قصة الإسلام اللي كسب القضية…(03) هزيمة العقل
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
الحلقتين اللي فاتوا خدنا فكرة عن نسخة الإسلام اللي كسبت القضية، كمان وضحنا أن الإسلام له نسخ متنوعة؟، هنحاول الحلقة دي نتعرف على نشأتها.
ضريبة التوسع
مع خروج الإسلام بره ديار العرب وانتشاره في بلاد الشرقين، الأوسط والأدنى، حصل تداخل ثقافي.. فحرارة شموس حضارات المنطقة نورها لسه في الأفق، صحيح كانت في طريقها للغروب؛ لكن التأثيرات الثقافية مابتنتهيش فجأة بجرة قلم أو ضربة سيف.
التوسع العربي-الإسلامي كان سريع، وتزامن مع صراع ع السلطة كان بداية إنشقاق المسلمين إلى فريقين (“شيعة علي” – “شيعة معاوية”)، ووصل مع الوقت إلى تكوين معسكرين/مذهبين كل واحد فيهم بيكفر التاني، ما يعرف الآن باسم (الصراع السُني-الشيعي).
التوسع الجغرافي السريع مع الربط البديهي بين الدخول في الإسلام والأمان المجتمعي، كمان رهن التدرج الوظيفي والاجتماعي بإتقان العربية.. خاصة بعد قرار عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين في كافة ولايات الدولة، كلها أسباب أدت لدخول كتير من غير العرب في الإسلام.. ثم سهل عليهم مُنجز أبو الأسود الدؤلي ومَن تلاه مِن تنقيط الحروف وتشكيلها الإلمام باللغة العربية.
تدريجيًا تزايد عدد المسلمين من غير العرب، كمان تم تهميش منطقة الحجاز لصالح العاصمة الجديدة في الشام، دمشق، طبعًا كان الفقهاء وكبار رجال الدين من أهل مكة والمدينة.. لكن التلاميذ كانوا من عموم المسلمين، باختصار أصبح الإسلام يعرض على بشر مختلفة عن تلك التي احتاجت آية من فوق سبع سماوات عشان توسع لبعضها: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ…” (11 – المجادلة).
العقل V.S النقل
عشان ماندخلش في فرعيات متشابكة ونفعص في تفاصيل فقهية وعقائدية بتشوك جامد، هاحاول أشرح طبيعة الخلافات اللي ظهرت بشكل مجرد. مع الوقت وصلنا لزمن نشأ فيه المسلمين من غير العرب على اللغة العربية مش أتعلموها على كبر، وأصبح فيه عقول مسلمة قادرة على إنتاج أسئلة “لاهوتية” و”وجودية” حول ماهية الله وغاية الخلق وجدوى الوجود.. إلخ.
بناء على طبيعة الأسئلة ظهرت أجوبة متعددة كلها “مجبرة” تنطلق من القرآن.. فاتفقوا ع الكتاب واختلفوا على طريقة فهمه والتعامل معاه. البعض اختار إعمال العقل والتفكير والبعض اختار يفهمه بشكل حرفي. وكما هو معتاد كل فريق بقى يجر الأخر لطرف الخيط، وخلونا ناخد أمثلة مبسطة مع مراعاة أن الأمر لاهوتي فلسفي شائك. (وهسميهم الرمزيين والحرفيين من باب الابتعاد عن التورط مع طرف فيهم ضد الأخر).
مثال:
حصل خلاف على فهم آية 10 – سورة الفتح: “إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا”.
الرمزيين قالوا أن تعبير “يد الله” في الآية مجازي يرمز للمباركة، زي لما حد يواسي التاني فيقول له: “قلبي عندك”، فالتاني مابيكونش عنده أي تصور أن قلب صديقه بقى عنده في النملية، واستندوا في تفكيرهم على جملة “لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ” الواردة في آية 11 من سورة الشورى.
فالحرفيين هاجوا وماجوا وهاجموهم بمد خيط الرمزية لأخره.. وزنقوهم في مناطق من نوعية: “على كده بقى يبقى يوم الحشر والعذاب والنعيم كلها رمزيات، ماذا بقى من إسلامنا”. واستندوا في كلامهم لتأويلات/فهم المسلمين الأوائل.
الحرفيين فهموا أن لله يد فعلًا واتحطت على أيد المبايعين، حسوا بيها أو ماحسوش ده موضوع تاني.. الأيد دي زي أيد البشر أو لأ برضك مش مهم، المهم إنه فعلًا له يد زي ما الكتاب بيقول.
الرمزيين ماسكتوش وهاجموهم بشدة، وهمه كمان زنقوهم في جُمل وتعبيرات لو خدناها بالنص يبقى الله شبيه بالبشر.. له أعضاء، وبكده هيبقى مُركب من عدة مكونات بالتالي “فلسفيًا” يجوز تفكيكه وكمان لابد له من صانع.. وليلة كبيرة وشديدة الحساسية مايخصنيش منها هنا تبني رأي عن التاني إنما فقط الإشارة للأزمة وحجمها وحساسيتها.
وهي نقطة خلافية حتى الآن بين الفريقين المتنازعين على أمتلاك يافطة “أهل السنة والجماعة” (السلفيين والأشاعرة/الأزهر).. الصراع اللي أتعرفنا عليه في الحلقة التانية.
الضربة القاضية
الضربة القاضية للصراع ده كانت على أيد “حُجّْة الإسلام” الإمام أبو حامد الغزالي، صاحب تهافت الفلاسفة، اللي قدر خلال حياته يعمل 3 حاجات من شبه المستحيل أن يجمع بينها شخص:
هزم الشيعة ورسخ لعروبة الإسلام، في كتابه “فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية“.. واللي استحق عن جدارة اسم الشهرة “الشيعة.. عجم ملحدون؟ أم عرب موحدون؟”.
هزم مدرسة العقل ورسخ لمنهجية تقديم النقل على العقل.
أكتسب عداوة بعض السلفيين “المرتكزين على انتصاراته الفكرية” بسبب الأحاديث.
الغزالي قصة كبيرة لدرجة إن النقاد والمفكرين بيعتبروا إنه أنتصر على ابن رشد.. وهم مُحقين، بس ده أدى أن غير المُلمين بالتاريخ بيظنوا أن الأتنين تناظروا وجهًا لوجه.. رغم أن ابن رشد أتولد بعد حوالي 15 سنة من وفاة الغزالي، ولما وضع كتابه تهافت التهافت للرد على “تهافت الفلاسفة”.. كان بيرد على أفكار مُجردة صاحبها شبع موت. هزيمة بن رشد الساحقة، بنفيه وحرق كتبه، قصاد أفكار الغزالي كان له تأثير سلبي ضخم على المسلمين وحتى على الإسلام نفسه… وده الموضوع اللي هاحاول أوجزه الحلقة الجاية.
إقرأ أيضاً
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال