فريق “فيل النيل” .. كيف تصنع موسيقى جيدة على أشعار ساخرة

في أوطاننا العربية تصير فكرة التعامل مع الموسيقى المجردة الخالية من أي أشعار مصاحبة غير مطروحة لدى الغالبية من الجمهور، وكأن الموسيقى لا يجوز حضورها إلا في وجود الشعر وكأنه توأمها الملتصق.

مع انتشار فرق الأندرجراوند بدأت تصدر للجمهور فكرة أن الموسيقى تكتسب جديتها أو هزلها من الأشعار المصاحبة، بل وأصبح المستمع يتغاضى عن ضعف الأداء الواضح لبعض الفرق مادام الأشعار من وجهة نظره قوية أو ذات مضمون عميق، على هذا الوتر لعبت فرق كثيرة فأصبحنا نرى أشعارًا مجهولة من التراث تعزف على موسيقى حديثة نسبيًا أو أشعارًا اكتسبت شهرتها كونها تنتمي إلي نفس التصنيف الموسيقي “شعراء الأندرجراوند” كنوع من إعطاء صفة الجدية للمحتوى الموسيقي المقدم ومنحه بعض العمق الذي يؤتي ثماره في استقطاب المستمعين.

فرقة واحدة فقط قررت التمرد على ساحة موسيقى الأندرجراوند وأن تحلق بعيدًا خارج تلك الأطر، هي فرقة “فيل النيل” التي قررت أن تسخر إمكانيات أفرادها لصنع محاكاة ساخرة لبعض الأغنيات الشهيرة.

يكتسب فريق “فيل النيل” شهرته بسبب المحتوى الساخر الذي يقدمه، لكن الأهم هو الغموض الذي يكتنف أعضاء الفرقة فحتى الآن لا نعرف من هم ولا اسم أي عازف فيها، واكتفت الفرقة بتعريف نفسها على صفحة على الفيس بوك -تم إغلاقها منذ فترة- بأنهم “فرقة مجهولة مصرية تلعب أنواع مختلفة من الموسيقى بروح الدعابة و تناقش الأحداث المحيطة بشكل عشوائي طريف”

كل ما قدمه هذا الفريق المدهش المجنون ثلاثة تراكات فقط، تنوعت ما بين السخرية من ظاهرة انقطاع النور في مصر وقت حكم الأخوان، وما بين تعريب ساخر باللهجة السودانية  لأغنية غربية شهيرة ومعالجة موسيقية لأغنية شعبية.

اقرأ أيضًا

“بشارة ” خيري بشارة

“النور قطع”

بحسب تاريخ نشر التراك على قناة الفريق على موقع اليوتيوب يعتبر “النور قطع” أول تراك رسمي لهم، التراك محاولة للسخرية من نمط موسيقى الهاوس التي لا تستهويهم ويبدأو في شرح التراك بأنهم عندما قرروا صنع أغنية “هاوس” انقطع النور فجأة، وهي عملية مستحيلة لأن الهاوس في الغالب يعتمد على الاّلات موسيقية كهربائية “Plugged” فقرروا التحايل على الأمر بعزف التراك بالاّلات موسيقية سماعية “أكوستيك” مثل الجيتار والعود، يظهر في الفيديو أعضاء الفريق في إضاءة خافتة جدًا لا تستطيع تمييز ملامح أي فرد فيهم.

أنا طخيت الظابط

يعتبر “أنا طخيت الظابط” من أفضل التراك التي عزفها الفريق، الذي جاء محاكاة ساخرة وتعريب لأغنية “I Shot The Sheriff” لمطرب الريجي الشهير “بوب مارلي”، يوضح إمكانيات الفريق القوية جدًا في خلط موسيقى الأغنية الأصلية الريجي مع السلم الخماسي مع تعريب ساخر من المطرب الذي يؤدي باللهجة السودانية ويشرح بشكل كوميدي هزلي علاقته بضابط مرور سحب رخصة القيادة رغم أنه لا يمتلك سيارة ثم قرر إطلاق النار عليه بشكل هزلي، مع لقطات يظهر فيها بعض الممثلين والمطربين بشكل قمة في السخرية والهزل.

حط ايده ياه

إقرأ أيضا

كروان الزمالك و “شرشوح” بولاق .. السطور المفقودة من قصة العندليب وصلاح نظمي

أخر تراك أصدره الفريق وصاحبه في الغناء المطربة “ناتالي سابا” التراك جاء معالجة موسيقية جديدة لأغنية “حط ايده ياه” التي غنتها المطربة بوسي رفقة المطرب محمود الليثى في فيلم “عبده موته” ، يشرح التراك فكرة مهمة جدًا هي أن الموسيقى الجيدة بالضرورة لا تصاحبها أشعار جادة، حيث جاءت المعالجة الموسيقية للتراك في تصنيف موسيقى غربي جاد، على العكس من الكلمات الشعبية القحة، بل أن أغلب من تفاعل من التراك في الغالب لا يستمعوا إلى التراك الأصلي، أداء ناتالي سابا قوي جدًا لم يخلو من الأثارة الدلع والاغراء حسبما تقول الكلمات لكن بلحن مختلف تمامًا موزع موسيقيًا على نمط موسيقي الـ Jazz.

ثلاث تراكات فقط هم حصيلة هذا الفريق المدهش والمجنون واختفوا بعدها دون أن نعرف مصيرهم، هل تفككت وانضم بعض عازفيها إلى فرق آخر؟ أم قرروا الاعتزال؟ لا أحد يعرف حتى الأن كل ما نعرفه أن هذا الفريق امتلك إمكانيات كبيرة جدًا من ناحية الأفكار وتقنيات العزف القوية جدًا، وصنع تجربة مدهشة جدًا سخروا فيها من كل شئ سياسيا واجتماعيا وموسيقيًا.