همتك نعدل الكفة
59   مشاهدة  

فلسفة البطل والصراع والقوة المضادة.. نظرة على الشرير في سينما وحيد حامد

وحيد حامد


تقوم الدراما على أساس واحد فقط، الصراع، فكلما احتدم الصراع اشتعلت الدراما، وطبيعي أن يكون الصراع بين قوتين متضادتين مختلفتين في الأهداف والمصالح، ومن البديهي أيضًا لخلق تعاطف مع البطل أن يكون صراعه مشروعًا في نظر المشاهد حتى وإن كان خارج على القانون، فإذا ظن المشاهد أن بطله أقوى من خصمه، أصبح التعاطف في مهب الريح، وصار الصراع ضعيفًا وبالتبعية الدراما أيضًا تضعف، ولكن في سينما وحيد حامد لا تضعف الدراما لان دائمًا خصم البطل أقوى، بل يمكن القول إن خصم البطل في سينما وحيد حامد هو قوة عاتية.

 مع الماضي والرغبة

سينما وحيد حامد

تنقسم صراعات سينما وحيد حامد في أفلامه إلى مواجهة قوى مختلفة، جميعها تتشارك في كونها قوى عاتية، ولكنها تختلف في مظهرها، فهناك قوى داخلية أو نفسية داخل البطل، وهناك قوى تتمثل في الفساد السياسي أو الاجتماعي أو حتى الديني، فالقوى التي تصارع البطل في سينما وحيد حامد قوى داخلية أو خارجية بأشكال مختلفة، فكيف يجعلها عاتية، عاتية لدرجة أنك مجرد الخروج من بين براثنها حيًا فهذا يعني الانتصار.

فكرة صراع القوى ستجده في بدايات وحيد حامد فأول أفلامه مع عادل إمام كان فيلم “انتخبوا الدكتور سليمان عبدالباسط” لم يكن صراع بطل الفيلم دكتور سليمان ضد قوى خارجية، بل إن الصراع الرئيسي بدأ من نفسه صراعه مع رغبته في التحرر من قيود زوجته هو ما دفعه دفعًا إلى الانقياد وراء رغبته، وهو ما تسبب هو الأخر في تحريك كرة الثلج من على القمة ليزداد صراع البطل سخونة.

YouTube player

كذلك تكرر الأمر في ثاني أفلامه مع عادل إمام والذي تم عرضه في نفس العام 1981 “الإنسان يعيش مرة واحدة” فيه يهرب البطل من قوى عاتية وهي ماضيه، والحقيقة أن الشخوص الثلاثة المدرس والطبيبة والغفير الثلاثي هم الهاربون من ماضيهم لمنفى، ولكنهم في منفاهم يواجهون ماضيهم وينتصرون عليه في مشهد نهاية أيقوني.

YouTube player

تيمة مواجهة الماضي في سينما وحيد حامد تكررت كثيرًا بأكثر من شكل، كأنه كان هناك عداء بين وحيد وحامد والماضي، فستجد أن الماضي هو الخصم في أفلام مثل “كل هذا الحب” و”أنا وأنت وساعات السفر” وحتى في فيلم “بنات إبليس” والذي لم يكن قصته بل قصة المسرحي اللبناني الكبير جورج شحادة، ولكن الخصم أيضًا كان الماضي، ولكن رغم كل هذه الأعمال التي كان فيها خصم البطل خصمًا داخليا أو خصم معنوي، إلا أن أعتى الخصوم لم يأتي بعد.

معالي الوزير.. حينما يكون البطل هو الطرف الخفي.. وينتصر

YouTube player

في عام 2002 عرض فيلم “معالي الوزير”، -أعتذر لابد من تصحيح الجملة – في عام 2002 أطلقت قذيفة على هيئة فيلم بعنوان “معالي الوزير” أحد أفضل سيناريوهات وحيد حامد وأكثرها تكاملًا، فبعيدًا عن الشق السياسي الذي انحاز إليه أغلب الجمهور والنقاد، كان هناك جانب فني أخر شديد التميز، كان وحيد حامد قد أتقن دمج أكثر من خصم للبطل، ماديًا ومعنويًا، وفي معالي الوزير يكون البطل هو الجانب الخفي.

صدق أو لا تصدق فيلم معالي الوزير فيلم بطولة الشرير وليس البطل، لأن ببساطة البطل كان غير مرئي، البطل هنا هو ماضي وضمير رأفت رستم الوزير القوي، هنا نشاهد صراع ضمير وماضي رأفت رستم مع قوة عاتية للغاية، وهنا القوة هي رأفت رستم، وهي بالطبع قوة عاتية ولكن ماضيه وضميره وجد ثغرة إليه وجاءت عبر نومه.

الملفت للنظر هنا أنه لأول مرة تتعاطف مع بطل غير مرئي، وكان وحيد حامد يتحدى الدراما، كأنه يثق في قدرته على خلق التعاطف الواضح بين ضمير وماضي رأفت رستم وبين المشاهد، ولكن هل انتهى صراع رأفت رستم بانتصاره، الإجابة أن مشهد النهاية يجيب نافيًا على هذا السؤال، فحينما يتحول الكل في نظر رأفت رستم لضحيته الأخيرة عطية، تعلن هزيمة رأفت رستم فلم يعد ضميره وماضيه يطاردونه في أحلامه بل في يقظته أيضًا.

القاهرة لحين إثبات العكس (*)

على جانب أخر كان وحيد حامد من الجرأة والقدرة والمهارة على خلق صراع من نوع جديد صراع الإنسان وقوة المكان، أعطى وحيد حامد في أفلامه التي قام صراعها الدرامي على صراع الإنسان في مقابل المكان، للمكان فيها قوة قاهرة، فلا عجب أن يكون هذا المكان هو مدينة القاهرة نفسه، فهي بها من اسمها الكثير.

بداية هذا الصراع أو هذا الشكل من الصراع كانت كوميدية، ففيلم غريب في بيتي هو صراع في الأساس بين القروي البسيط ذو الموهبة والمدينة الكبيرة بما فيها من أنماط وأشكال، صراع لا يهزمه شحاته أبو كف ولكن يفر منه، فلا يستطيع رجل أن يهزم مدينة مهما كانت موهبته، يفر شحاتة ومعه الحب الذي اقتنصه من المدينة إلى خارجها، هل هزم شحاتة؟ الحقيقة أن وحيد حامد يدشن نوع جديد من النهايات في الصراع، فلا مهزوم أو منتصر، فأحيانًا الانسحاب بأقل الخسائر يكون الحل المناسب.

YouTube player

ولكن لم تتوقف صراعات وحيد حامد مع المدينة في غريب في بيتي، هناك ما هو أهم في رأيي، صراع الأستاذ فرجاني مع القاهرة في “أخر الرجال المحترمين” هو صراع مع القاهرة مكانًا ومجتمعًا، صراع بين بعض القيم التي فقدتها القاهرة في غمرة الحياة السريعة، كما فقد فرجاني الطفلة نسمة في خضم زحام حديقة الحيوان.

لا ينتصر فرجاني على القاهرة بالتأكيد ولكن تتنصر بعض قيمه، يتحول من الساذج في نظر الجميع على الرجل القادر على جمع الكل في صفه، ولكن في النهاية يجلس فرجاني وحيدًا بعدما ينفض الكل من حوله تمامًا ليمسح زجاج نظارته كأنه يعيد حساباته ونظرته للأمور مرة أخرى، لتترك المدينة أثرها على فرجاني القادم من عمق الريف.

الغول اسمًا وصفة

YouTube player

ولكن إن كانت القوى الداخلية بهذا العنف، فما هو شكل القوى الخارجية؟ ستجد البداية سينمائيًا مرة أخرى مع عادل إمام في فيلم “الغول”، الفيلم الذي حمل الكثير من التفسيرات السياسية فوق كتفيه، ولكن هذه التفسيرات ليست هي مربط الفرس، ولكن القوى نفسها وطغيانها، في الصراعات القائمة على خصم معنوي لا يكون التدليل على قوة الخصم بأفعال مادية ولكن بردود أفعال البطل، ولكن هنا يقف وحيد حامد أمام خصم مادي يجب أن يجعله شديد الشراسة والقوة.

يتفنن وحيد حامد في عملقة الخصم، بل وشيطنته أيضًا، أفعال مثل القتل ومحاولة إخفاء الجريمة وخطف النساء هي درجة من درجات شيطنة الشرير دراميًا، وكل تلك الأفعال فعلها فهمي الكاشف، ولكن أكثر فعل يظهر لك مدى جبروت فهمي الكاشف هو نكرانه لابنته، فعل شديد القسوة أن يخرج من أب، وفي المقابل يدافع بكل ما يملك ليخرج ابنه القاتل من العدالة، والشخص الوحيد الذي يواجه كل هذا هو صحفي مشاغب لا يملك جزء ولو ضئيل من قوة فهمي الكاشف الكاسحة.

نفس القوة الكاسحة التي يواجهها عرفة مشاوير في الهلفوت، ولكن يضاف عليها قوة الخوف غير المبررة من جانب الجميع تجاه السفاح القابع في مدينتهم البسيطة، لم تظهر قوة هذا السفاح حتى مقتله على يد عرفة، في مشهد غاية في الإبداع والعبقرية، حينما يهنئ ضباط الشرطة عرفة على قتله “لعسران”

الانسحاب بأقل الخسائر أحد الحلول الممتعة

تختلف أشكال القوى المادية الكاسحة في أفلام وحيد حامد، ولكنه في الإرهاب والكباب تخطى فكرة الرمزية التي تغلف تلك القوى، لم يترك المجال للتفسيرات، فجعل أحمد يواجه ومعه بعض المهمشين المطحونين قوة السلطة نفسها، وهي أعتى قوة مادية يمكن ان يواجهها بطل، أنت تكون في مواجهة مباشرة مع الحكومة.

YouTube player

للعديد من الاعتبارات الدرامية والرقابية لم ينجرف وحيد حامد وراء محاولة شيطنة السلطة، فلا حاجة لذلك، فالسلطة في أذهان المشاهد ليست بحاجه لعناصر لتقويتها، قوة السلطة مطلقة لدرجة أن وحيد حامد لم يكلف نفسه عناء اختيار اسم لشخصية وزير الداخلية فاكتفي بذكر منصبه في تدليل صريح على أنه يمثل السلطة، سلطة منصبه.

إقرأ أيضا
الفيمتو أرت

 ويكفيك فقط تفقد حجم القوات المتجمعة أسفل مجمع التحرير، لتعرف كيف أن المواجهة غير متكافئة على الإطلاق وهنا يلجئ وحيد حامد لحله السحري، الانسحاب بانتصار معنوي ليس هزيمة على الإطلاق، مشهد كتبه وحيد حامد بمنتهى الاحترافية وقدمه شريف عرفة بأبدع ما يكون، مشهد رغم صمته إلا أن به العديد من الجمل الحوارية بالعيون بين أحمد ورفاقه وبين وزير الداخلية.

الصدام حل يفرضه طبيعة الصراع

YouTube player

ولكن من قال إن كل قوة مادية يجب أن تكون ظاهرة، هناك قوى مادية خفية أيضًا هذا ما أوضحه وحيد حامد جيدًا في فيلم اللعب مع الكبار، حيث يواجه حسن بهنسي بهلول قوى خفية ولكنها باطشة، وقاتلة، يحاول أن يتحد فيها حسن المواطن البسيط، مع معتصم الألفي رجل القانون، بينما يحاولون التصدي لتلك القوة لا لمواجهتها، وفي مشهد ختامي أيقوني هو الأخر، يطلق رجل القانون النار على تلك القوة التي لا نراها، ولا نعرف النهاية، فالنهاية هنا ليست انسحاب أو هزيمة أو انتصار، هنا يأتي وحيد حامد بحل جديد، هو الصدام المباشر.

الصدام كان أيضًا هو الحل في فيلم الوعد، وفيه يقابل البطل قوة أيضًا غاشمة ولكنها هذه المرة ليست سلطة، ولكنها فساد، ذلك الفساد التي يتحكم في مصائر الأخرين، والسيطرة على حياتهم من خلال ثغرات مشينه في ماضيهم فكان الصدام هو الحل المثالي فلا انسحاب بأقل الخسائر في تلك المواجهة.

ما خفي كان أبطش

YouTube player

كذلك تظهر تلك القوى الخفية في فيلم كشف المستور مع عاطف الطيب حينما تصطدم سلوى شاهين بماضيها على يد قوى كاسحة تحاول جرها إليه مرة أخرى، ولكن هذه المرة تكون القوى ظاهرة وواضحة، هنا السلطة مرة أخرى ولكنها السلطة الخفية، أو بمعنى أدق أذرع السلطة الخفية في ذاك الوقت، ولكن وحيد حامد أبى أن تهزم سلوى شاهين في صراعها، فجاء موتها انتصارًا، فهزيمتها هي أن تعود لماضيها، أما ما دون ذلك فهو انتصار كاسح لإرادتها أن تعيش كما أرادت أو أن تموت كما أرادت أن تعيش دون العودة للوراء.

نفس الحل الذي لجأ له وحيد حامد في فيلمه -المظلوم- سوق المتعة، فصراع أحمد حبيب أبو المحاسن كان أمام قوة كاسحة، ودلائل تلك القوة وقدرتها، جاء بلفته فنية شديدة البراعة، فما هي القوة التي يمكن أن تلبي رغبات رجل مهما كانت وتوفرها له، أحمد حبيب أبو المحاسن كانت رغباته مزاجية في البداية يحاول تعويض ما فاته من عمر وحرمان في سجن دخل إليه مظلومًا، ولكنه أكتشف أن تلك القوة التي ظلمته لا لشيء إلا لأنها يمكنها فعل هذا، وقامت بتعويضه بعد الخروج، أتاحت له كل ما اشتهاه، ولكنها دون أن تدري قادته لأزمته أنه تحول إلى مسخ لا بشر، شخص لا يقضي حاجته إلى في جردل، واعتاد النوم وفوق رأسه سرير مثل النوم في العنابر، لدرجه أنه قام ببناء سجن قطاع خاص، قوة سلبت منه حياته، فأنهاها وانتهى معها.

يمكننا الحديث عن صراعات أفلام وحيد حامد على حدا ولكن في غالبية الأفلام إن لم تكن جميعها، كانت هناك قوة كاسحة أمام البطل وكان وحيد حامد يقود صراعه، لأحد الحلول، ولكن الأهم هو صراع وحيد حامد نفسه، فالكاتب نفسه كان دائمًا في صراع مع الدراما نفسها، مع النهايات الدرامية، ليبدع ويبتكر نهايات تناسب الصراع وبطله والخصم المقابل، فشكل القوى المواجهة للبطل وطبيعة الصراع هي ما جعلت وحيد حامد يكسر قاعدة انتصار الخير أو هزيمته، لينتصر في صراعه مع الدراما ويؤكد أن هناك الكثير من الحلول الأخرى، وكلها تتوقف على طبيعة الصراع.


(*) اسم قصيدة للشاعر ممدوح زيكا من ديوان “صف واحد موازي للوجع”.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان