فتحية أحمد وأم كلثوم .. الملكة والوصيفة ولعبة الكراسي المتحركة على عرش الغناء
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد
في أحد أيام السنة الأخيرة من أربعينات القرن العشرين، وقفت مطربة عظيمة الصوت والإحساس اسمها فتحية أحمد تغني بحفل ينظمه معهد الموسيقى العربية، بينما كانت كوكب الشرق أم كلثوم تجلس بين الحضور لتستمتع بالصوت الذي أحبته، نعم جلست كوكب الشرق تنصت، وتصفق إلى مطربة القطرين التي تفوقت عليها يومًا رغم المنافسة التي كانت.
غنت خفيفة الظل فتحية دورًا من أوبريت “يوم القيامة” الذي لحنه الشيخ زكريا أحمد، تحديدًا طقطوقة “يا حلاوة الدنيا يا حلاوة”، بينما كانت توحة مبتسمة توزع نظراتها على جمهورها ويظن كل منهم أنها تغني له، أرسلت للست أم كلثوم نظرة – قد تختلف عن كل النظرات – ثم واصلت غناءها وهي تشير للجمهور بالرد عليها، فكانت تغني “خلوها حلوة” وهم يردون “يا جدعان”، ليتفاعل الجمهور معها بشكل لم يعرفه مطربو الدرجة الأولى في هذا الوقت إلا في حفلات المطربة فتحية أحمد.
لم يكن تفاعل الجمهور مع فتحية أحمد أمرًا جديدًا عليها، لكن هذه المرة ربما كان له مذاقًا مغلفًا بنكهة الفوز، فمنافستها الأقوى في تاريخ الغناء العربي تجلس لتستمع إليها، كانت نظرة فتحية تنطق هذه المرة بكلمات عديدة من بينها “أنا مطربة القطرين.. أنا الأسطى فتحية أحمد”، تنطق فخرًا وثقةً بنفسها لا غرورًا أو حقدًا على زميلتها وصديقتها أم كلثوم، هذه الرواية وُثقت في الإذاعة المصرية بلسان المخرج المصري حسن الإمام.
المطربة فتحية أحمد ، ذاع صيتها في الثلاثينات وكانت رقم واحد في معظم البرامج الإذاعية العربية بهذه الفترة، بشهادة موسيقيين كبار مثل الموسيقار محمد عفيفي والناقد كمال النجمي وآخرين، كانت تحتل المركز الأول حتى مع ظهور أم كلثوم إلى أن استطاعت أم كلثوم الحصول على هذا المركز سريعًا بقدرتها الغنائية المبهرة، وتفرغها فقط لعالم الطرب والفن، فأصبحت مطربة القطرين وصيفة كوكب الشرق لفترة.
“أم كلثوم كانت لا تسمع إلا فتحية أحمد.. إذا كانت الست فوق السطح وفي القمة فكانت فتحية تسكن الدور اللي تحتيها، موهبة كبيرة لا تقل أهمية عن الست، صوت عريض وإحساس عالي جدًا، كانت بتدمع لما تغني”.. هذا كان رأي واحد ممن غنت المطربة فتحية أحمد لهم، الموسيقار محمد عفيفي.
لم تكن الصداقة والمنافسة وحب الطرب، هي العوامل الوحيدة التي جمعت بين سيدة الغناء العربي ومطربة القطرين، فعدة عوامل أخرى جمعت بينهما، على سبيل المثال صدفةً كانت أم كلثوم ابنة لأحد المنشدين الشيخ إبراهيم البلتاجي وشقيقها الشيخ خالد الذي كان يحلم يشارك والده في الإنشاد، انتمت فتحية لأسرة فنية فوالدها هو المنشد الشيخ أحمد الحمزاوي، وشقيقتها المطربة رتيبة أحمد والأخرى كانت مطربة أيضًا واسمها مفيدة.
شوكة قوية في ظهر أم كلثوم كانت فتحية أحمد، لدرجة أن الشيخ زكريا أحمد وبيرم التونسي ورياض السنباطي وهم من أهم صانعي أسطورة كوكب الشرق بالكلمة واللحن، هددوها بتسجيل أغانيها المشتركة معهم بصوت فتحية أحمد، وذلك إثر خلافهم معها بسبب بعض الأمور المادية.
مثلما زار المرض أم كلثوم وكاد أن يمنعها من الغناء لولا صمودها وإصرارها على الاستمرار، قيل أن مرضًا مزمنًا أجبر فتحية أحمد التي كانت أولى أغانيها من ألحان القصبجي وأشعار الهجيني “شدو بلبل على الغصون” على الابتعاد عن الغناء، بينما أكد آخرون أن الحياة وتكوين عائلة والتزامات أسرية كثيرة وأنها لم تكن بذكاء وتعلم أم كلثوم وقدرتها على التسويق كانت أسباب اختفائها عن الساحة الفنية بعد أن تراجعت واحتلت المركز الثاني بعد مطربة الشعب أم كلثوم.
نعم أم كلثوم لم تستلم للمرض وجعلت الفن والطرب هو رقم واحد في حياتها فاستحقت أن يجعلها هو الآخر ملكة متوجة على عرشه حتى يومنا الحالي.
الألقاب التي حصلت عليها “ثوما” كثيرة، لكن “توحة” أيضًا حصلت على لقب مطربة القطرين – لقب واحد لكنه ليس بقليل – أطلقه عليها شاعر القطرين أيضًا اللبناني خليل مطران، خلال رحلتها في زحلة اللبنانية بصحبة شوقي الشاعر وعبدالوهاب قائلًا: “توحة دي مش بتاعتكم لوحدكم دي بتاعتنا برضه وأنا هسميها مطربة القطرين ولازم تنادوها بيه”.
كان صوت أم كلثوم هو الكنز الذي غير حياة أسرتها رأسًا على عقب، من أسرة فقيرة إلى أسرة شديدة الثراء تلبي كل احتياجاتهم، لكن فتحية لم تُوفق في هذا لفترة طويلة لدرجة أن الفنانة زينب هاجمت منتجي الأفلام لكثرة اختيارهم لنور الهدى وحصولها على آلاف الجنيهات، بينما يتجاهلون فنانة بحجم وموهبة فتحية أحمد، مبررين “وجهها غير سينمائي، مشيرة إلى أنها بحاجة إلى الأموال لأنها مسؤولة عن أسرة كبيرة “خلوها حتى تشتغل في الدوبلاج”.
شاركت أم كلثوم في أفلامٍ قليلة بينهم “سلامة” على سبيل المثال، ومثلها فتحية أيضًا شاركت في بضعة أفلام بينهم فيلم “حنان”.
والتقت فتحية التي اعتزلت في الستينات خلال مشوارها الموسيقي بموسيقار الشعب سيد درويش، وشاركت نجيب الريحاني الغناء في مسرحياته بينهم “يا ابو الكشاكش” من مسرحية إش عام 1919، ورحلت عن عالمنا عام 1975.
الكاتب
-
محمد الموجي
محمد الموجي ممثل وكاتب مصري، تخرج من كلية الإعلام جامعة القاهرة، وعمل بعدد من المؤسسات الإعلامية بينهم قناة أون تي في ووكالة أونا للأنباء وموقع إكسترا نيوز وموقع كسرة والمولد، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية قسم التمثيل والإخراج.
كاتب نجم جديد