همتك نعدل الكفة
113   مشاهدة  

في عيد ميلاد عمرو دياب … يا أنا يا لاء محدش تاني

عمرو دياب
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



في مشهد من فيلم “أيس كريم في جليم” يقف سيف “عمرو دياب” يغني مستندًا على عكازًا يتحايل به للظفر بفرصة أمام المستمعين، المضحك في المشهد أنه لم يكن يمتلك كلمات يكمل بها أغنية “بس انت تغني واحنا معاك”، يحاول صديقه الشاعر نور “أشرف عبد الباقي” تمرير بعض الكلمات لإنقاذ الموقف، يرد عليه سيف باستهجان “إيه،إيه،إيه” ثم يغني “يا معوقين الدنيا اتحدوا، الكون مشاع كان في البدايات” والتي رأي أنها متحذلقة وغريبة على أذنه ثم يرد عليه بنفس الاستهجان “والله ما أنا فاهم حاجة، نقطني يا بني شوية سكات”.

هذا المشهد الذي اعتبره البعض كوميديًا بالدرجة الأولى لكنه يحمل مع عدة مشاهد أخرى من الفيلم أفكارًا مهمة نحو طبيعة المشهد الغنائي وتغير الذوق العام، وهو ما أدركه بطل الفيلم أو عمرو مبكرًا ماذا يختار كي يغنيه ولمن يتوجه بالغناء من الأساس؟ الفيلم صدر في عام 1992 في وقت كان عمرو نجمًا لامعًا في مشهد الغناء المصري لكنه لم يكن النجم الأوحد في ظل تنوع المشهد المصري وان كان يسير وفق مفاهيم تجارية بحتة بعد سيطرة جيل جديد على الأغنية المصرية استطاع زحزحة جيل الوسط وأغنيته البديلة العميقة من عرش الغناء ودشنت ثورة غنائية شبابية كان بطلها الأهم هو عمرو دياب.

YouTube player

انا مش مألوف امبارح، لكن لـ الجاي مألوف

يحكي الموسيقار يحيى خليل عن موقفه من عمرو دياب عندما ذهب إليه مطلع الثمانينات في وقت كان خليل يعيش توهجًا فنيًا مع فرقته صحبة محمد منير، رفض خليل التعاون معه لأنه بحسب وجهة نظره لم يكن ناضجًا بالدرجة الكافية لتقديمه للوسط الغنائي ونصحه بالعودة إليه مرة أخرى بعد خمس أو ست سنوات، لم ييأس عمرو من الرفض وكرر المحاولة مع هاني شنودة الذي منحه نصيحة عمره بالذهاب إلى مركز النجومية والشهرة “القاهرة” ودراسة الموسيقى والأهم هو التخلص من اللكنة البورسعيدي التي قد تقضي عليه مبكرًا.

ظهر عمرو دياب لأول مرة واقفًا بجانب هاني شنودة الجالس أمام البيانو وغنى أولى أغنياته “الزمن” والتي كانت تسير على نفس موجة الأغنية البديلة بمضامينها الإنسانية البحتة، بعدها ظهر في حوار قصير مع المذيعة “فريال صالح” بدا فيه متوترًا يحاول تجميع أفكاره ثم أنقذ نفسه بأن أغنيته الجديدة “أحضان الجبل” موجهة إلى مصر في حيلة ذكية أخرجته من مأزق الحوار وسارت وفق هوى مذيعة تتحدث بلسان المشهد الرسمي المتمثل في الإذاعة والتليفزيون.

YouTube player

بعد ثلاث محاولات أولية في “يا طريق 83، غني من قلبك 85، هلا هلا 86” أدرك عمرو أن مسألة الاستمرار في محاكاة تجارب جيل الوسط لن تنفعه ولن تضعه في مكانة أكبر مما هو فيه، بدأ يحاول تغيير ملامح تجربته والتعبير عن نفسه في شريط “خالصين 87” والذي تعاون فيه مع الموزع “فتحي سلامة” المظلوم والمهدور حقه في تيار الأغنية الشبابية كونه صاحب الإرهاصات الأولى الناجحة في هذا المضمار، ثم بدأ دياب يضع ملامح واضحة للتجربة بداية من شريطه التالي “ميال” حيث كان بداية التعاون مع حميد الشاعري المنتشي بنجاحه الساحق منتصف نفس العام في “لولاكي”.

حقق عمرو دياب هدفه الأول في مرمى المشهد الغنائي بقنبلة “ميال” التي وزعها بالمناسبة “فتحي سلامة” وأدرك طريقه الذي مهده بنفسه ولنفسه فقط، وأثبت خطأ يحيى خليل في رؤيته وانه كان جدير بالمراهنة علي صوته والمغامرة معه أو كما تقول أغنيته “انا مش مألوف امبارح، لكن لـ الجاي مألوف”

YouTube player

 ما بلاش نتكلم في الماضي

مع بداية التسعينات خلع عمرو دياب ثوب الماضي وارتدى حلته الجديدة التي تتناسب مع إمكانياته،قرأ المشهد الغنائي جيدًا وأن الجمهور بدأ يلفظ نوعية الأغاني العميقة المركبة لصالح أغنية بسيطة سهلة الفهم والتناول يبحث فيها عما يسري عنه في ظل أحداث سياسية مربكة “حرب الخليج” أو داخلية مأساوية “زلزال 92”.

رغم النجاح الكبير الذي حققه عمرو بداية التسعينات إلا أن قمة المشهد الغنائي كانت مسطحة وتساع الكثيرين كان نجمًا  يواجه عدة نجوم أخرى تسطع في المشهد الغنائي يتفوق احيانًا وأحيان أخرى يتفوق الآخرين عليه لكن الأهم أنه كان يحمل أفكاره الخاصة جدًا لا يمل من التجريب ولا يخشى الفشل حتى مع تغيير “حميد الشاعري” رفيق النجاحات معه يجرب حظه مع حسام حسني في “حبيبي 92” وينجح في أن ينتج شكلًا مختلفًا عن أقرانه، يلجأ إلى طارق مدكور الذي يحقق نجاحات مع منافسيه “فؤاد، علاء عبد الخالق” فيصيب نفس النجاح ثم يعود إلى حميد الشاعري في “ويلوموني 94” وهي التجربة المظلومة في مسيرته الفنية حيث بدأ مع تجريب أشكال موسيقية جديدة مع الاهتمام بالمظهر الخارجي وشكل الغلاف وطريقة تصوير الأغنيات وهي المسالة التي سوف يبني عليها نجاحاته القادمة.

YouTube player

انا جوا دماغي حاجات هتغير وجه الكون

بحسب بعض تصريحات أطلقها المنتج “نصيف قزمان” صادف عمرو دياب فشلًا تجاريًا في شريطه “راجعين” وأن لم يكن فشلًا فنيًا، لكن على أي حال كان سببًا في تغيير وجهته نحو شركة “عالم الفن” التي كانت تبحث عن المنافسة في سوق البوب التجاري بأصوات شابة في ظل  اقتصار إنتاجها على مطربات ينتمين إلى جيل الأغنية الكلاسيكية مثل “وردة، ميادة الحناوي، نجاة”.

بدأت المسيرة مع شريط “نور العين” والذي كان الجسر الذي عبر به عمرو دياب نحو الخروج من أفق المحلية الضيق كي يحقق نجاحات خارجية ويسوق نفسه لجمهور آخر لا يتكلم العربية، حقق جائزة الميوزيك أورد كأكثر الألبومات مبيعًا في الشرق الأوسط لكن الأهم أنها كانت بداية تغيير شكل أغنية الـ Hit  في سوق الغناء.

بعد النجاح الضخم وغير المتوقع في نور العين ابتعد عمرو بالصدارة في مشهد الغناء عن بقية أقرانه، بدا وكأن يحلق  في منطقة مختلفة عن سوق الغناء يحاول فيها محاكاة المشهد الموسيقي المتسارع خارجيًا مدركًا أن الوقوف محلك سر لن يمنحه الريادة والتميز في ظل سوق غنائي ينتج لنا مطربًا كل ثانية ولا تحكمه قواعد ثابتة للنجاح لكنه كان يمتلك القواعد الواضحة لنجاحه هو والتي ستجنبه المنافسة مع غيره وحتى لو حقق غيره نجاحًا فلن يقترب منه وسيأتي خلفه.

YouTube player

الألفية الجديدة “أفهم أصول اللعبة و متبقاش غبي”

دائمًا ما أذكر أن مرحلة الألفية كانت بداية غربلة في المشهد الغنائي المصري الذي بدأ يتحول بشكل متسارع إلى الشكل الغربي في التناول الموسيقي وأن من يدرك هذا التسارع هو من سينقذ نفسه من تلك الغربلة التي كانت قاسية على أسماء كثيرة كانت لامعة في الثمانينات والتسعينات.

لم تشغل بال عمرو مسألة الجماهيرية الداخلية في مصر، لأنه مستمر في تحقيق نجاحات متتالية “عودوني 97“”قمرين 99” ثم النجاح الثالث المهم في تاريخه “تملي معاك 2000″، استمع جيدًا لنصائح منتجه “محسن جابر” الذي أنقذه من مشاكل ضخمة دخلها بنفسه مع الجيل القديم بعد سلسلة تصريحات تحدث فيها عن القطبين الأبرز في الغناء المصري “أم كلثوم وعبد الحليم حافظ” وأدرك أن أصول اللعبة تكمن في الاختفاء عن الجماهير وأن الظهور كثيرًا سوف يضره أكثر ما يفيده وأنه الرد يكون بالغناء والنجاح وتشويق الجمهور بشكل بوستر ألبومه الجديد ونوعية الموسيقى التي سوف يقدمها والأهم هو فهم طبيعة الجمهور والتعاون مع جيل جديد أصغر منه “عمرو مصطفى، محمد رحيم، خالد عز، فهد،هاني يعقوب” قادر على الوصول معه إلى أكبر قدر من المستمعين وهو ما لم يدركه أغلب جيل عمرو الذي وقف محلك سر ولم يفهم أصول اللعبة جيدًا.

YouTube player

أضواء نيون الأعلانات أنا

إقرأ أيضا
عيد الميلاد

مع نهاية العقد الأول من الألفية الجديدة تساقطت أوراق كثيرة من مشهد الغناء المصري وظل عمرو يغرد وحيدًا على القمة ودخل في منافسة معه جيل مطربين جدد”بهاء سلطان،تامر حسني،محمد حماقي، لؤي” اعترف اغلبهم لاحقًا أنه  كان ولازال الملهم لهم بقدرته على الاستمرارية في النجاح وتجديد تجربته بما يتناسب مع المشهد الغنائي الذي بدأ يخضع لأفكار عمرو دياب وكانه يقوده بنفسه ويوجهه حسبما يرى.

كانت تلك المرحلة مفصلية جدًا في مسيرة عمرو دياب، المختفي عن الأنظار في الحوارات والمقابلات التلفزيونية المستمر في الظهور موسميًا بألبوم جديد، أنتج لنفسه برنامجًا بعنوان “الحلم” وبدأ تتغير صورته من المطرب النجم إلى الأيقونة الفنية التي تمتلك مسيرة مهمة ملهمة للجيل الجديد، يغير من شركة الإنتاج ويوقع مع أكبر شركة إنتاج في الوطن العربي “روتانا” والتي جمدت أصوات مصرية كثيرًا لكنها لم تعامله بالمثل بل وقعت معه أكبر عقد في تاريخ اي مطرب مصري وهي تدرك أنه النجم الأكبر والأهم، لم يعد يعبأ بأي هجوم يطاله سواء بأنه ينتج فنًا تجاريًا مستهلكًا لا يعيش أو السخرية من مظهره على الغلاف.

مع ثورة يناير وتغير المشهد الموسيقي في مصر انصرف الجمهور عن أغنية البوب التقليدية وبدأت تجتاح الساحة فرق الأندرجراوند، صادف عمرو مشكلة ضخمة مع الصناع الذي كان يعتمد عليهم بعد تعنت شركة روتانا في تصاريح الأغاني واستثئارها بحق الأداء العلني وخرج بعضهم لمهاجمته علنًا لكنه لم يهتم بكل ذلك وقرر ان الطريقة الوحيدة هي الاستمرار في الإنتاج حتى لو مع جيل جديد أقل موهبة وهو ما منحه استمرارية في ظل ابتعاد الغالبية عن المشهد.

YouTube player

يا أنا يا لاء محدش تاني

يفتتح عمرو حفلاته الحالية بأغنية “يا أنا يا لاء” والتي تعبر كثيرًا عنه مثلما عبر سابقًا عن نفسه أنه “معدى الناس” وأن كانت أغنية عاطفية لكن من عنوانها تفصح أن عمرو دياب الإنسان يسخر كل شئ حوله في سبيل نجاح واستمرار عمرو دياب الفنان، حتى لو كلفه ذلك خسارة البعض انسانيًا او غضب جمهوره القديم من أعماله الجديدة التي لا تخلو من أي جديد فهو يعرف أن هذا الجمهور غارق حتى الثمالة في بحر النوستالجيا وأن أعماله الجديدة موجهة إلى جيل أخر يغير من نمط استماعه بشكل يومي ويتحكم في صناعة النجم، وفي نفس الوقت الحفاظ على صورة المطرب الأيقوني الذي لا يشيخ ابدًا يشع حيوية وشبابًا على المسرح ويتفاعل مع جمهور يصغره بأربعين عامًا على الأقل وأن الوقت الحالي ليس وقت ثورة موسيقية جديدة لان المشهد الغنائي العبثي لن يعترف بأي ثورة أو تجديد او الأمر بكل بساطة تفصح عنه بداية الأغنية “خلينا ننبسط” فهو الهدف وهو الغاية.

YouTube player

محمد منير وحكايات الغريب التائه في دائرة الرحلة

الكاتب

  • عمرو دياب محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
4
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان