فتوى في البوس .. كيف يثق المصري في شيخ متحرش؟
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
نعبر عن امتنانا لما ولمن نحب بالاحتضان والبوسة. في طفولتي كنت أعشق أغنية عفاف راضي “سوسة كف عروسة” كلمات سيد حجاب وألحان عمار الشريعي، وخاصة الجزء الذي تكرر فيه:
سوسة سوسة سوسة
سوسة كف عروسة
سوسة واللي يصقف
يستاهل مني بوسة..يستاهل مني بوسة
كنت أشعر أنها ألقت بصوتها الهادىء بوسة على وجنتي، وأصفق حتى أنال البوسة ولو افتراضيا من مغنية أحبت الأطفال فأحبوها.
عندما سمعت عن اسم فيلم “فتوى في البوس” تذكرت علاقتي بالأغنية ومقال كتبته عنوانه “بوسة وحشتني بطعم السكر” وجذب انتباهي اسم الفيلم “فتوى في البوس” وبالتأكيد وضع المشاهدون احتمالات أن يكون البوس المقصود في الفيلم متعلق بالحب والجنس أيضًا.
فالفيلم من اسمه فقط جذب الجمهور لمشاهدته ومعرفة قصته، وقد عُرض في مهرجان الاسكندرية للفيلم القصير في دورته الثامنة هذا العام . والفيلم قصته مختلفة ومضحكة مبكية عن الانخداع بالمظاهر الدينية.
فيأخذنا الفيلم لمدة 13 دقيقة في شوارع القاهرة مع شاب مكبوت جنسيًا يشبع شهوته عن طريق شراء المجلات الجنسية، ويتحرش بالفتيات لفظيًا، فتأخذ بنت حقها منه بأن أغرقت ملابسه بزجاجة مياه.
يصطاد الشاب رجل صاحب محل قفاطين ويبتزه بعدما رأى موقف تحرشه بفتاه، ويساومه على السكوت عما رأى من تصرفه مقابل أن يشتري منه قفطانًا يرتديه بدلًا من ملابسه المبتلة.
يظهر الشاب بعدما خرج من المحل بقفطان أبيض فيما في الأساس يتمتع الشاب بلحية خفيفة من باب الروشنة و التي تشبه لحى الدعاة الشباب الجدد. يركب الشاب مع سائق تاكسي والذي لعب دوره الفنان السكندري شريف الدسوقي.
فيظن السائق أن الشاب المتحرش شيخًا!….ويتوسم من هيئته بالقفطان الأبيض واللحية الخفيفة أنه من هؤلاء الشيوخ المعتدلين، فيقرر سؤاله في فتوى للبوس.
ويسأله : هل بوس الفلوس التي يستفتح بها من الزبائن حرام أم حلال؟….يُعجب الشاب بدور الشيخ ويقرر لعبه دون تردد، ويبدأ في مناقشة السائق حول الموضوع.
يبدأ بالمنطق سؤاله هل المال الذي تأخذه من الزبائن صباحا كاستتفتاح لليوم من المال الحرام أم الحلال؟..فيجيب السائق بثقة بالطبع مال حلال، فيفتي له إذًا بوس الفلوس أيضًا حلال.
في سيناريو منضبط قدم لنا الفيلم صورة حقيقية لمجتمعنا الذي ينبهر بالمظاهر ويثق في كل من ربى لحية. وبشكل ساخر يعرض لنا كيف وثق السائق في شاب متحرش رآه لأول مرة فقط لأنه يرتدي قفطانا.
حتى الفتوى التي انتظرها السائق تعبر عن حالة الهستيريا الدينية التي يدخل فيها بعض الناس حول أمور لا تستدعي الفتوى، فيما يغفل الكثيرون عن أمور أهم وأكبر لو اتقى فيها الناس الله لحدث فرق كبير في المجتمع.
على صعيد آخر هناك من يحب لعب دور الشيخ، وهم كثر؛ كهؤلاء الذين يسبون الآخر عند المناقشات الدينية ظنا منهم أن الهجوم على الآخر وسبه دفاعًا عن الدين!..ويقومون بلعب دور رجال الدين وإطلاق الفتاوى في التعليقات بموقع فيس بوك.
فأن تمتلك سمت ديني ما يفرض على الناس احترامًا أمر مغري وفتنة حقيقية؛ لذلك لم يتردد الشاب في لعب هذا الدور والشعور للحظات بالجلالة التي تحيط رجال الدين.
مهرجان الاسكندرية للفيلم القصير..علينا رؤية العالم بعيون أطفاله
عشرات الأسئلة المشابهة نسمعها في البرامج الدينية، حتى أنني أشفق أحيانا على رجال الدين من كم الأسئلة التي تتعلق بأمور تكاد تكون محسومة بين الإنسان وربه وضميره.
والقلق من الوقوع في الذنب له جانب إيجابي إذا كان الإنسان صادقًا، وإذا دفعه أيضا نحو تحري الحلال والحرام في حقوق العباد، وهذا ما نفتقده وتدور أسئلة موجهة لرجال الدين في البرامج الدينية حوله، في مكالمات “الشكاوى” التي لا تنتهي أبدًا بسبب الورث والنفقة وصلة الرحم وعقوق الوالدين..إلخ.
انتهى الفيلم بمشهد كوميدي يسخر من واقعنا باكتشاف السائق لحقيقة الشاب، فينسى الشاب المجلات الجنسية بالتاكسي، ويصدم السائق أن الشاب الذي ظنه شيخًا أخفى مجلات جنسية بالجرائد.
الشيخ المتحرش الذي عرفته
تلقيني الحياة في بحر التجربة طوال الوقت، فعرفتني صديقة على زوجها الذي يطلق الناس عليه “الشيخ فلان” لأنه صاحب لحية طويلة وقفطان مثل بطل الفيلم، ولكن هذه اللحية والقفطان كانوا جزءًا من شخصيته ومن قناعاته الشخصية.
كان كلما التقى بي نهرني وازدرى أفكاري وحبي للسينما، وينتقد أصدقائي الفنانين ويتكلم معي كل مرة من باب حرصه الشديد على مصلحتي كأخت له وعليه أن ينقذني من أفكاري وطريق كله حرام في حرام وأصدقاء سوء.
تمر الأيام ويبدأ الأستاذ في مغازلتي وتحرش بي في موقف من المواقف صعبة الإثبات وبشكل يدل أنه متحرش قديم محترف..
تعاملت مع صديقتي في حدود وتجنبت أن أقابلها في وجوده، حتى اعترفت لي في ليلة منهارة أن زوجها يتحرش بصديقاتها وبعض أقاربه، واكتشفت حقيقته بعدما صارت فضيحة بجلاجل يعرفها القاصي والداني.
حكيت لها ما فعله معي أيضا وانفصلت عنه فيما بعد، ولم يندم الأخ حتى الآن، وعرضت عليه صديقتي أن تدفعه للعلاج النفسي من أجله ومن أجل الأولاد وتجنب إيذاء النساء فرفض، وإلى الآن ينادونه البعض بالشيخ فلان ويثقون فيه تمام الثقة ويستفتونه أيضا.
فتوى في البوس من الأفلام التي تمثل واقعنا بكل أسف، وكونه طرح في إطار ساخر كان ذكاء من المخرج سليم العدوي حتى لا يكون جرعة ثقيلة على المشاهد. تحية له ولكل صناع العمل، وعلينا عدم أخذ الناس بالمظاهر أو الحكم على الآخر، وكذلك الرجوع للدين بشكل عميق يجعلنا أشخاص أفضل بعيدا عن فتاوى بوس الفلوس.
الكاتب
-
إسراء سيف
إسراء سيف كاتبة مصرية ساهمت بتغطية مهرجانات مسرحية عدة، وبالعديد من المقالات بالمواقع المحلية والدولية. ألفت كتابًا للأطفال بعنوان "قصص عربية للأطفال" وصدر لها مجموعة قصصية بعنوان "عقرب لم يكتمل" عن الهيئة العامة المصرية للكتاب بعد فوزها بمسابقة للنشر، كما رشحت الهيئة الكتاب لجائزة ساويرس.
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال