غزة في مسلسل موسى .. تاريخ المخدرات الذي أظهرته الدراما وفخ تجاوزه صناع العمل

ظهرت سيرة منطقة غزة في مسلسل موسى كـ سفر ومكان لتجارة وتهريب المخدرات طوال الحلقتين الرابعة عشر والخامسة عشر من أحداث العمل حيث تكليف موسى بعملٍ هناك، يبدأ بصعوده من محطة مصر ووصوله إلى غزة، وتبدو هذه الحبكة مبالغ فيها بالنسبة لمن لا يطالع التاريخ المصري الحديث.

هل غزة كان فيها مخدرات ؟

تعرض مسلسل موسى خلال الحلقتين الرابعة عشر والخامسة عشر لانتقاد حول مشاهد تهريب المخدرات من غزة إلى مصر، وهو شيء أثار غضب بعض سكان غزة على موقع التواصل الاجتماعي.

تاريخيًا فإن تجارة المخدرات في غزة خلال القرن العشرين وتوقيت زمن أحداث مسلسل موسى (عامي 1946 و 1947 م)، ثابت بوقائع موثقة رصدتها الصحف الفلسطينية وقتها، فمثلاً في عدد رقم 3565 من جريدة الدفاع (وهي جريدة فلسطينية) بتاريخ 17 يناير 1947 م وبالتحديد في ص 2 نُشِر خبر عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات في بيارة المزيني بغزة عن طريق تجار غزاوين مع ضابط في الجيش البريطاني.

كانت قضية كبيرة جدًا وحولت إلى المحاكمة في 16 مايو سنة 1947 وكان القاضي هو السيد رزق حلزون، والقضية رصدتها جريدة فلسطين في العدد 6613.

عمليات تهريب المخدرات من غزة لـ مصر والعكس كانت مزعجة للسلطات المصرية حتى مطلع الخمسينيات ويؤيد ذلك ما نشرته جريدة ألف باء الدمشقية في عدد 9058 الصادر بتاريخ 11 يونيو 1954 م ص 3 حيث رصدت في تحقيق صحفي تاريخ عمليات التهريب وطرقها لدرجة أن القائمقام عبدالعزيز صفوت مدير مكتب مكافحة المخدرات طلب بتشكيل لجنة دولية للحد من عمليات التهريب دي خصوصًا أن إسرائيل وراء الأمر.

السفر بالقطار من رمسيس إلى غزة في مسلسل موسى .. من صاحب الفكرة ؟

تأسست سكك حديد مصر سنة 1853 م، لكن فكرة مد خط السكة إلى غزة لم يخطر ببال أحد حتى العام 1891 حين وضع أنطون يوسف لطفي بك مشروعًا مفاده أن يبدأ خط السكة الحديد من الإسماعيلية ثم  يعبر القناة بواسطة جسر، ثم يسير متجها نحو العريش مسافة 160 كيلو ومنه إلى غزة، ومنها إلى عسقلان ويافا وحيفا، ثم يتابع الخط سيره إلى صور وصيدا وبيروت وينتهي عند طرابلس الشام.

لم يُنفذ المشروع ما رسمه أنطون يوسف لطفي حتى جاءت الحرب العالمية الأولى، وبعد إعلان الحماية البريطانية على مصر، قررت بريطانيا إقامة خط (شرق القنطرة/غزة) ليربط بين مصر و فلسطين بهدف نقل الذخائر و الجنود، وحصلت على موافقة من الشركة الفرنسية المديرة لقناة السويس، بمد جسر حديدي فوق القناة، لربط خطي (القاهرة/السويس) بـ(سكك حديد فلسطين) مباشرة، بشرط تفكيك الجسر واكتمل الخط في 1918 م.

اقرأ أيضًا 
تغطية موقع الميزان لـ حلقات مسلسل موسى

شيء آخر في تاريخ سكك حديد مصر فلسطين وهو خط سيناء العسكري وهو شبه مستقل عن خطوط الحكومة المصرية على الرغم من اتصاله بها، وكانت تديره مصلحة سكك حديد فلسطين لحساب وزارة الطيران البريطانية، ويرجع تاريخ تأسيسه إلى عهد الحملة العسكرية العثمانية الأولى التي زحفت على مصر، ووصلت إلى شرق القناة، وهزمتها القوات البريطانية في فبراير عام 1915، ثم أخذت هذه القوات بمساعدة فرقة العمال وفرق الجمالة المصريين في إنشاء خط عسكري يخترق شبه جزيرة سيناء، ومد مواسير للمياه العذبة ليمكن الانتفاع بها في قلب الصحراء.

جاء ديسمبر عام 1916 وتم البدء في إنشاء خط متسع ممتد فوق رمال الصحراء، وليس على أرض معبدة، وهو يتجه من القنطرة شرقا إلى بئر مزار، فإلى العريش في نيار عام 1917، فإلى رفح التي هي نقطة الحدود بين مصر وفلسطين في فبراير عام 1917، ثم مد الخط إلى غزة في إبريل عام 1917، وإلى القدس في يونيه عام 1918، وإلى حيفا في ديسمبر عام 1918، وكان الخط مفردًا حتى إبريل عام 1918، ثم أصبح مزدوجًا بعد ذلك التاريخ وامتد إلى بئر السبع.

بلغ طول خط سيناء 201 كم من القنطرة إلى رفح دون احتساب 41 ك خطوط مساعدة وتوصيلات معظمها عسكرية، وهو يبدأ من القنطرة الشرقية على بعد 47,400 مترا من بورسعيد، فيتجه نحو الشمال الشرقي إلى بلوزة، ومن هناك يسير في موازاة الشاطئ فلا يبعد عنه أكثر من كيلومتر إلى ثمانية كيلومترات، ثم يمر بالرمانة، وبئر العبد، ومصفق، ومزار، والعريش، ويصل إلى رفح دون أن يلاقي صعوبات تذكر، ومن رفح يخترق الخط الأراضي الفلسطينية إلى مواصلة اللد، ومنها يتفرع إلى يافا وإلى حيفا.

إقرأ أيضا

دراما رمضان ٢٠٢٤.. نوستالجيا حاضرة وتكرار مؤكد وقليل من المخاطرة

سوق غزة في مسلسل موسى .. الفخ الذي تجاوزه صناع العمل

الفخ المثالي الذي كاد أن يقع فيه صناع عمل مسلسل موسى في الحلقة 15 من المسلسل هو بناء ديكور لمدينة القدس القديمة المشابهة لمنطقة غزة ولو حدث ذلك لكان صناع العمل ارتكبوا أخطاء تاريخية في الديكورات بسبب الاستسهال.

تجاوز صناع العمل هذا الخطأ ولوحظ الاعتماد على وصف عارف العارف في كتاب تاريخ وهو كتاب يتناول تاريخ غزة من الأقدمين وحتى الأربعينيات.

في مشهد السوق كانت الأحجار رملية والكثافة السكانية قليلة وهذا ينطبق على حال غزة في الأربعينيات ففي ص 252 من الكتاب قال عارف العارف «أما المدينة  القديمة فإنها عبارة عن منازل قديمة وبيوت مبنية من الحجر الرملي غير أنها صغيرة ومتلاصقة بشكل لا يتلائم مع طلبات العصر الحالي».