قصة الإسلام اللي كسب القضية السُنة.. حصن العروبة (08)
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
مقدمة
خلال الحلقات السابقة عرفنا أن الفُرس كانوا المنافس الأقرب جغرافيًا للعرب، وبعد انتصار العرب.. أسلم الفرس بأعداد كبيرة فشكلوا أكبر تهديد لعروبة الأمبراطورية الإسلامية. فمن المفترض إن “دولة الإسلام” ملك المسلمين كافة لكن مشروع الأمبراطورية كان دولة عربية بقيادة قرشية، حسب ما حدد أبو بكر في سقيفة بني ساعدة.
أصبح الفرس بإسلامهم كتلة ضخمة تناطح العرب عددًا وطبعًا تفوقهم تحضر بمراحل، فدار بيهم واحد من أطول صراعات البشرية.. صراع شغال لحد دلوقتي بأشكال ومسميات جديدة أكتسبها عبر رحلة التطور من صراع عسكري بين دولة عرب فتية ودولة فرس عجوزة فبقى (صراع سني-شيعي) أو (صراع خليجي-إيراني).
تسييس الحديث
أهمية الأحاديث سياسيًا ظهرت -زي ما قلنا- وقت حسم الخلاف للقرشيين وحدهم لا شريك لهم، وطول الوقت بتكون لصالح المعسكر العروبي، ومن وقتها فضلت تتضخم لحد ما وصلنا النهارده أن معسكر “أهل السنة والجماعة” أو “أتباع بني أمية” أو “شيعة معاوية” أصبح عندهم كهنوت يُعّْلِي من شأن الحديث في مواجهة الآية، على عكس علم المنطق أو حتى علم الفقه.
تحول الصراع العربي الفارسي إلى صراع سني-شيعي
المواجهات خدت الشكل الأثني (عرب-فرس) من بدري، بعض أهل السنة يرجعوها لمقتل عمر بن الخطاب على أيد أبو لؤلؤة وأخرين يرجعوها لرواية جواز الحسين بن علي من شهربانو بنت أخر ملوك الفرس، اللي خلفت زين العابدين بن علي.. رابع أئمة الشيعة وعلى أي إمام أن يرجع لنسبه “طبقًا للمذهب الشيعي”.
يختلف المؤرخين الإسلاميين حول صحة جواز الحسين من بنت ملك الفرس، بالتالي حوالين هل تبقى هي أم زين العابدين ولا لأ. هنا أنا مش معني بتدقيق النسب أو حسم صحة الجوازة من عدمها، إنما ما يهمني أن القصة موجودة وتعد حقيقة مطلقة عند المعسكر الشيعي/العلوي اللي حصر الإمامة في نسل الحسين، وعليها خلاف عند المعسكر السني/الأموي.. بس في الحالتين بيتم التعامل على أساسها.
بوجود النسب ده أو اختلاقه يصبح المذهب الشيعي مدخل/بوابة الفرس لاستعادة مجدهم وإن كان تحت مظلة الإسلام، والمعسكر المنافس مايكفهوش إنكار النسب إنما يلزمه نصوص شرعية تؤكد شرعية حكمه، وبما أن القرآن مابيقدمش النوع ده من الخدمات بشكل قاطع.. والتفاسير ما هي إلا فهم بشر يتحط قصاده فهم بشر تانيين عادي، فكان الحل في الأحاديث/السُنة.
انتشر في العصر الأموي تمييز العرب على غير العرب حتى لو مسلمين (رشوى مجتمعة) والتعامل بمنتهى العنف مع أي معارض أو متعاطف أو حتى مكبر دماغه من الصراع (ترهيب) وتعريب الدواوين (تمكين إداري) والاهتمام بجمع الأحاديث والروايات (تأصيل شرعي). يُذكر أن ابن شهاب الزهري “أول من دون السُنة” بدء التدوين بأمر أو إلحاح من الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك.
تدريجيًا وعبر سنين تم انتقاء روايات بعينها للأحاديث واعتمادها جماهيريًا للآسباب السياسية المذكورة وتطوراتها، نقدر ناخد حديث الثقلين الوارد في حجة الوداع كنموذج لعملية الانتقاء. فالغالبيتنا حافظ جملة: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا.. كتاب الله وسُنتي”.
بس الملفت أن الحديث ده مش موجود من أساسه عند البخاري وموجود عند مسلم من غير “وسُنتي” وعند أبو داوود برضك مافيش “سُنتي”.. وبشكل عام أغلب الروايات اللي فيها لفظ “سُنتي” تم تضعيفها بشكل أو بآخر، ورغم كده هي الأكتر شيوعًا واستخدامًا حتى من أهل العلم المفترض فيهم معرفة مدى خلافية اللفظ ده.
النهي عن كتابة الحديث
أطرف ما في موضوع الأحاديث أن واحد من الأحاديث المنسوبة للنبي فيه أمر منه بعدم تدوين الأحاديث، “لا تَكْتُبُوا عَنِّي، ومَن كَتَبَ عَنِّي غيرَ القُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ، وحَدِّثُوا عَنِّي، ولا حَرَجَ، ومَن كَذَبَ عَلَيَّ، مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ” رواه مسلم.
بشكل شخصي أميل لتصديق الحديث ده، لأن صياغته تتماشى مع موقف أبو بكر في استخدامه للحديث كحُجة على حصر الولاية في قريش لكن في نفس الوقت رفض تدوين الأحاديث ويقال إنه حرق بعض ما تم تدوينه. ففي كتاب حجية خبر الآحاد في العقائد والأحكام أورد الباحث عبد الله بن عبد الرحمن الشريف رواية على لسان السيدة عائشة أن أبوها “أبو بكر الصديق” حرق حوالي خُمسميت حديث بعد جمعهم.
أما عمر بن الخطاب فنسب له زيادة على حرق الأحاديث إنه أتخذ موقف رسمي ضد الرواة من أمثال أبو هريرة وابن مسعود وأبو الدرداء، فحسب ما ورد في تذكرة الحفاظ للإمام الذهبي قام عمر بن الخطاب بسجن التلاتة عشان يبطلوا يرووا أحاديث عن النبي.
التعمق في تدوين الروايات المنسوبة للصحابة والتابعين
تدريجيًا توسع المعسكرين في تجميع الأحاديث المنسوبة للنبي بشكل انتقائي ملفت للنظر، فنلاقي عند شيعة معاوية فرس الرهان هو أبو هريرة اللي روى أكتر من خمستلاف حديث يعني، رغم إنه اسلم قبل وفاة النبي بحوالي 4 سنين فقط.
والأعجب أن ابن حجر العسقلاني في “فتح الباري لشرح صحيح البخاري” أورد رواية تقول أن السيدة عائشة هاجمت أبو هريرة وأتهمته بأختلاق الأحاديث فرد عليها إنها كانت مشغولة عن النبي بالزينة في حين هو كان متفرغ، رغم كده يبقى الطرفين من أهم مصادر الحديث/السُنة.
أما عند شيعة علي فغالبية الأحاديث مصدرها آل بيت النبي، بس مع استبعاد السيدة عائشة.
مع الوقت توسعت عملية النقل والتدوين وبقت مش بس عن النبي إنما عن الصحابة ثم التابعين، وطبعًا كل معسكر بيختار الصحابة والتابعين اللي على مزاجه، ثم ظهر ما يعرف باسم “علم الرجال”.. وده بقى موضوع عظيم جدًا، نقدر نقول “باختصار مُخل” ده سند لتحديد الأشخاص اللي يأخذ عنهم الروايات والقصص والأحاديث، وأي حاجة تتقال من “الرجال” دول تبقى صح مهما كانت عبثية.. وأي كلام غير صادر عن “الرجال” دول يبقى
غلط مهما كان منطقي أو مفيد أو.. أو.
https:/www.youtube.com/watch?v=fBX9_J3WW5w%20
عبادة التاريخ
أهمية السُنة “الأحاديث والروايات” إنها بتسحب القدسية على التاريخ، فيبقى مش القرآن بس هو المقدس فينفع أي إنسان/مسلم يقراه ويتدبر فيه ويفهمه بمعرفته/طبقًا لآليات ثقافته وعصره.. لأ لو ناوي تسلم “على المذهب السُني” لازم تاخد العروبة فوق البيعة، لغة وتاريخ وأساطير وهوية. أما لو ناوي تسلم “على المذهب الشيعي” يبقى تاخد أقاويل آل البيت وأحفاد أحفادهم بكل ما تحمل من آراء وارد إنها تخالف العلم والعقل والمنطق.
المهم أنك في الحالتين ماعدش ينفع تبقى مسلم وخلاص.. لازم تستلم مع القرآن صك الانتماء لطرف من طرفين صراع تاريخي بين العرب والفرس، لأن مواقف حياتية عملها أبو بكر أو علي أو غيرهم من الصحابة أو حتى أحفادهم بقت جزء لا يتجزء من الإسلام في نسخته الحالية.. النسخة اللي كسبت القضية.
الخلاصة
بسبب الصراع العربي-الفارسي وتطوراته أصبح على المسلم/السُني زي ما بيؤمن بدقة الوحي المنزل من الله على نبيه؛ يؤمن كمان “وبنفس القدر” بقوة ذاكرة أبو هريرة وكل من سمع منه عبر أكتر من قرن لغاية ما تم تدوين الأحاديث.
وعلى السلم/الشيعي زي ما بيؤمن بدقة الوحي المنزل من الله على نبيه.. يؤمن كمان بصحة النصوص المنسوبة لآل البيت مهما كان مكتوب فيها.
ختام
شكرًا على استحمال طول الرحلة، وأتمناها كانت ممتعة ومفيدة.. وإلى اللقاء في مواضيع جديدة.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال