2٬820 مشاهدة
فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل..عندما يواسي الفن من كسرتهم الحياة
بكى صديقي بحرقة، من احمرار عينيه، وحشرجة الكلام في صدره وحلقه، وحركة لسانه الثقيلة، قبل أن يحكي ما آلمه، جلسنا على حافة كوبري قصر النيل، نظر لي وضحك، ويديه تتشبثان بقضبان سور الكوبري السميكة، قائلًا:”ده إحنا في سجن كبير ياخي”، قبل أن ينظر ناحيتي، رفع عينيه من على سطح المياه، وهز قدميه بغضب:”وآخرته غرق”.
“أبوها رفضني، كنت عارف، بس كان لازم أروح، عشان خاطرها، روحت وكذبت، لكن منفعش برضه”. أعادني لأحداث فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل.
الفن يواسي من كسرتهم الحياة
جسد الفنان أحمد زكي شخصية “إبراهيم” التي لا تختلف عن شخصية صديقي أبدًا، الشاب الطموح، المثقف، الواعي، يعيش في طبقة متدنية، الفارق بين الطبقة الاجتماعية بينه وبين “خيرية” واضح للغاية، لكنهما لا يعترفا بهذا الفارق، بالإضافة إلى أن المجتمع لا يغفر لمن تخونه رؤيته لهذه الفروق.
كما أن “خيرية” التي لا تختلف كلية عن حبيبة صديقي في شيء، دخلن التجربة من قبيل الانبهار والتجربة، بدافع التمسك بالأحلام والتمرد، دون أن يكن لديهن الخبرة في معرفة نهايات الأمور، وتقدير الحكم المجتمعي لحكياتهن، أضف إلى ذلك عدم قدرتهن على تحمل المسئولية تمامًا.
الفنانة آثار الحكيم في حوارها مع الإعلامية نهال كمال في إحدى حلقات برنامج “لسه فاكر”، تحمست وأيدت نهاية الفيلم، ترى أن الفروق الطبقية لابد أن تتقارب بين الزوجين، أو المحبين، فلا يمكن أن يرتبط شخصين وبينهما تلك الهوة الاجتماعية، ورسمت الفشل كنهاية للعلاقات التي تتحدى هذه الفروق الاجتماعية.
لم يكن والد حبيبة صديقي، مترويًا، حكيمًا في تصرفه (رفض الأمر برمته من البداية) مثلما تصّرف الفنان صلاح ذو الفقار (رفيق حمدي) طبقًا لأحداث الفيلم، وسمح لـ”خيرية” أن تخوض تجربتها والحكم في النهاية يرجع لحصيلة التجربة لها.
في النهاية، “خيرية” وحبيبة صديقي، كانا لهما الحكم بفشل التجربة، الفارق الاجتماعي كبير، والهوة متسعة، واتفقا على جملة الفنان صلاح ذو الفقار في أحد مشاهد الفيلم “الحب أحيانًا بيعمل ضباب على عنينا، مبنعرفش نشوف من الشخص غير الحلو، وده شيء مش عادل”.
كان الشيء القبيح “المش حلو” بالنسبة إليهن (حبيبة صديقي) و (خيرية) هو تدني المستوى الاجتماعي للطرف الآخر، فكيف يمكن لعائلتين أن يترابطا سويًا في ظل هذه الفروق، كيف يمكن للأبناء أن يتعايشا سويًا.
أما الجمهور، اختلف كالعادة، على نهاية الفيلم، بعد عرضه تلفزيونيًا عام 1981، خاصة طلبة الجامعات، بعدما شاهدوا الفنان أحمد زكي “إبراهيم” الذي يجسد طموحهم ضمن أحدث الفيلم، ويكذب ليجمّل من تشابهت ظروفهم مع بطل الفيلم.
عايش الفنان أحمد زكي شخصية “إبراهيم” الطالب الجامعي في فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل ، أثناء تصوير الفيلم ، لم يخرج عنها، حتى بعيدًا عن الكاميرا، لدرجة ضايقت الفنان آثار الحكيم، ونشبت بينهما اختلافات في وجهات النظر حول إظهار مشاعر الشخصيات وتجسيدها، وتخاصما لفترة، إلى أن عادت المياه لصفوها.
انتصرت الفنانة آثار الحكيم لوجهة نظر حبيبة صديقي، لكن الفنان أحمد زكي انتصر للجمهور.
ففي برنامج “خليك بالبيت”، انفعل الفنان الراحل مدافعًا عن جروح صديقي، وقال إنه رافق أحد حفاري القبور ليتقن تجسيد شخصية “إبراهيم” في فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل، وهو ما نجح فيه في النهاية عندما شاهد طلاب الجامعة يتمردون على فقرهم ويرتادون المواصلات من أمام الجامعة لمنازلهم.
لم أكن أعرف حكاية صديقي، إلا في نهايتها، عندما ضاقت عليها الدنيا، ويبحث عن متسع، يلقي فيه حكايته، يخفف عن صدره، لكني كنت متفقًا مع جملة والد “إبراهيم” الذي جسد شخصيته الفنان “أحمد الجزيري” في فيلم أنا لا أكذب ولكني أتجمل، عندما قاطع “إبراهيم” أثناء جلده لذات والدته “مبروكة” التي جسدت شخصيتها الفنانة “ناهد سمير”، قائلًا:”كويس إنها عرفت ظروفك بدري، وأنت على البر، عشان تعرف هي متمسك بيك وبتعزك ولا كان قوالة، كلام وخلاص، لو عاوزاك هتتمسك ولو كنت عضم في قفة”.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
