” غزوة عزيزة “.. ماذا قال ” حلمي النمنم” عن أبرز قضايا جامعة القاهرة في الثلاثينيات؟
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
تعتبر جامعة القاهرة منبر التنوير ولعل فترة الثلاثيات من القرن الماضي كانت مليئة بالمعارك السياسية والاجتماعية والفكرية ، ولتوثيق تلك المعارك يقدم ” روبير الفارس” كتاب جديد بعنوان ” غزوة عزيزة ” الصادر عن دار روافد.
ولعل اللافت في هذا الكتاب أنه من تقديم الدكتور ” حلمي النمنم” وزير الثقافة الأسبق، إذ قال عن تقديم الكتاب وأهميته: عاشت مصر خلال ثلاثينيات القرن الماضي حالة من الصراع والجدل السياسي والوطني تارة والثقافي و الاجتماعي والفكري تارة أخرى، ولم ينفصل أي من الجانبين عن الآخر وسط هذا كله تتفجر أزمة من داخل الجامعة تجاه المجتمع؛ عنوانها المباشر الطالبة “عزيزة عصفور”.
واستكمل جاءت الأنسة “عزيزة” من مدينة بورسعيد إلى القاهرة لتلتحق بكلية الحقوق؛ و يا للغرابة فوجئت الطالبة بأن الجامعة مختلطة؛ للبنين وللبنات معًا؛ يجمعهما مدرج وقاعة درس واحدة؛ لم تستطع أن تحتمل ذلك؛ تريد أن تكون هناك قاعة خاصة بالأولاد وأخرى بالبنات و يا حبذا لو كانت كلية بِرُمَّتها ثم جامعة للبنين وأخرى للبنات – فمع أن المدرج الجامعي كان يخصص به أول صفين أو ثلاثة صفوف للطالبات وحدهن؛ لكن ذلك لم يكن مقنعًا لها؛ هي لا تحب أن يجمعهما معًا سقف واحد ولا مدرج واحد.
وأردف الواقع أن الجامعة لم تكن محاطة بالسرية؛ كان نظام التدريس بها معروف ومعلن؛ ومنذ أن عرف المجتمع بالتحاق الفتيات بها؛ كان الجميع يعرف أنها جامعة مختلطة؛ وقبل أن تلتحق عزيزة بالجامعة كان المجتمع تابع أزمة الطالبة (أمينة السعيد) طالبة قسم الانجليزي بكلية الآداب التي راحت تمارس رياضة التنس وهي ترتدي الملابس الرياضية داخل الجامعة؛ لذا تستوقفنا دهشة “عزيزة عصفور” من أن الجامعة مختلطة.
وتابع : كان يمكن للآنسة أن تذهب إلى إدارة الجامعة أو إلى عمادة الكلية؛ وتطرح هناك تصوراتها ومطالبها وتبدي مخاوفها وأسباب قلقها؛ وكان ممكنًا كذلك أن تطرح الأمر على بعض زميلاتها وزملائها بالجامعة؛ ويذهبوا جميعا إلى الإدارة لمناقشة الأمر؛ لكنها لم تفعل شيئا من ذلك وقررت أن تنقل المشكلة التي تراها خارج الجامعة؛ حيث كتبت حول الأمر مقالًا وبعثت المقال إلى جريدة الأهرام؛ ولا ينبغي لأحد أن يندهش وقتها إذ كان ممكنًا لجريدة يومية كبرى أن تنشر مقالًا على صفحتها الأولى لطالب جامعي أو شاب صغير في مقتبل العمر؛ كان كافيًا أن ترى الجريدة أن المقال جيدا ومناسبًا فمَا بالنا إذا كان موقعًا باسم آنسة؛ وهي طالبة جامعية؛ ثم إنها تعرض مشكلة تراها داخل الجامعة؛ بكل المعايير الصحفية كان لابد أن ينشر المقال ويتم إبرازه والاهتمام به؛ وكان ذلك داعيا أيضًا لأن يهتم به المجتمع؛ بل وتدخل على الخط صحف أخرى لمتابعة القضية التي طرحت .. الصحافة تنتعش مع الأزمات ولذا تعمل على تسخينها؛ فتحا لباب الجدل والنقاش؛ وهذا ما جرى مع مقالي عزيزة عصفور.
وأردف كان المقال فاتحة لحالة من الجدل والتراشق بالآراء بين معترض على موقف ورأي عزيزه ومساند لها؛ داعم لموقفها؛ وهي لم تتوقف ظلت تتابع وتتولى التعقيب حينا والرد حينا آخر؛ شاركت معظم الصحف والمجلات في هذه الحملة، واستدعت كل صحيفة من تراه أهلًا لأبداء الرأي أو يمكن أن يكون طرفا في هذا الجدال؛ مجلة الفتح الصوت السلفي ورئيس تحريرها ” فتح الله الخطيب” دخل بقلمه منتقدًا موقف رجال الجامعة، متبنيًا دعوة عزيزة .. من داخل الجامعة تدخل مديرها ” لطفي السيد” و الدكتور “طه حسين ” عميد الآداب وكذلك الدكتور” العبادي” أستاذ التاريخ؛ فضلا عن عميد الآداب السابق الدكتور “منصور فهمي” ؛ الذي أبدى انحيازًا لموقف عزيزة.
وتابع ” النمنم” في مقدمة كتاب ” غزوة عزيزة ” تدخلت جامعة الأزهر في الأمر عبر عميد كلية أصول الدين وعدد من أساتذة الكلية؛ ثم دخل بنفسه فضيلة الشيخ “محمد مصطفى المراغي” شيخ الجامع الأزهر، منددًا بالجامعة التي لم تتحمس لدعوة عزيزة عصفور.
واستكمل من داخل الأسرة العلوية تدخل في الأمر الأمير عمر طوسون؛ والرجل لم يكن بعيدًا عن الحركة الوطنية ولا الحياة الثقافية والعلمية، لم يكن له من الإمارة سوى اللقب والثروة، لكن جهده ونشاطه كان في صميم الحياة العامة. هو هنا كان مساندًا موقف الأنسة عزيزة … تدخل كذلك الأمير “محمد على” وكان بتكوينه رجلًا محافظًا جدا يسعى لاكتساب تعاطف القوى المحافظة اجتماعيًا وسياسيًا، وكان لديه طموح سياسي للوصول إلى العرش.
استمرت هذه القضية مثارة عبر الصحف، بين شد وجذب؛ طوال العام الدراسي 1935/1936؛ وامتدت حتى مطلع العام 1937؛ ثم هدأت الأمور ونسيت تمامًا؛ ونادرًا ما نجد له ذكرًا في الدراسات في تاريخ الجامعة أو حتى حول معركة الاختلاط في التعليم وكذا قضية السفور والحجاب، إلى أن فوجئت بزميلنا الباحث الدؤوب والمدقق .. الشغوف بالقضايا الإشكالية في حياتنا الثقافية والاجتماعية “روبير الفارس” وقد أعد كتابه هذا حول تلك المعركة المهمة؛ ويضاف كتابه هذا إلى كتب أخرى سبق له أن أصدرها؛ حظيت باهتمام وتقدير الباحثين.
بعد عرض وزير الثقافة الأسبق ” حلمي النمنم” لهذا الكتاب” غزوة عزيزة ” الذي يتناول المعارك الفكرية والاجتماعية داخل أروقة الجامعة يمكننا أن نتصور أن صفحات الكتاب مليئة بتلك الأفكار والقضايا التي كانت مطروحة حينها وما زال أثرها إلى الآن داخل مجتمعاتنا.
اقرأ أيضًا: عبد الله محم عن ” ريش” : لو صوتي خرج مكلكع يدخل في ودانهم نغمة عود
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال