“ غرام تيرشرشي ”
سمح لي انشغال فتاة المنطاد في البناية المقابلة بحبيبها الجديد، فارس الموتوسيكل، بالخروج أخيراً من عتمة البيت المقطوع الكهرباء، والجلوس مجدّداً على ((البلكون)) مع قلم وورقة، ليس لكتابة مقال آخر هذه المرّة، بل لتحديد أولويّات المرحلة المقبلة، ورسم خطّة حقيقيّة للهروب من هذا البلد.!!
لا أخفي عليكم، أنّ غرام فتاة المنطاد، كان أجمل ما حصل خلال هذا الشّهر، وقد ولَّد لديَّ فرحاً يفوق فرحها هي ذاتها في هذه اللّحظة (قد خرجت الآن إلى البلكون بعد أن سمعت جعير درّاجة حبيبها المزعج)، ليس لأنّه فكّني من حصار نظراتها فحسب، بل لأنّه أزال عنّي ذلك الشّعور الرّهيب بالذّنب الّذي كان يراودني في كلّ مرّة ردّت فيها على ابتسامتي ((الضّاحكة على هيئتها))، بابتسامة هيام ظافرة تقول: ((إلى الأمام يا رومل فالطريق ممهّد)).
الجميل في هذا الارتباط، أنّه منطقيّ للغاية، لا يخرج عن نواميس الطّبيعة، فحبيبها “فارس الموتوسيكل”، الّذي كنت في السّابق أكمن له ليلاً بين ستائر (البلكون)، وبيدي “نقّيفة” من صنعي لأقنصه فيها، كان على مقاسها فكريّاًَ، ومن فئة شباب “تيرشرش” إيّاها ، الّتي ترفع شعرها إلى الأعلى كالمسامير “وتقشّط” سراويلها إلى الأسفل متجاوزةً الخطّ الأحمر للبوكسر، وتملأ أجسادها بالوشوم الخالية من أيّة معنى، إيماناً بمبدأ (الوشم للوشم)، فيما خلايا المخّ لديها لا تحتوي سوى على رواسب جاهليّة من عصر داحس والغبراء، تحكم ذهنيّتها وسلوكها… فتجدها مثلاً تصرّ – لا إرادياً- على إعلاء “صهيل” الموتوسيكل”، و”قبّه” إلى الأعلى على عجلة واحدة، تماماً كما كان فرسان “بني عبس” يفعلون ذلك بأحصنتهم في العصور الغابرة…
المضحك في هذه اللّحظة، أنّ كلاً من فتاة المنطاد وحبيبها يعتقد أنّه قد أذلّني وانتصر عليّ؛ فهي تعتقد أنّني الآن أتجرَّع كأس العذاب بفقدانها، عقاباً لي على خمولي، واكتفائي بالابتسام من بعيد دون اتخاذ أيّ خطوةٍ جديّةٍ للوصول إلى منطادها!!
فيما يعتقد هو أنّ من كان يقنصه ليلاً قد استسلم أخيراً، بعدما وضع على رأسه خوذةً للحماية من طلقات الأحجار الّتي كانت تصيبه بدقّة من قنّاص خفيّ في الحيّ، لا يقلّ براعةً عن (سيمو هيها*) أو (فاسيلي زاتسييف*)…
سبحان خالق هذا الكون ومهندسه! سبحانه الّذي جعل التّوازن البيئيّ ودورة الحياة الإيكولوجيّة تشمل كلّ كائناته بلا استثناء، حتّى الفئران والصّراصير و”تيرشرش”..
حتّى الفاكهة المعطوبة جعلها من نصيب الحشرات..!!
فسبحانك يا ربّ!…
أترك الآن فتاة المنطاد على شرفتها، تبتسم لحبيبها الّذي أوقف موتوسيكله أسفل بنايتها، وبيده مسجّل قد رفع صوته إلى أعلى مستوى على أغنية “يا حفّار احفر قبري”، وأعود إلى أوراقي وخطّتي الّتي أزمع القيام بها للهروب من هذا البلد اللّعين، الّذي أسبّه وأسبّ أديانه في كلّ ليلة أتقلّب فيها بيأٍس، محاولاً النّوم وسط الحرارة الخانقة والكهرباء المقطوعة، الّتي لم ينجح أيّ وزير للطّاقة في تأمينها وإخراجنا من الظّلمات إلى النّور.
* فاسيلي زايتسييف :اشهر القناصين الروس في الحرب العالمية الثانية وقد لمع اسمه في معركة ستالينجراد التي قتل فيها لوحدة 225 جندي الماني .. انصحك بمشاهدة فيلم (العدو على الابواب ) !!..
*سيمو هيها: القناص الفلندي الشهير :الذي دوخ الجيش السوفييتي في فلندا حتى اطلقوا عليه اسم الموت الابيض بعد ان قتل منهم ما يزيد عن ال500 جندي لوحده خلال ثلاثة اشهر, هذا ولم يستطع السوفييات القضاء عليه لبراعته الشديدة بالتمويه والتخفي وقدرته على تحمل الظروف الطبيعية القاسية ..
اقرأ ايضا
كيد النسا وسقوط غرناطة .. عائشة وثريا