فيلم لحن الوفاء .. صيحة العندليب الأولى في السينما المصرية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يحتل فيلم لحن الوفاء 1955 مكانة هامة في تاريخ العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ ليس فقط كونه أول ظهور له في السينما المصرية ولكن لأنه كان بداية حقبة جديدة تغير فيها شكل الفيلم الغنائي.
بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1945-1939) بدأت السينما الغنائية في الازدهار بعد ظهور العديد من شركات الإنتاج السينمائي وافتتاح الكثير من دور عرض للسينما الدرجة الثانية والثالثة،اتسم الفيلم الغنائي في تلك الفترة بعدة سمات في الغالب لا يعتمد على حبكة درامية قوية بل مجرد مجموعة من المشاهد الكوميدية غير المترابطة يتخللها العديد من الاستعراضات والأغنيات، وتدور أغلب القصص حول مطرب يأتي من حي شعبي و يمتهن حرفة بسيطة غير الغناء غالبًا ما يكون “عبد الغني السيد، عبد العزيز محمود أو كارم محمود” مع وجود بعض العناصر الأساسية مثل الراقصة حيث لمع في تلك الفترة أسماء راقصات مثل “تحية كاريوكا، هاجر حمدي، حورية محمد وسامية جمال” مع صديق البطل المونولوجست سواء كان رجلًا “شكوكو ،اسماعيل ياسين” او سيدة “ثريا حلمي، سعاد مكاوي” تلك الخلطة البسيطة التي كانت تعتمد عليها أغلب الأفلام الغنائية ولاقت رواجًا كبيرًا بين جمهور من فئات الشعب البسيطة الذي كان يذهب يوميًا لمشاهدة مطربه المفضل في فيلم غنائي فكاهي بسيط.
ثورة يوليو وأثرها على السينما.
بعد ثورة يوليو 1952 بدأ نجم المطرب الشاب عبد الحليم حافظ في الصعود بالتزامن مع بعض التغييرات التي حدثت في المجتمع المصري وظهور الطبقة المتوسطة ذات التطلعات المختلفة والذائقة الجديدة، تأثرت السينما بتلك التغييرات بشكل كبير وظهر هذا بوضوح في فيلم “لحن الوفاء” حيث بطل الفيلم “جلال – عبد الحليم حافظ” الذي يعيش في كنف ابن عمه الموسيقار الشهير “علام – حسين رياض” بعد وفاة والده حتى يتخرج من كلية الحقوق ويريد أن يحترف الغناء بمساعدة “علام” حتى تظهر في طريقهما مطربة ناشئة “سهام – شادية” حيث يقعا في غرامها الاثنان لكنها تبادل جلال الحب فقط وتنظر إلي “علام” نظرة أبوية، ومن هنا يبدأ الصراع عليها حتى يختفي علام فجأة قبل أن ينتهي من الأوبريت الذي ينوي تقديم جلال فيه إلى الجمهور ويصر جلال على استكماله بنفسه حتى يظهر علام في نهاية الفيلم ويعجب بالأوبريت ويبارك قصة الحب بين جلال وسهام.
كسر فيلم لحن الوفاء قواعد الفيلم الغنائي الأربعيني، ابتعد عن حياة قصور الأغنياء ولم يرصد عالم الملاهي الليلية “الكباريهات” بل سخر منها في بدايته عبر عدة مشاهد فكاهية قامت ببطولتها “وداد حمدي” في دور صاحبة ملهى ليلي تريد أن تغني أغنيات هابطة، وظهرت طقطوقة “الحلو فى الفراندة” من غناء ماري عز الدين والتي كانت تشير إلى رواج هذا اللون الغنائي الهابط في تلك الفترة، وطرح الفيلم قضية هامة عن الموسيقيين المهمشين الذي تضطرهم الحاجة إلى الانخراط في العمل في الملاهي الليلية والتماهي مع تلك الموجة من الغناء الهابط.
لحن الوفاء قصة وسيناريو وحوار محمد مصطفى سامى وإخراج وإنتاج “إبراهيم عمارة” وضم سبع أغنيات بالإضافة إلى الأوبريت الختامي “لحن الوفاء” كطقس متكرر في الأفلام الغنائية.
رغم كثرة الأغاني في الفيلم إلا أنها وظفت بشكل جيد لم تشعر المشاهد بأي ملل، تناوب على تلحين الأغنيات كلًا من “حسين جنيد، كمال الطويل، محمد الموجي،منير مراد، محمود الشريف والموسيقار الكبير رياض السنباطي” وهو عدد ضخم لن نراه لاحقًا في أفلام عبد الحليم حافظ.
أغنيات الفيلم.
كان الفيلم هو باكورة تعاون عبد الحليم حافظ مع شادية في دويتوهات “تعالى أقولك، احتار خيالي و لحن الوفاء” وأول لحن يغنيه للملحن منير مراد بالإضافة إلي ظهور الملحن رياض السنباطي الذي وضع ألحان أوبريت لحن الوفاء وهو التعاون الأول بينه وبين عبد الحليم حافظ ولم يتكرر سوى مرة واحدة في أغنية “فاتوني” التي صدرت في فيلم “ليالي الحب” في نفس العام.
“لا تلمني”
كلمات محمد على أحمد ولحن كمال الطويل وفيها نلاحظ مخاطبة جمهورًا جديدًا من طبقة مختلفة مع لحن تعبيري قوي على مقام العجم من الملحن كمال الطويل وظهور لافت لالاّت النفخ والبيانو والماندولين.
“على قد الشوق”
سبق أن غناها عبد الحليم حافظ في الإذاعة عام 1954 ودفع نجاحها الضخم شركة أفلام عمارة للتعاقد معه على بطولة فيلم “لحن الوفاء” فكان حتميًا ضمها إليه،أظهرت تلك الاغنية قدرات عبد الحليم حافظ في التحكم في صوته والتعبير بشكل جيد عن العٌرب اللحنية التي وضعها كمال الطويل فكان صوته يشبه الكمنجة الرقيقة التي تدخل القلب مباشرة.
“أحن إليك”
مع لحن شرقي شجي على مقام النكريز يضع الملحن محمد الموجي لمساته مع أداء متزن جدًا من عبد الحليم حافظ.
يظهر منير مراد بلحن حيوي جدًا على مقام العجم بجمل لحنية قصيرة يؤسس لشكل جديد من الدويتوهات الغنائية.
“احتار خيالي”
غناها عبد الحليم مع شادية داخل الفيلم من ألحان حسين جنيد ونلاحظ
“شبكت قلبي”
الأغنية الوحيدة المنفردة التي غنتها شادية في الفيلم من ألحان محمود الشريف على مقام الكرد وفيها يصبغ الشريف على شادية طابع الغناء الخفيف الذي اشتهرت به بعد ذلك.
“لحن الوفاء”
على مقام النهاوند يأتي لحن رياض السنباطي الذي وضع التوزيع الموسيقى له فؤاد الظاهري ونفذ بأوركسترا كاملة مع اهتمام قوي بالمقدمات واللوازم الموسيقية وهي سمة أساسية في ألحان السنباطي.
أسس فيلم لحن الوفاء لحقبة جديدة في الفيلم الغنائي حيث لا استعراضات مبالغ فيها ولا اعتماد على صوت طربي قوي يغني المواويل والأغاني الشعبية وساهم في صعود عبد الحليم حافظ كنجم لتلك المرحلة معتمدًا على نبرة صوته المميزة وطريقة أدائه الجديدة وتطلعه إلى كل ما هو جديد في عالم الأغنية السينمائية وهو ما أثر على مسيرة بعض الأصوات الغنائية التي كانت السينما الغنائية تعتمد عليها.
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال