همتك نعدل الكفة
390   مشاهدة  

فن المهرجانات .. من أين جاء وإلى أين يذهب

المهرجانات
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



الثقافة بنت البيئة، والفنون ابنة الثقافة الشرعية… وتعتبر مصر من أكثر الدول التي تنوعت فيها الثقافة وتشبعت لدرجة أن كل مجتمع بمصر يحمل ثقافته الخاصة وفنونه المتفردة..

لذلك نجد أن كل محافظة بجمهورية مصر العربية لها فنونها التي تعبر عن ثقافتها.. فـ محافظات القنال كمثال نجد فيها رقصة البمبوطية..

YouTube player

والبمبوطية هم تجار البحار الذين يقدمون تجارتهم للسفن العابرة من قناة السويس، وهي الرقصة التي اتخذت من رمي الشباك وجمعها طريقة للرقص على أنغام السمسمية. والسمسمية ألة عزف عُرفت منذ قدماء المصريين، وإن تطورت على أيادي سكان محافظات القنال: بورسعيد، السويس، الاسماعيلية.

في محافظات الجنوب، تختلف الرقصات والأدوات الموسيقي بالإضافة إلى كلمات الأغاني التي هي لسان حال الصعيد.. فنجد فيها رقصة التحطيب، واستخدام النبوت في الرقص، وهو السلاح المنتشر بين أبناء الجنوب، تحت أنغام المزمار..

أما الريف المصري فقد ازدهرت فيه الأغاني الريفية التراثية، والتي انتقلت من جيل لجيل عبر التواتر.. مع الرقص الفلاحي الذي يُستخدم فيه ضرب الكفوف المشتق من عملية الخبيز في الأصل..

وللمدينة أيضاً فنونها المتنوعة والتي تشير إلى تنوع الأذواق الفنية، ومع ذلك يبقي الفن الشعبي هو الغالب والسائد على مدار تاريخ تلك المدينة العريقة..

والفن الشعبي نتاج المناطق الشعبية بالمحافظة الأم.. ومنه تخرجت نجوم كانت لها علامات في عالم الغناء.. لعل أحدثها وأبرزها: أحمد عدوية، رمضان البرنس، طارق الشيخ، عبد الباسط حمودة، شفيقة، شعبان عبد الرحيم.. وغيرهم الكثير..

هؤلاء النجوم استمدوا كلمات أغانيهم من حيوات المواطن المصري البسيط، المواطن الذي ينتمي إلى قاع هذا المجتمع..

ولكن، انتاج الفن لم يتوقف أو يتجمد مع الزمن، خصوصا مع ظهور طبقة اجتماعية جديدة ظهرت وانتشرت مع مطلع الألفية، وهي طبقة العشوائيات..

تلك الطبقة التي نبتت على ضفاف الكوبري الدائري أو بأحشاء المجتمعات العمرانية القديمة..

مباني بُنيت بشكل عشوائي في غياب دور الدولة بعيدا عن المرافق الحيوية اللازمة لكل إنسان كالمدارس والمستشفيات والبنية التحتية..

ورغم ذلك استطاعت هذه الطبقة التكيف مع الظروف القاسية.. والتعايش معها.. بل وإنتاج ثقافتها التي شملت اللغة والعادات والتقاليد وطقوس الحزن والبهجة..

وهي تختلف كلياً عن المناطق الشعبية بعاداتها وتقاليدها الراسخة، فـ إمبابة، شبرا، بولاق كأمثلة، هي مناطق شعبية لها تاريخ متأصل بجذور الوطن منذ القدم..

لهذا هي تختلف – بالضرورة- عن المناطق العشوائية الحديثة والتي خرج منها فنون المهرجانات، وهو الفن الأكثر انتشارا في الفترة الفائتة، ليس فقط في مصر بل في الدول العربية ومنها للعالمية..

وهو، كغيره من الفنون، يحتوي على ثقافة القائمين عليه.. ولنبدأ بالرقصة أو التشكيلة، وهي الرقصة التي تعتمد على تصرفات الراقص أثناء معركة وهمية بالسلاح الأبيض، وكأنه يدافع ويقاتل شخص ما، ليبرز مهاراته في استخدام السلاح، وقدرته على الكر والفر وسحق خصمه بطعنات وهمية كذلك..

والرقصة يُستخدم فيها الأسلحة البيضاء المنتشرة بين أبناء تلك الطبقة كـ المطواة، الكزلك، السيف.. إلخ.

أما الكلمات فهي واضحة وصريحة وتصل في بعض الأحيان لاستخدامات مصطلحات جنسية عن طريق التفاخر بالذات أو ذم الخصم، وأحياناً أخري كسرد لواقع مأساوي نتاج الفقر أو الضياع بسبب المخدرات، وغيرها من القضايا الاجتماعية التي يعاني منها أبناء العشوائيات. وبطريقة إلقاء مسحوبة بموسيقي تشبه إلى حد كبير موسيقي الروك والتكنو بصبغة شديدة المحلية..

أعتقد أن البداية العلنية لفن المهرجانات بمصر تم تدشينه من خلال فرق موسيقية صعدت من القاع لتبث فنها على الجمهور العام، هذا الصعود جاء عقب ثورة يناير، حيث خرجت طوائف الشعب من شرنقتها لتعلن عن رغبتها في التغيير، وفي حياة كريمة..

YouTube player

مما دفع نجوم مثل السادات، وعمرو حاحا، وأورتيجا… للاشتراك في الثورة الشعبية كي يعبروا عن صوت الهامش الذي يمثل الغالبية العظمي لهذا الشعب..

بعدها تكونت العديد من الفرق، وعرف المواطن المصري والعربي أسماء جديدة ولامعة على الساحة الغنائية.. وهو الحظ نفسه الذي لم يحالف أي فن شعبي آخر..

والمهرجان هو البديل الفعلي للحفلات بشكلها المتعارف عليه، حيث يكون الشارع هو المسرح الذي يقدم عليه الفنان فنه لجماهير متعطشة لفن تعبر عنها بلا مقابل مادي يُذكر..

فرقة الدخلاوية المكونة من فيلو وتوني ومحمود ناصر أول فرقة تقدم المهرجان بالشارع، والتي قدمت المهرجان الأول بمحافظة الإسكندرية..

كما يعتبر مهرجان السلام أول مهرجان يحدث في القاهرة الكبرى، وهو المهرجان الذي قدمه فيجو وفيفتي..

YouTube player

نجاح المهرجان الأول، ومن بعده الثاني، شجع الفرق الأخرى لاتخاذ نفس الخطوة، لتتوالى المهرجانات في جميع أنحاء مصر..

هذا النجاح الكبير لفت انبتاه شركات الإنتاج التي تسارعت للتعاقد مع النجوم الجدد سواء لتقديم مهرجانات بشكل احترافي أو الاستعانة بهؤلاء النجوم في أفلام سينمائية أو أدوار ثانوية بالدراما..

لعل أشهرها فيلم 8% بطولة مي كساب وأوكا وأورتيجا ومن تأليف إبراهيم فخر، واخراج حسام الجوهري. ولكن الفيلم لم يحقق النجاح المتوقع مما جعل رجال الإنتاج يعيدون التفكير في إعادة مثل تلك الأعمال..

إقرأ أيضا
أطفال غزة وسوء التغذية
YouTube player

ولكن، هذا الفشل السينمائي لم يؤثر على صناعة المهرجانات بمصر، خصوصا مع انتشار الاستديوهات الخاصة ونشرها على اليوتيوب الذي يعد بمثابة المنتج والموزع الفعلي لهذه الأغاني، والتي حققت أرقام خيالية كمشاهدة أو استماع..

وهو ما يدفعنا للتساؤل عن الأسباب الخفية لهذا النجاح المتصاعد..

ربما يرجع هذا النجاح لعدة أسباب، أولها: التخلص من قيود المؤسسات المسئولة عن تقديم المطربين كالإذاعة ونقابة الموسيقيين..

وهو ما جعل السوق مفتوح أمام الجميع، دون الحاجة إلى التقييد بضوابط تحجم الإبداع.. وإن كان هناك تصادم حديث بين النقابة المتمثلة في مصطفي كامل وبين مطربي المهرجانات كـ حمو بيكا، وحسن شاكوش ووصولا إلى ويجز.

وهو التصادم الفني المعتاد بين الجديد والتمسك بالقديم، وهو الصراع الذي عاني منه من قبل عبد الحليم حافظ نفسه وأم كلثوم وكل فنان يرفض القديم ويحرص على فنه المتجدد..

ثانيا: الأذن تنجذب إلى الحديث والمبتكر، ولعل ذلك ما ضمن الرواج لأغاني معينة، نذكر مثلا أغنية ديدي للشاب خالد وانتشارها الكبير، وأغنية لولاكي لـ علي حميدة.. وأغاني عدوية وقدرته على التلاعب بالألفاظ، ومن قبله الثلاثي الأبنودي وبليغ ومحمد رشدي.. هذا اللغة الجديدة المبتكرة بموسيقاها غير التقليدية كانت السبب الرئيسي لضمان نجاح مثل هذه الأعمال.. ونجاح المهرجانات كذلك..

ثالثاً: التحرر من الرقابة، وهو ما جعل من أغنية المهرجانات باب للحرية، وقد يعتقد البعض أن مثل هذه الأغاني تروج للجريمة أو الإيحاءات الجنسية. ولكن نظرة عابرة نحو الأغاني التراثية سنكتشف على الفور أن أغاني التراث، والتي يرددها النساء أوقات الزفاف وفي مواسم السعادة لا تخلو من ألفاظ جنسية واضحة.. ومع ذلك تبقي هذه الفنون هي الأكثر حضورا في كل مناسبة وبين أفراد العائلة، وبالأخص النساء..

يمكن لنا أن نمتنع عم فن ما لأسباب شخصية أو غير شخصية، ولكن لا يجوز أبدا أن نمنع الفن ذاته من الانتشار والوصول للعالم، وهو ما يذكرني بخاتمة فيلم ابن رشد ليوسف شاهين: “الأفكار لها أجنحة ما حدش يقدر يمنع وصولها للناس”..

تلك الأفكار التي لا بد وأنها ولدت من فنانين ولا بد لها أن تذهب إلى المتلقي رغم أنف المعترض أياً كان..

       

الكاتب

  • فن المهرجانات عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان