همتك نعدل الكفة
664   مشاهدة  

قبر منسيّ

محمد بن يوسف التتائي
  • مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



تحتضن مصر أشهر القطع والمعالم الأثرية في العالم، في جوفها آثار مهيبة وفي ظاهرها تحف فنية عديدة، ووراء كل معلم قصة وحكاية، وقصتنا عن معلم ومقام منسي لقاضي قضاة مصر في العصر المملوكي الإمام المالكي محمد بن شمس الدين التتائي.

البحث عن مقام الإمام

إنها السابعة صباحًا حيث تدب الحركة الرتيبة في شوارع السيدة زينب أحد الأحياء الشعبية الواقعة جنوب العاصمة المصرية القاهرة، يستيقظ النائمون سعيًا لكسرة عيش، فالكل يهرول صوب العمل قبل حر النهار الممض.

مضينا دون هدى صوب شارع القادرية الممتد من السيدة زينب ويصل إلى مسجد الإمام الشافعي،  هذا الشارع الذي يقع فيه المقام لا نعرف أي شيء فيه سوى اسمه، نقطع طريق معطر بعبق الآثار الدينية من الجانبين يغشنا إحساس الفضول فيما كنّ نواصل رحلة البحث عن المقام الغامض.

وفي الطريق يجلس بعضًا من الشباب على مقهى  شعبي في منطقة عرب قريش المتفرع من شارع القادرية، ألقينا السلام وقمنا بسؤالهم عن مقبرة الشيخ محمد التتائي، إلا أن عدم المعرفة واستغراب ذلك الاسم هو المرتسم على وجوههم، حينها اقترح أحدهم أن ننتظر بعضًا من الوقت لينادي العم “حسين” كبير المنطقة والأدرى بآثارها .

تهادى العم حسين في مشيته وقد اشتعل رأسه بالشيب، وحفر وجهه تجاعيد تشكو قسوة الزمن والظروف عليه، فكل خط من خطوط الزمن على وجهه تحكي قصة عصيبة مر بها، ورغم ذلك شقت ابتسامه طيبة وجهه ملئتنا حياة.

صاحبنا العم” حسين” في جولة قصيرة يحكي لنا عن آثار تلك المنطقة،  التي يسكنها منذ ما يقرب من السبعين عاما، فأخذنا إلى مجموعة من المقامات منها مقبرة الروزمانجي حاكم اليمن، ثم تحول جزء من هذا المرقد إلى أكشاك صغيرة للباعة، وهذه المعلومة في ذاكرة العوام الشعبية ليست دقيقة.

قبر الوزمانجي
قبر الروزمانجي

ثم انطلقنا بضع مترات إلى مقام ومسجد سيدي عدي من سلالة زين العابدين بن علي وهو أحد تلاميذ القطب الصوفي عبد القادر الجيلاني، إلا أن هناك خلاف قد حصل   بين بعض أفراد المنطقة، فمهنم من يقول سيدي عدي ومنهم من يقول سيدي عِلَي، وجاء القول الفصل من العم أحمد”حلاق المنطقة” قال إن هذا المسجد يرجع إلى زين الدين بن يوسف الشهير بسيدي عدي ثم حرف حرف الدال إلى اللام وأصبح سيدي عِلي بكسر العين، و كان البناء عبارة عن حجرة مربعة يغطيها قبة مفصصة، ويحيط بسور قصير الارتفاع كان يضم فيما قبل مجموعة من المباني.

ثم أكملنا مع الحلاق الحكيم حكاية سيدي عِلي هذا وقال إنه خادم الإمام المالكي الشيخ محمد بن شمس الدين التتائي الذي نبحث عن مرقده ، وله أتباع كُثر يُقيمون احتفالًا بمولده فبحسب مريديه وهو منهم أنه شيخ الطريقة القادرية في مصر.

مسجد الشيخ علي
مسجد الشيخ علي

ويروي تفاصيل الحضرة الصوفية التي يصنعها هو وأتباعه يوم الأربعاء من كل أسبوع في زاوية سيدي علي ابتهاجًا به إلا أن انتشار فيروس كورونا منع تلك الحضرة وأصبح مقتصرًا على مولده الذي يحتفلون به الخميس الأول من شهر شعبان سنويًا.

ورغم أن الكثير من كلام الحلاق الحكيم صحيح لكن هناك بعض اللبس التاريخي والتضارب في الذاكرة الشعبية؛ فزين الدين بن يوسف مستحيل أن يلتقي بالشيخ عبد القادر الجيلاني ذلك أن وفاة الأخير كان عام 561هـ أما ميلاد زين الدين بن يوسف فكان عام 725هـ أي بعد وفاة عبد القادر الجيلاني بقرنين من الزمان.

ثم كونه خادمًا للتائي ففيه لبس كذلك فوفاة الإمام المالكي كان سنة 942 هـ فيما عدا ذلك اللبس والتضارب فالمعلومات صحيحة.

ضريح الشيخ محمد

وجهنا الحلاق الحكيم ناحية قبر الإمام المالكي شمس الدين محمد بن التتائي، لكن تاه الطريق بنا، فقمنا بسؤال أحد المارة أين مرقد الشيخ محمد ؟!، فأشار إلينا بمكان ما قال هذا هو ضريح الشيخ محمد.

محمد بن يوسف التتائي
مقام الشيخ محمد الحناوي

اقتربنا من الضريح فوجدناه مغطى بمادة تشبه الطين، الذي اكتشفنا فيما بعد أنها حناء، وقال أحد المتبركين بهذا الضريح أن أتباع الشيخ هم من يصنعون الحناء بحيث لا تجف طوال العام، وهي أحدى سبل التبرك والتقرب من الشيخ .

قبر الإمام بين أكوام القمامة

إقرأ أيضا
رواية السلطان

عدنا مرة أخرى بضع مترات بعدما اكتشفنا أن هذا ليس مرقد الامام التتائي، بحثنا كثيرًا عن هذا المكان إلا أن وجدناه خلف السيارات وأكوام القمامة على أحد الأرصفة بشارع القادرية .

قبر الشيخ التتائي
قبر الشيخ التتائي

وقفنا أمامه طويلًا نحاول أن نستجمع أي شيء ينفي أن هذا مرقد شيخ المالكية وقاضي قضاة الديار المصرية بين تلك الأكوام من القمامة، دققنا في الاسم المدون على القبر وكان بالفعل هو، وملايين الأسئلة تدور في أذهاننا أليس هذا من ترك القضاء ليسطر العلم بدقة؟، أيكون مصير قبره المنسي بين أكوام القمامة؟.

محمد بن يوسف التتائي
قبر الشيخ محمد التتائي

طرقنا المنزل الواقع على عتبه قبر الشيخ، طلّ علينا رجل أربعيني أسمر البشرة طويل بعض الشيء .. نحيل، للوهلة الأولى تخيلنا وجهه حينما نقول له أين تكملة باقي القبر الذي يقع على رصيف منزلكم ، لكن ما كان يفكر فيه العقل نطقه اللسان، وعكس ما توقعنا كان الرجل هادئًا وقال أن هذا القبر لانعرف عنه شيء حتى أنه كان مخفي بين السيارات وبين القمامة.

واستكمل أنه لا يعرف كيف بُني هذا المنزل خلف القبر فلا يفصل بينهما شيء، لكن حينما أدركت لم اسمع أحد يتحدث عن ذلك المرقد، وفي ظني أنه كان هناك جزء آخر للقبر داخل المنزل، فالدنيا كانت  زمان :”حي حي حي”؛ يقصد أن الناس كانوا طيبين بالفترة يهتمون بهذه المقامات ويحفظونها حتى لو داخل بيوتهم.

قاضي الديار المصرية وشيخ الأئمة المالكية

قبر الشيخ محمد بن شمس الدين التتائي صاحب كتاب “في الفرائض والحساب والميقات، و كتاب شرح على الرسالة والشامل، وكتاب حاشية على شرح المحلى على جمع الجوامع القرطبية، وكتاب ألفية العراقي، وكتاب مقدمة ابن رشد، وكتاب شرح إرشاد ابن عسكر والجلاب، وكتاب شرح على ابن الحاجب الفرعي، و كتاب خطط السداد والرشد بشرح نظم مقدمة ابن رشد، والكثير من الكتب كان مرقده بين أكوام القمامة لا يعرف عنه شيء حتى سكان المنطقة، فماذا عنك هل تعرف من هو الشيخ محمد بن شمس الدين التتائي.

الكاتب

  • محمد بن يوسف التتائي مي محمد المرسي

    مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
2
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان