إلى صديقتي…
يقول
الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس إنه مع كل وداعٍ نتعلم أن الأمور لم تكن كما يجب أن تكون وأننا كنا مخدوعين في معانٍ عديدة كالصداقة والحب والسند، بينما أرى -الآن- أنه مع كل وداعٍ ونهاية تكون هناك بداية لحياة جديدة، وربما كانت هذه النهاية هي سبب البداية الجديدة، وربما تكون أفضل.
منذ 9 سنوات كنتُ قد خسرتُ 90% من أصدقائي المقربين وابتعدت عن لُعبتي الأقرب لقلبي لم يقولوا وداعًا فقط أداروا وجوههم وتجاهلوا صوتي ورحلوا، شعرت أن قدميي ثقيلتين كجبلي رمل، بل يتلاشان شيئًا فشيئًا، كنت كمن بلا أقدام.
كنت وحيدًا خائفًا أكثر من أي شيء، أشك في كل شيء وأولهم نفسي، عزفت عن التفاعل مع البشر لفترة طويلة، فقط انظر لما يدور حولي وأبتسم، حينها ولا أتذكر كيف توطدت علاقتي بزميلٍ قديم -لم أكن أعلم أنه يحمل لي كل هذا الحب- والتقيت صديقة جديدة، لتصبح لفترةٍ طويلة صديقتي الوحيدة إلى جوار أمي بالطبع.
لم نصبح أصدقاء منذ أول لقاء، لكن بمرور الوقت أصبحنا؛ أمر طبيعي فنحن ننتمي إلى نفس البرج، القراءة والاستماع إلى مقطوعات موسيقية بعينها هي صديقنا الأول، ونحمل طموحات تتجاوز السماء الأولى، وأخيرًا نستخدم نفس معالج تساقط الشعر :D.
تمر الأيام وأمر بأصعب أزمتين في حياتي؛ أولهما كادت أن تودي بحياتي والأخرى ظننتُ أنها أودت بالفعل؛ لأجدهما دائمًا بجواري.
“صعبة هي الحياة، لا تنظر لمن ينكسر أمام صفعاتها بعين الاعتبار، قاسية هي أيضًا؛ ربما تحمل لك صفعةً أخرى لم تتوقعها، وربما تحتضنك يومًا ما، لكن الأهم هو أن تجدك واقفًا على قدمين ثابتتين كلما جاءت بصفعة أو حضن (انشف وما تبقاش خرع كدا)”.. تقول صديقتي الوحيدة مبررة “خُلق الإنسان في كبد”.
هي تحاول أن تخفف عنه قسوة مرض أصاب عزيزي.. بينما يثور صاحب الجسد الهزيل والوجه الشاحب ذو العشرين عامًا رافضًا “مش حقيقي الحياة اتخلقت بس عشان أستمتع بيها، ليه يحصل معايا كدا.. واشمعنى أنا”، يغادر وهو يشعر أن نهاية كل شيء تكتمل.
6 أعوام تمر على هذا النقاش، يتلقى الرجل الصغير صفعات أكثر وأحضانٍ ربما تفوق الصفعات مائة مرة، يخفق حينًا وينجح حينًا، لكنه لم يعد يتذمر -يتذمر قليلًا- “خُلق الإنسان في كبد” وهو لا يخاف المشقة، يواجه كل الأمور وهو يقف على قدمين ثابتتين؛ فهو تعلم ما قالته صديقته وما وجده في كتابات بورخيس، تعلم أن يتقبل هزائمه مع رأس مرفوع وعين مفتوحة بسمو امرأة، وليس بحزن طفل، وأن ينهض سريعًا لاستكمال رحلة وتحقيق هدف لن يقبل إلا بتحقيقه.
الكلام عمن نحبهم يكون صعبًا؛ ربما هنا فقط تعجز الكلمات عن التعبير عن أفكارنا ومشاعرنا، قد نلتزم الصمت و قد نتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة، لكن بإمكاني -على الأقل- أن أقول شكرًا لأن “الذين بلا أقدام حين تنظر إيهم بحب يصيرون بأجنحة”، كما يقول وديع سعادة.