الرابع من نوفمبر 1951 أعلنت عناصر المقاومة عن قيامها بخطف 3 جنود إنجليز بأسلحتهم في الإسماعيلية وفي اليوم التالي تم العثور عليهم وهم في الرمق الأخير، إلى جانب سرقة أسلحة من 4 ضباط آخرين.
ثم تطورت عمليات المقاومة فوصلت إلى السويس حيث هوجم في 6 نوفمبر 1951 خنادق الطريق المجاور لميناء الأدبية وخطف أسلحتهم، كما أخذوا أسلحة الحارس الإنجليزي لمبنى مدرسة البنات الثانوية في الإسماعيلية، وتم أخذ سلاح 4 آخرين مع الاستيلاء على سيارة لوري تنقل البترول مع تحذير للسائق حسنين عبدالقادر حسنين.
ونجحت أفراد المقاومة من قطع كابلات التلفونات في الإسماعيلية، وقدم الإنجليز بلاغًا للصاغ محمود مختار عطالله مأمور قسم ثاني الإسماعلية مع اليوزباشي إبراهيم درة، ولم يتم العثور على أي أثر لمن قام بقطع الكابلات.
ولم تصمت المقاومة الفدائية على ذلك فقامت بإعلانها الاستيلاء على لنش إنجليزي وخطف ضابط وإتلاف 5 سيارات مصفحة بعد الاستيلاء على ما فيها من معدات، ثم دارت أعمال عنف بين أهالي الإسماعيلية والبريطانية أسفرت عن مقتل جندي وإصابة 4 آخرين مع سلب أسلحتهم، ثم الاستيلاء على سيارة مصفحة.
إلا أن مفاجأة غير متوقعة كانت تنتظر الإنجليز وهو ضبط عميل لهم في بورسعيد يدعى حمدي عمر الذي أطلق الرصاص على محرضي العمال مقاطعة الإنجليز ثم هروبه في سيارة بريطانية، ونجحت أفراد المقاومة في توصيل أخباره لأفراد البوليس المصري والذين ألقوا القبض عليه وحاول الإنجليز أخذه لكن ذلك لم يحدث وتم ترحيله للقاهرة في 10 نوفمبر 1951 م.
(مرحلة 11 نوفمبر - 16 نوفمبر 1951) | الهجوم على دور العبادة والثأر
أدرك الانجليز عام 1951 م أن نغمة تفرقة المصريين بمسلم ومسيحي صارت قديمة بل ونشازًا أيضًا، فأرادوا أن يجمعوا المسلمين والمسيحيين في القنال على مأساة واحدة بعدف تفرقة شمل الشرطة والفدائيين. لجأ الإنجليز إلى فكرة الهجوم على المساجد والكنائس.
في أسبوع واحد قامت سلطات الإنجليزي بمهاجمة مسجد نفيشة يوم 9 نوفمبر 1951 م حيث هاجموا مسجد فرز نفيشة بالإسماعيلية والاستيلاء على كل ما فيه ثم التبول بداخله.
وفي اليوم التالي هوجمت كنيسة الشهيد مارجرجس في شارع الإسكندرية بالإسماعيلية، ووقعت مواجهة بين قوات الاحتلال والأهالي وتمكنت قوات الشرطة برئاسة البكباشي حسن هلال والصاغ مختار عطا الله والملازم عبدالعزيز حمدي من تهدئة الأجواء.
الأمر نفسه تكرر في بورسعيد حيث كان الهجوم الإنجليزي على كنيسة العذراء مريم في شارع محمد علي ببورسعيد يوم 16 نوفمبر 1951، حيث قامت القوات البريطانية بفرض حصار على بورسعيد، وقامت قوة منهم بالهجوم على الكنيسة واتخذوا من مناراتها برجًا لإطلاق النار.
لم يقف الأهالي مكتوفي الأيدي إزاء تلك الهجمات فدارت معركة بين جنود الاحتلال أسفرت عن قتل جندي وإصابة أربعة واستشهاد 3 من أهالي الإسماعيلية، كما تم الاستيلاء على سيارة إنجليزية بكافة معداتها.
أما الفدائيين فقد نفذوا يوم 12 نوفمبر هجومًا على معسكر الطيران الإنجليزي بالإسماعيلية، فيما تمكنوا من إسقاط طائرة استكشاف إنجليزية في السويس وخطف بندقية ضابط إنجليزي.
كانت القاهرة في 14 نوفمبر 1951 تكتظ بالناس في المظاهرة الكبرى المؤيدة لمصر.
أما الإنجليز فكانوا يكتوون بنيران الفدائيين عقب محاولتهم قتل الأومباشي أحمد عبدالقادر من رجال خفر السواحل، ونجاح رجال الفدائيين من القبض على جاسوس يتبع المخابرات الانجليزية.
نجح الفدائيين في 15 نوفمبر من مهاجمة قطار حربي وأسر موظف في المخابرات البريطانية بالسويس وسبب ذلك في غضب قوات الاحتلال البريطاني.
ولأول مرة منذ اندلاع مواجهات القنال استشهد محمد إبراهيم جعفر أحد رجال الفدائيين في السويس، وأصيب محمد أبو هانئ عمران وفاضل سالم، وقد أخذهم البوليس المصري بعد أن سلمهم الانجليز، ثم أمل وكيل النيابة في السويس بالإفراج عنهم.
قرر الفدائيون الثأر لاستشهاد محمد إبراهيم جعفر فقاموا بمهاجمة معسكر إنجليزي في الإسماعيلية وقطع خطوط هاتفه في 15 نوفمبر 1951 م.
وفي اليوم التالي تم إشعار النيران بمطار الإسماعيلية الحربي وقطع خطوط التلفونات بين القصاصين والتل الكبير.
وفي 17 نوفمبر 1951 انتهت معركة القرين بين كتائب التحرير والجيش الإنجليزي والتي أسفرت عن قتل 5 جنود بريطانيين.
فيما نفذ فدائي آخر هجومًا على معسكر الشلوفة في السويس وقتل 4 جنود بريطانيين.
ووصلت حدة الثأر إلى مداها عندما هوجم قائد إحدى السفن الحربية وأصيب بإصابات بالغة، ثم تم الهجوم على معسكر الإنجليز في الدفرسوار واعترفت قيادة الجيش البريطاني بتلك الحوادث وقالت في بيان لها «في الثالثة والدقيقة خمسة يوم 16 نوفمبر هاجم بعض المدنيين المصريين مركز الدوريات البريطاني رقم 35 وأشعل المصريون النار في أحد في إحدى السيارات الإنجليزية بإلقاء قذاف الموتولوف، وفي الساعة السابعة والربع من صباح 16 نوفمبر كانت قوة بريطانيا من الطب البيطري ومعها قوة راكبة أخرى تعمل قرب كوبري نفيشة في طريق الإسماعيلية القاهرة فأطلقت عليها جماعة كبيرية من المدنيين المصريين النار وردت انجلترا عليهم، في تمام 7:30 صباح 17 نوفمبر كانت سيارة جيب للبوليس الحربي البريطاني تحرس قبطان السفينة الحربية جامبيا في طريق بورسعيد الإسماعيلية شمالي القنطرة فأطلق عليها المصريون مدافن ستن دفعتين فردت بريطانيا عليهم».
أيقن الإنجليز بما لا يدع أي مجال للشك، أن قسم شرطة الإسماعيلية هو الدينمو المحرك لكل هجمات الفدائيين على المعسكرات، فقرروا استفزاز الأهالي واستئصال شأفة تعاون الشرطة والفدائيين، فقرروا الهجوم على القسم في 17 نوفمبر 1951 ليكون الهجوم هو الأول في معركة غير المعركة الشهيرة التي صار بسببها عيد للشرطة.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال