قصة طرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر “هل جاء قرار الفصل بسبب أكل البسطرما ؟”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بقيت قصة طرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر وفصله الدراسي منه مادة تثير شهية الكُتَّاب، والذين اتفقوا على أن طرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر نهائيًا كان بسبب أكل البسطرمة، وهي القصة التي نُشِرَت في مواقع صحفية كثيرة.(1)
زكريا أحمد والأزهر .. رؤية نقدية لقصة الطرد الشهيرة
تقول القصة المشهورة أن الشيخ زكريا أحمد كان يعتاد الجلوس على مقهى التجارة بالزي الأزهري مع أهل الفن، ووصل الخبر إلى علماء الأزهر، فقرروا تشكيل لجنة من المشايخ لضبطه متلبسًا بـ 3 جرائم هي مخالطة أهل الفن والجلوس على مقهى بالزي الأزهري، وأكل البسطرمة، ليتقرر فصله.
مرجع تلك القصة التي تناولتها المواقع هو الشاعر والكاتب صالح جودت والذي حكاها في مقال عن الشيخ زكريا أحمد عام 1963م عبر مجلة الكواكب. (2)
وكان المرجع الذي اعتمد عليه الشاعر صالح جودت هو الكاتب صبري أبو المجد في كتابه عن الشيخ زكريا أحمد ضمن سلسلة أعلام العرب.(3)
إشكالية ما ذكره صالح جودت وصبري أبو المجد أنهما لم يذكرا هل جاءت تلك القصة على لسان زكريا أحمد لهما، خاصةً وأنهما كانا صديقين له، فقد عرف صالح جودت الشيخ زكريا أحمد عام 1936م، بينما بدأت صداقة صبري أبو المجد به عام 1953م؛ إلا أن تلك القصة لا يمكن الاقتناع بها، فهي بها تناقضات وقع فيها صالح جودت من جانب، ومن جانب آخر لا تتسق مع العقل والمنطق في تاريخ الشيخ زكريا أحمد، فضلاً عن أنها لا تتوائم مع ما ذكره هو شخصيًا عن طرده من الأزهر.
فمثلاً من تناقضات صالح جودت أنه بعد وفاة الشيخ زكريا أحمد بأسبوع، كتب عام 1961م مقالاً عبر مجلة الكواكب ذكر فيه أنه فُصِل من الأزهر لأن علماءه رأوا في الغناء حرامًا بينما هو رآه حلالاً وتمسك برأيه(4)؛ ولم يذكر صالح جودت أي شيءٍ عن حكاية البسطرما.
ومن الأشياء التي لا تتسق مع المنطق، أن تلك القصة تُظْهِر الأزهريين في زمن بدايات الشيخ زكريا أحمد على أنهم متخلفين متشددين يمقتون أي فردٍ منهم يعمل بالموسيقى والغناء، وذلك أيضًا أمر غير منطقي، لسبب بسيط أن الشيخ زكريا أحمد كان ضمن بطانة الشيخ علي محمود المقرئ الشهير ووضع له ألحانًا لقصائد شعرية منها يا نسيم الصبا وكانت عبر آلة الكمان وعازفها سامي الشوا.(5)
لماذا حدث طرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر ؟
حدث طرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر وكان عُمْرِه حينها 13 عامًا، وتحديدًا في سنة 1909م، أي قبل احترافه الغناء بـ 14 سنة، وبالتالي لا صلة للطرد بعمله في الفن أصلاً؛ بالإضافة إلى أن مصطلح (الطرد) الذي تتبناه المواقع، ليس وصفًا دقيقًا وإنما الوصف الأدق هو تَرْك الأزهر، إذ كان قرار ترك الشيخ زكريا للأزهر كان منه وليس قرارًا إداريًا.
اقرأ أيضًا
زكريا أحمد الذي عاش يجامل أصدقائه بإحياء أفراح أولادهم فمات بعد واحد منها!
والسبب الذي من أجله ترك الشيخ زكريا أحمد الدراسة الأزهر هو ضربه للشيخ الذي يعطيه درس الفقه بعد مجادلة علمية حكاها الشيخ زكريا أحمد بنفسه وقبل وفاته بأسابيع قليلة للشاعر والكاتب عبدالقادر حميدة والتي نشرها في مجلة الكواكب.
يحكي الشيخ زكريا أحمد عن قراره بترك الأزهر فيقول « كان عمري 13 سنة عندما ثرت على الأزهر وخرجت منه إلى غير عودة، كنت مجاورًا ودخل علينا الشيخ حجرة الدرس، وراح يفسر لنا حديثًا يقول (من أكل لحم جَزُوُر فليتوضأ)، ووجدت كل لفظة في الحديث مفهومة عدا كلمة (جَزُوُر)، فسألته عن معناها فقال (جَزُوُر يا ولد هو الجمل الصغير»، فقلت له «ولماذا يتوضأ يا سيدنا الشيخ بعد أكل لحم جَزُوُر ولا يتوضأ بعد أكل لحم الجمل الكبير؟، قلتها من هنا وانهال عليّ الشيخ ضربًا من هنا وقال إنت يا ولد تعترض على كلام الرسول؟ وهات يا ضرب وشتيمة إلى أن فقدت صبري فلم أحتمل وسحبت من أمامي مقلمة من النحاس وسددتها إلى وجه سيدنا الشيخ فساح دمه، ويومها ذهبت إلى القسم مقبوضًا عليّ ومن يومها لم أعد للأزهر».(6)
إشارة هامشية هامة
تجدر الإشارة هنا إلى أن حديث من أكل لحم جَزُوُر فليتوضأ، ليس له سند، وأن الوضوء بعد أكل لحم الجزور ليس واجبًا وهو ما ذهب إليه سفيان الثوري ومالك والشافعي، استنادًا على حديث جابر رضي الله عنه قال: “كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ”؛ ويرى الحنابلة أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء سواءًا كانت كبيرة أو صغيرة استنادًا لحديث البراء بن عازب قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الإبل فقال: «تَوَضَّؤُوا مِنْهَا»، وَسُئِلَ عَنْ لُحُومِ الْغَنَمِ فَقَالَ: «لا تَتَوَضَّؤوا مِنْهَا»؛ والصحيح أن أكل لحم الإبل سواءًا كانت كبيرة أو صغيرة لا يوجب الوضوء ولا ينقضه.(7)
الشيخ زكريا أحمد والزي الأزهري
بعد أن ترك الشيخ زكريا أحمد الدراسة في الأزهر التحق بمدرسة خليل أغا، وظل متمسكًا بالزي الأزهري التقليدي حتى بعد تخرجه من المدرسة واتجاهه للتلحين عام 1917م ثم احترافه له عام 1923م.
بقي الشيخ زكريا أحمد بالزي الأزهري إلى أن تركه في فبراير عام 1926م، وحينها ذكرت مجلة المسرح وذكرت المجلة أن السبب وراء خلع الزي الأزهري أنه كان مع بديع خيري وصديق له اسمه سامي واقترح بأن يرتدي زكريا أحمد الزي الإفرنجي، لكنه رفض وأقسم بأنه لن يخلع الزي الأزهري إلا إذا ارتداه سامي بك وهو ما حدث فعلاً.(8)
لكن هذا السبب هو جزء من قصة الشيخ زكريا أحمد مع الزي الأزهري، ففيه لقاء إذاعي له حكى أن الداعي الذي جعله ينزع الزي الأزهري هو أنه كان يلوح بيديه كثيرًا من أجل التلحين وكانت بجانبه ممثلة مشهورة ترتدي فستانًا أنيقًا وتشرب فنجان قهوة، ولكن كُمْ الجلابية احتك بالفنجان فوقع عليها وسبب ذلك الموقف حرجًا لها وله، فأقسم بأن لا يرتدي الزي الأزهري بعد ذلك حتى موته.
(1) أبرز المواقع التي قالت بطرد الشيخ زكريا أحمد من الأزهر هي :-
- سناء البيسي، شوية .. شوية، موقع جريدة الأزهرام، 4 أغسطس 2018م
- محمد حسن الشيخ، زكريا أحمد… ملحن القرآن وصديق أهل الهوى الذي تحدى أم كلثوم واستحضر العفاريت، موقع رصيف 22، 6 إبريل 2022م
- نعمات مدحت، «البسطرمة».. جريمة الشيخ زكريا أحمد التى طردته من الأزهر، موقع الدستور، 13 يونيو 2022م
(2) صالح جودت، أثر البصطرمة في حياة شيخ الملحنين زكريا أحمد، مجلة الكواكب، العدد: 634، يوم 24 سبتمبر 1963م، ص26.
(3) صبري أبو المجد، زكريا أحمد (سلسلة أعلام العرب، ج19)، ط/1، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، القاهرة، 1963م، ص67.
(4) صالح جودت، في الأسبوع مرة .. آخر أغنية لحنها زكريا، مجلة الكواكب والإثنين، عدد: 500، يوم 28 فبراير 1961م، ص16.
(5) إيزيس فتح الله، زكريا أحمد، ج1، ط/ 1، (موسوعة أعلام الموسيقى العربية – إصدار 5) دار الشروق، القاهرة، 2011م، ص18.
(6) عبدالقادر حميدة، مات شيخ الملحنين، مجلة الكواكب والإثنين، عدد: 499، يوم 21 فبراير 1961م، ص16.
(7) علي جمعة، هل أكل لحم الإبل ينقض الوضوء، موقع فتاوى دار الافتاء، فتوى رقم: 215، تاريخ الفتوى 23 نوفمبر 2005م
(8) محرر، بين العمة والطربوش، مجلة المسرح، العدد 14، يوم 15 فبراير 1926م، ص28.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال