همتك نعدل الكفة
909   مشاهدة  

قبلة كيرة

كيرة


أظن أن شرط الانسجام في أفلام التسلية هو تعطيل التفكير الزائد. هكذا قررت عندما دخلت قاعة السينما المزدحمة لمشاهدة فيلم “كيرة والجن”، وحرصت عل شراء علبة فيشار كبيرة وكولا، كي استكمل طقوس الفرجة الممتعة، وسخفت من نفسي عندما انزعجت بشدة من الخطأ الإملائي في إهداء مروان حامد الفيلم لوالده وحيد حامد الذي “يتنفس كلماته”، بالتاء المربوطة بدلا من الهاء، رغم أن ذلك الإهداء على شريط سينمائي جماهيري سيشرعن ذلك الخطأ الشائع في الأساس.

الجمهور أمام دور العرض - أفيش فيلم كيرة والجن
الجمهور أمام دور العرض – أفيش فيلم كيرة والجن

كان هناك شيء أهم يحدث، القاعة المزدحمة بشكل غير مسبوق، عائلات من مختلف الفئات العمرية، هذا يدعم صناعة أحبها ويعني وعدا بتقديم أفلام بتقنية أفضل وكلفة إنتاجية أكبر، دون الخوف من الفشل الجماهيري، ويذكرني أن السينما في الأساس عندما اخترعت، كان هدفها أن تقدم للناس حلما بديلا على الشاشة لحيواتهم المنهكة وواقعهم المحدود، إزاحة تعب يومي، إيقاف عجلة التفكير، قبل أن يعودوا إلى دوامة الشقاء اليومي الإجبارية خارج القاعة، لا يمكن لي أن أزايد على هذا، فأنا أيضا أحتاج إلى سينما من هذا النوع، أنا أيضا متعب ومنهك، وفي حاجة إلى حلم وفي حاجة كالآخرين لتعطيل مؤقت للدوامة الإجبارية، وإن كنت أبحث عن توسيع رؤيتي للعالم عن طريق سينما من نوع آخر، فمكان تلك الحاجة ليس في تلك القاعة، لكن ذلك لا يمنعني من الأسى على ذلك العشم الضئيل الضائع والفردي، أن مروان حامد كان ينتمي لسلالة أخرى، الأفلام ذات الرؤية قبل الحرفة، والتي لا يتعارض فيها طموحه التقني مع الرؤية، أشعر على الأقل أن ارتباطه بروايات وسيناريوهات أحمد مراد، هو لأنها السيناريوهات الوحيدة التي تتيح له اللعب بما يسمح بتطوير التقنية.

وربما لهذا وبمنتهى الأريحية عطلت الانتباه وابتلعت تناقض أن تنفذ المعارك والمطاردات التي تشبه معارك المافيا في أفلام هوليود وأساليب القتال الآسيوية في فيلم من المفترض أنه يدور في عام 1919 في مصر.

كيرة والجن

كنت منسجما تماما بعلبة الفشار الكبيرة والكولا، مستسلما بكامل تعبي لإزاحة هذا التعب، لولا تلك القبلة، التي باغتت بها رزان جمال كريم عبد العزيز “كيرة”، لقد شعرت بتلك الكهرباء تسري في القاعة كلها، لحظات خاطفة، سرت فيها الهمهمات وتقلبات الأجساد في المقاعد، وبطفولية لا أظنها باتت تحدث كثيرا في السينما صفق بضعة أشخاص بشيء من الخجل والتردد، وعلى صوت ينهرهم: بتصقفوا على إيه؟ لكن ذلك الصوت كان بدوره مرتبكا وضعيفا، لقد كان مثلنا مباغتا.

القبلة السينمائية هي الشيء الذي قررت السينما المصرية منذ موجة الكوميديا الجديدة أن تلغيه، ورغم أنهم وضعوا لذلك شعارا أخلاقيا: السينما النظيفة، إلا أن المسألة لم يكن لها أي علاقة بالأخلاق، بل بالمال بعد أن لاحظ المنتجون أن أفلامهم تدخلها العائلات فتدر أرباحا أكبر، لكن بدلا من الاعتراف بشيء طبيعي بأن أفلامهم موجهة للعائلات لذا تراعي شروطا معينة، قرروا عبر لصق الشعار الأخلاقي أن ذلك سيكون وحده المصير النهائي للسينما، بل شكلها المثالي الأفضل وهو أمر قد ترجم إلى تذاكر شباك العائلات، لكنه لن يترجم أبدا إلى اعتراف بفن السينما الذي يرى رافضي القبلة، أن هذا الفن بأكمله حرام والممثلين “حبة هلاسين وأراجوزات”.

أفيش أصحاب ولا أعز
أفيش أصحاب ولا أعز

يحضر في الذهن حملات الهجوم الشرسة على منى زكي وزوجها أحمد حلمي بسبب فيلم أصحاب ولا أعز، رغم أن الفيلم إنتاج غير مصري عرض على منصة نيتفليكس، يحضر في الذهن تبرؤ الممثلين أنفسهم من مشاهد القبلات بسبب العار الذي يلحقه بهم جمهورهم.

اقرأ أيضًا 
كيرة والجن .. فيلم تافه يرتدي قناعا مهما

إقرأ أيضا
فاكراني بحبها

لذا ما فعله مروان حامد على بساطته جريء، بل وأظن أنه مقصود في فيلم اجتذب العائلات، فالطريقة التي نفذ بها قبلة إيميلي لكيرة، هي المباغتة والبراءة، مباغتة الممثل والجمهور معا، شيء لا يمكنهم لومه بعنف، منعش ومربك بما يكفي ليمر رغما عنهم، وقد أحبوه وكرهوه في آن لكن دون قدرة على إدانته أو الدفاع عنه، لقد حدث وانتهى الأمر. ليذكرني ما لم ينسه مروان حامد بشيء بسيط وهام، القبلة هي روح السينما، الشيء المشترك بين سينما التسلية وسينما الفرجة، تقليد غائب، وفي غيابه فقدت السينما روحها، لأن ما أن يسيطر وعي الرقيب على الصانع في أبسط الأشياء حتى ينتج فنا أعرج، أما عندما يصير ذلك الرقيب ممثلا في ملايين الجماهير، فذلك أمر يدعو للرعب، تحية لقبلة كيرة ولمروان حامد، وللأيادي القليلة التي صفقت للقبلة.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان