رئيس مجلس الادارة: رشا الشامي
رئيس التحرير: أسامة الشاذلي

همتك معانا نعدل الكفة
302   مشاهدة  

قالت ضحى: تجاهل النُقاد دواخلي النفسية وحصروني في انهزامية يوليو

رواية قالت ضحى
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



يتسلل الكاتب والروائي بهاء الطاهر بنا إلى أعماقٍ بعيدة داخل روايته ” قالت ضحى” يأخذنا بسحر كلماته إلى مرحلة مختلفة، فقد أحسن الأستاذ استخدام لغة الراوي في روايته، غاص بنا في أعماق ذاته وكشف عن علاقته بمحبوبته المستحيلة، منحنا معرفة دقيقة لـ” ضحى” عن طريق  حكي الأحداث على لسان رَاوِيه مصحوبة بنزعات إنسانية ونفسية، وهو ما جعل الرواية حيّة تُشعرنا بصدق التجربة، و صدق الحكي .

الحية لا تموت 

نحن أمام عمل يحمل في طياته تأويلات عديدة،حصرها النُقاد في كون الرواية محاكاة أدبية عن ثورة 23 يوليو ، فكانت بمثابة التسجيل والتدوين عن خيبات الأمل التي أحاطت بالشباب حينها، عن طريق بعض شخصياته؛ كشخصية ” حاتم” الذي آمن بالثورة وبنى عليها الآمال ولكنها ماتت بداخله بعد أن عرف أن الحية لاتموت ـ مجرد رأس تُقطع ! ، والمعالجة هنا كانت حكيمة حينما أتت الحية برأس جديدة  وقتها قال البطل ” إنّ الحية لاتموت “.

لغة الرواية تُجبر النقاد على وضع العمل في خانة الروايات السياسية، فهي توضح كما ذكرتُ رؤية المجتمع  لثورة 23 يوليو تلك الرؤية التي انصدمت بالواقع المرير ؛ فما زالت الحيّة تُبدل رأسها وقتما تشاء مازالت الحياة الاجتماعية من السئ إلى الأسوأ عالج هذه الجزأية حينما عانى بطل الرواية ” سيد القناوي” من ظروف المعيشة فكان هدفه أن ينتهي من دراسته الجامعية والتي بنى عليها آمال تحقيق طموحاته الثقافية والاجتماعية ، لكن الظروف مرة ثانية تحُول دون ذلك في حين أن الباشا ” سلطان” ينافق ويحصل على ما يريد بأقل جهد  وهذا معادل موضوعي لما كان في عهد البشوات .

تلك هي الرؤية الظاهرة للعمل فماذا لو نظرنا إلى الرواية برؤية نافذة؛ رؤية الداخل بالنسبة للكاتب وشخصياته هل سنحصل على تحليل للعمل مخالف!،

زواج ضحى حاجز نفسي

فور ولوجك إلى عتبة النص يطرأ تساؤل مُلّح هل يمكنك أن تحب امرأة متزوجة؟!،  ثم الولوج إلى تساؤلات فرعية بوهيمية.. كيف تكون لذة العلاقة مع امرأة تُحب زوجها؟.. ثم ماذا عن العشق .. هل العلاقة الجسدية علاقة حسية  من أجل المتعة اللحظية،كما صورها ؟ تتبعنا مشاعر الراوي وحساسيته تجاه الحب عمومًا ، فزواج ضحى هو الحاجز النفسي  الذي يطلعنا عليه الروائي في مستهل الرواية فيقول: ” كان زوجها يظهر في الحديث دائمًا بعد كل جملتبن ربما لهذا السبب لم اعترف لنفسي أني أحبها” ، هو إذًا يحاور ذاته في مدى الاستجابة العاطفية الداخلية منه تجاه ضحى .

حساسة مبكرة تجاه الأنثى 

الناظر في حياة “بهاء الطاهر” يجد أن لديه حساسية تجاه الأنثى توارثها منذ طفولته المبكرة، توارثها منذ اللحظة التي كانت تشتكي فيها الأم لكتاكيتها ودجاجاتها فوق سطح البيت، منذ اللحظة  التي تعامل فيها والده بعنف مع والدته حتى في مرضها ومعاناتها مع زوجها بالطبع لصغر سنه لايعلم شيء لكن كان هذا إحساسه ، وهنا وبين شخصياته كان  أمام أمر محيّر هل يريد أن يمحو هذا العذاب الذي عاشته أمه عن طريق إسعاد امرأة أخرى ؟ فيقول في روايته صـ 85: “جربت من قبل في حياتي خيبة الأمل في الحب، أحببت فتاة لم تبادلني الحب، وعرفت أخريين تعثرت علاقتي بهما في منتصف الطريق، عرفت ذلك الألم، أن يشعر الانسان أنه مرفوض ومهان”.

 معاناة داخلية

يعبر بنا الراوي إلى أعماق ” ضحى” يتوغل في ذاكرتها وتجاربها المريرة وحساسيتها تجاه الرجل، ليشكل الروائي هنا ثنائية ضدية تعالج حياة البطل والبطلة  في الإجمال ، فكانت “ضحى” بالفعل تعاني من شيء ما داخلها، ففي رحلة روما معه كانت تشرب الخمر وتضحك، تتجرع الكأس  مرة واحدة مرات ومرات حتى بدأت شعيرات الدم الرفيعة تظهر في بياض عينيها، وارتفعت ضحكاتها ليقوم المحبوب المعذب بين ثنايا تفكيره ويأخذ منها الزجاجة وهنا بان أن “ضحى” تشرب لسبب ما في نفسها، تريد أن تنسي شيئًا ما يحدث في حياتها، أو شيئا ما حدث في حياتها، ليس مهما ما هو هذا الشيء، لكن المهم أنها تعاني، وهو في أعماقه ضد المعاناة ” قالت : لا أرجوك، لا تفعل هذا، دعني أشرب كما أشاء”.

تظهر مركبات العقد عند” ضحى” في لحظات عابرة، كان يريد منها أن تثق به، لكنها قالت بصراحة “آسفة جدًا، ولكني لا أستطيع أن أثق بالرجال” إطلاق عدم ثقتها بالرجال يشي بأن “ضحى” لها تجربة خيانة مع المقربين منها، ويكشف أيضًا أن الرجال بالنسبة لذاكرتها تمثل عدم الثقة، وفي قاع الشخصية تجربة مريرة، فمن الطبيعي أن لا تثق برجل أراد أن يتزوجها وهي متزوجة.

ثم تبوح ” ضحى ” له ببعض أسرارها عن الرجال فزوجها كان محبوبًا من كل البنات كان هو النجم، صورته دائمًا في الصحف هل تزوجته هي عن حب؟ تقول من كانت لا تستطيع أن تحبه.. هذا الجميل المشهور، لكنه فقط كان يريدها الزوجة التي يتباهى بها، وكانت له مغامراته وفسدت حياتها بسببه، حتى إنه كان يرغب أن يعرف أي نوع من الرجال زوجها وكان غبيا حين سألها عن ذلك بصراحة مما جعلها تتصلب وتقول ” في منتهى لرقة والحساسية، في منتهى الوسامة أيضًا.. ولكن مثل كل الناس الذين في منتهى الرقة فهو أيضًا في منتهى الأنانية عرف كيف يستغل قوته وضعفه”

خيوط ماء رفيعة تصعد من الأرض وتتوهج مع الشمس الغاربة ليطل شعاع آخر من الدفء قادر أن يُشكل علاقة عاطفية تكاد تكون مستحيلة يين رجل وامرأة بكل هذه التعقيدات النفسية  في الغربة؛  الغربة التي في أحيان كثيرة يمكنها أن تخفف من أشياء كثيرة على الأقل حدة المعاناة النفسية.

قبلات محمومة 

في هذا التوقيت الشاعري أمام النافورة والشمس وسحر الطبيعة أمسك بيد ضحى وأدارها نحوه وقبل شفتيها، لم تبادله القبلة، وحين تراجع هو غمغمت هي ” في هذا الغروب، في هذا المكان، لن أعاتبك، ولكن..”  تغيرت فجأة، لكنها شبت على قدميها وأعطته قبلة سريعة فوق جبينه، وكأنها تواسيه، هل هذا يؤكد أن كل ما يحدث ليس حبًا، وأنه من الاستحالة أن يحدث الحب بين هذين الشخصين؟ ربما شعر هو أنها تشفق عليه، وهذه الشفق قاتله.

كان هذا هو التوقيت المناسب لاعترافه بحبه لضحي، أن يصارحها وليكن ما يكون

ـ قلت أحببتك من وقت طويل

ـ فقالت أعرف

ـ فقال لم أتعمد شيئا ولكن أحببتك

ـ قالت دون أن تحول وجهها نحوي : أعرف، كنت أرى وأعرف هذا المساء فقط اعترفت لنفسي أني أنا أيضًا أحبك

إقرأ أيضا
حفصة بنت سيرين

فقط هذا المساء كان اعترافك يا ضحي، ماذا كان ما يحدث هناك وفي هذه اللحظة فقط التي اعترفت فيها، راحت تردد أنها سعيدة، سعيدة، وكان هذا ما يكفيها من العلاقة، كان ظاهرها أنها حزينة، وأنها لم تشعر بطعم السعادة من قبل على الرغم من كونها امرأة متزوجة من شخص حنون.

متعة الحب مستحيل 

كان حب ضحى واضحًا عليه؛ حتى إن صديقه “حاتم”  أخبره أنه سيغير رأيه في السفر عن طريق منحة العمل والتي رفضها من قبل؛ سيسافر لأن ضحى ستسافر “يا رجل أنا أعرفك كما أعرف نفسي، أنت غارق في حبها” وحاول أن ينكر كلام صديقه حاتم، لكن علامات الحب كان يراها حاتم بوضوح، والراوي نفسه لم يكن يلاحظ أنه مشدود لحبها بهذه الطريقة، كان في تلك الأثناء يفكر في النقل من العمل بسبب وجوده معها، هذا حب مستحيل حيرة أن أظل معها ساعات في مكتب واحد بمفردنا، لا أستطيع أن أصارحها، ولا أستطيع أن أمل في شيء ولا أن اعترف لأحد بهذا الحب غير المشروع والذي لا مهرب منه مع ذلك” كان يعرف أن هناك استحالة في هذه العلاقة، لكنه لم يكن يعرف كيف ينفك منها، كيف يتخلص من هذه العلاقة بالوصال أو بالقطيعة؟ إنه مستحيل وغير مشروع في ذات الوقت، كان هذا يرهقه ويجعله يسير في الطرقات بلا جدوي او هدف. ويظهر مدى تعلقه بها ذات يوم وأخته سعاد ترتدي فستانها الجديد قال لها ” لا يناسبك هذا اللون يا ضحى “ لقد أخطأ في اسم أخته، ودلل أنه مشغول حتى النخاع بضحى.

أحاديث نادرة 

فمن الأحاديث النادرة التي دارت بيها وبينه قالت “ليست الشجرة خضرة وظلا فقط وإن تكن خضرتها واحة لعينيك وقلبك في صحراء هذه الدنيا، الشجرة تناديك أن تصعد معها إلى أعلى، لا بعينيك وحدها، ولكن لتكون أنت السر الذي يصعد في جوفها فتورق فوق أغصانها وتحلق أنت أجنحة خضراء للسماء” رؤيا الاتحاد بالعالم والكون، أن يتم بين الشجرة والأنثى.

وبدأت ضحى تتغير، بعد الليلة التي قضاها معها، صارت شاحبة، وباسمة، تصافحه كأنها تتعرف عليه للمرة الأولى، ودودة وليست حميمة، لهجتها معه عادية، تتحدث إلى زميل، يهزها ويصرخ فيها ألسنا حبيبين؟ ألم تتفق على أن نتزوج؟ ويظل يهز كتفها لكنها تقول ” لا لسنا الآن حبيبين، كل شيء انتهى ويحسن أن تنساه، وأسالك ولكن لماذا؟ فتقولين باللهجة نفسها وأنت تمسكين ذراعي بيدك في رفق، أنت لا تسأل إنسانا  لماذا أحب ولا لماذا مات الحب، أليس كذلك؟” مات الحب كما بدأ، انتهت العلاقة المستحيلة نهاية مستحيلة، بدأت بدون أسباب وانتهت بدون أسباب، هكذا كما أرادت ضحى، لقد ظل يكتب لها خطابات أن تضمه وأن تعيد أشلاءه التي تمزقت، وإنه بحاجة إليها، وفي الصباح عندما ذهب إليها قالت من داخل غرفتها “ إن لم تنصرف سأستدعى لك موظف الاستقبال”  كانت حادة في نهاية العلاقة، بترتها بسهولة، ودون العودة مرة أخرى، لا تفكير في العودة لعلاقة قطعتها بأسبابها الخاصة.

أشلاء العشق الممزق بين حبيبين تمنينا كقراء أن نجمعة كما فعلت “إيزيس” لكن الاستحالة كانت حتمية لهذا الحب المستحيل الغير مشروع.

 

الكاتب

  • قالت ضحى مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان