قضية بليغ حمدي وسميرة مليان .. توثيق تفاصيل سنوات محنة أمل مصر في الموسيقى
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
قُتِلت قضية بليغ حمدي وسميرة مليان بحثًا، غير أن الجديد الذي يتناوله موقع الميزان هو توثيق الأزمة بتفاصيلها بعدما عجت المواقع الأخرى بتفاصيل كانت مقتضبة، لقضية قضت على بليغ حمدي حيًا.
بليغ والعودة إلى ثلج ونار ليلة 18 ديسمبر
عاد بليغ حمدي من المغرب إلى القاهرة في منتصف العام 1984 م وأُجْرِي معه لقاء تلفزيوني عبر التلفزيون المغربي حول مشاريعه القادمة، وسئل عن رأيه في مشاكل الأغنية العربي فقال «هي مشكلة لهجات لكن الوحدة الموسيقية موجودة».
نزل بليغ حمدي من رحلة مصر للطيران القادمة من المغرب وبات يستعد لتلحين أغنية ثلج ونار لنجاة الصغيرة (قبل أن تذهب لميادة الحناوي)، ولم يَدُرْ في ذهنه أنه بعد ذلك الحوار الذي أجراه مع التلفزيون المغربي سيواجه مشكلة عاصفة أحد أطرافها سيدة مغربية اسمها سميرة مليان.
اقرأ أيضًا
ميمي شكيب وشبكة الرقيق الأبيض .. التهمة التي تسبب فيها العقيد القذافي
البداية كانت ليلة 18 ديسمبر 1984 بالدور الثالث في العقار رقم 1 بميدان سفنكس داخل شقة بليغ حمدي، كانت ليلة صاخبة بالغناء والشراب والطعام، وبها 16 شخص (6 مصريين، و 6 مغاربة، و 2 جزائريين، و2 سعوديين).
أبرز الحضور من المصريين كانوا «بليغ حمدي الموسيقار الكبير، الموسيقار فتحي سلامة وزوجته، والموسيقار يسري حسن الحامولي، والمذيع الإذاعي كامل البيطار، والكاتب المسرحي بهجت قمر، سعيد محمود مدير أعمال بليغ».
أما الحضور من العرب فكانوا مغاربة وجزائريين وسعوديين؛ فالمغاربة هم «سميرة مليان، وأفراد من عائلة التازي المغربية صاحبة توكيل فولفو في الدار البيضاء، مع رجال أعمال مغاربة آخرين»، وأما السعوديين فكان أبرزهم «رجل الأعمال عبدالله سالم محمد الصعيدي، والثري عبدالمجيد محمد تودري علي»، بينما الجزائريين فكانتا سيدتين هما الشاعرة الجزائرية لويزا علام ووالدتها وردتي سعيدات».
اقرأ أيضًا
وردة وبليغ حمدي .. حب لم يهزمه الطلاق
استمرت السهرة حتى منتصف الليل، وانصرف أغلب الحضور واستأذن بليغ حمدي ممن تبقى من ضيوفه الـ 16 أن يذهب إلى غرفة نومه ليأخذ قسطًا من الراحة استعدادًا لعمله الذي سيبدأ في التاسعة صباحًا وذهب إلى النوم، ثم انصرف باقي الحضور قبيل الفجر عدا سميرة مليان وعبدالمجيد محمد تردي، ومع حلول الساعة السادسة صباحًا تم إيقاظه ليخبروه أن سميرة مليان قُتِلت وجثتها ملقاة عارية بحديقة العمارة، فهرع إلى هاتفه ليكلم اللواء مصطفى الصباحي «مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون وهو صديقه وشقيق الفنانة ماجدة»، ويقول له «مصطفى .. الحقني أنا في مصيبة !!».
من هي سميرة مليان
تتفق كل نتائج البحث عن سميرة مليان على جوجل أنها جاءت إلى مصر كون أن لديها موهبة في الغناء وأرادت من بليغ حمدي أن يكتشفها؛ لكن كل ذلك غير صحيح.
المجني عليها اسمها سميرة جودي مليان وكانت تبلغ من العمر 24 سنة وهي متزوجة من رجل أعمال مغربي وأنجبت منه طفلين هما لبنى 6 سنوات والمهدي 3 سنوات وتقيم في زنقة تراتسوا لوسارحي في الدار البيضاء، وجاءت لمصر في مايو 1983 م ثم جاءت يوم 14 ديسمبر 1984 م.
وهنا يجيء سؤال آخر حول الصلة بين بليغ حمدي وسميرة مليان ؟ وإجابة هذا السؤال تأتي من فهم شخصية بليغ حمدي، فالرجل كان مضيافًا لمستوى حاتم الطائي ومنزله مفتوح للجميع، وإن كان الغالبية يتفقون على أن بليغ حمدي كان بوهيميًا، لكن في قضية سميرة مليان لا يمكن الحكم عليه، فالرجل له صلات وثيقة بالمجتمع المغربي منذ ستينيات القرن الماضي، بل وقبل المأساة بأشهر كان قادمًا من المغرب.
لكن السؤال المنطقي هو لماذا سميرة مليان تحديدًا كانت حاضرة في حفل بليغ فهي ليست على صداقة متينة به مثل باقي المغاربة الذين حضروا ؟، وكانت الإجابة بعد أسبوع من التحقيقات.
الأسبوع الأول من صخب التحريات والتحقيقات
في الأسبوع الأول من قضية بليغ حمدي وسميرة مليان عملت وزارة الداخلية كخلية نحل بالتحريات والمعاينات والتحقيقات عبر نخبة رموز الأمن في ذلك الوقت.
المعاينات والتحريات قام بها «العقيد فيليب عبدالملاك مأمور قسم العجوزة، ومعه المقدم محمد العشماوي رئيس المباحث، المقدم مصطفى العرقسوسي نائب المأمور، العميد إبراهيم راسخ رئيس المباحث، العقيد سامح أبو الليل مفتش المباحث، العقيد حلمي الفقي مدير المباحث، العقيد مجدي البستاني مفتش وزارة الداخلية، العقيد محسن جبر، والعقيد ممدوح هنداوي وكيلي المباحث، المقدم يسري عبدالمطلب مساعد مفتش المباحث، المقدم علي عبدالرحيم رئيس مباحث المهندسين، الرائد محمد عرابي ضابط المباحث »؛ وجميعهم كانوا يعملون بإشراف اللواء محمد حسين مدين مدير الأمن».
أما النيابة فكان المستشار عثمان عبدالتواب مدير نيابة العجوزة يباشر التحقيقات ونتائجها بإشراف من المستشار محمود مرسي المحامي العام لنيابات الجيزة.
وخلال الأسبوع الأول من التحقيقات تم استجواب كلٍ من «بليغ حمدي – الموسيقار وصاحب الشقة -، صباح حمادة عارف – مديرة أعمال شقة بليغ حمدي-، محمود سيد علي – مدير أعمال بليغ حمدي- ، سعيد محمود عطية – طباخ شقة بليغ حمدي -، هيلب محمد سليمان – بواب العمارة -، محمود أحمد راوي – سايس العمارة – كامل البيطار – الإذاعي وصديق بليغ حمدي -، بهجت قمر – الكاتب وصديق بليغ حمدي -، أحمد الإمبابي – محامي ومن جيران بليغ حمدي -، محمد بهنسي – من جيران بليغ حمدي -، عبدالعزيز سعدوي سعود سكرتير أول السفارة المغربية».
أقوال بليغ حمدي
في التحقيقات قال بليغ حمدي «تلقيت مكالمة قبل يوم الحادث من أسرة التازي المغربية عن وجودهم بمصر فدعوتهم للحفل بمنزلي في الساعة 10 مساء يوم 17 ديسمبر، وحضرت سميرة مليان ولم أكن قد رأيتها، وأتوقع أن إفراطها في الخمر هو من جعلها تفقد توازنها، لكن مسألة عريها غير مفهومة».
وأكد بليغ حمدي أن القتيلة حضرت مع مجموعة من الضيوف المغاربة بدايةً من 10 مساء يوم 17 ديسمبر وسهروا حتى السادسة صباح اليوم التالي، وغادروا الشقة للمطار عدا القتيلة التي كانت مرهقة واستأذنت لكي تنام فسمح لها بالنوم في حجرة شقيقته ثم ذهب إلى حجرته الخاصة واستغرق في النوم دون أن يشعر بشيء.
أقوال صباح حمادة عارف – مديرة منزل بليغ حمدي –
تمثل شهادة صباح حمادة عارف مديرة منزل بليغ حمدي أهمية قصوى لأنها أول من اكتشفت الجريمة، وقالت في التحقيقات «المجني عليها شعرت بإرهاق شديد نتيجة إفراطها في شرب الخمر، فاستأذنت لكي تنام فسمح لها بليغ بالنوم في حجرة شقيقته المطلة على الحديقة الخلفية للعمارة».
وتابعت في أقوالها «عثرت في الصباح على بعض الملابس الداخلية للقتيلة ملقاة في صالة الشقة والفرو الخاص به، فطرقت باب الحجرة لإيقاظها، لكنها لم تستجب ففتحت الباب وفوجئت بالملابس الداخلية والخارجية مبعثرة والحجرة خالية والنافذة مفتوحة على غير العادة، وفوجئت بجثة السيدة عارية ملقاة على وجهها فأسرعت لإبلاغ بليغ».
بهجت قمر وكامل البيطار يتفقان مع الأقوال
لم تختلف شهادة الكاتب بهجت قمر مع كامل البيطار عن ما قاله بليغ حمدي ومديرة منزله، فبهجت قمر قال أنه التقى بالضيوف المغاربة 3 مرات مرة في كازينو الليل والاثنين في شقة بليغ ولم يلتقي بسميرة مليان إلا ليلة الحادث، والقتيلة أقبلت على الضيوف وهي خارجة من غرفة بليغ الخاصة بالآت الموسيقية وكانت تترنح من السكر وملابسها كاملة والجميع كانوا سكارى وبليغ يتوسطهم وهم يرقصون في كل أنحاء الشقة.
بينما ذكر كامل البيطار أنه دُعِيَ لحفل التعارف قبل يومين من الحادث، وفي ليلة الحادث كانت سميرة مليان في حالة سكر وتترنح من فرط السكر وكانت ترقص على الموسيقى بحالة هيستيرية.
بقي من الذين لم تؤخذ أقوالهم الشاعرة الجزائرية ووالدتها ورجال الأعمال المغاربة وتعهد بليغ حمدي بإحضارهم جميعًا على نفقته الخاصة ليتم أخذ أقوالهم.
شهادة الخادمة والشاعرة في الأسبوع الثاني وخطأ بليغ حمدي القاتل
اتجهت كل التصورات إلى أن سميرة مليان انتحرت لكن جاءت شهادة الشاعرة الجزائرية لويزا علام ثم شهادة حميدة محمود – خادمة عبدالحليم حافظ ثم خادمة الثري السعودي – لتكشف خطأ قاتل وقع فيه بليغ حمدي وهو قوله «أنه لم يكن يعرف سميرة مليان» وكان ذلك الخطأ هو السبب الرئيسي في ضياع بليغ حمدي لاحقًا.
ففي 25 ديسمبر 1984 (بعد أسبوع من التحقيقات) أظهرت التحريات وأقوال حميدة محمود – خادمة عبدالحليم حافظ سابقًا والثري السعودي عبدالمجيد تودري – «أن سميرة مليان قبل مقتلها بـ 72 ساعة كانت تتردد على رجل الأعمال السعودي عبدالله محمد الصعيدي وكان مكان لقائهما بمنزل البليونير السعودي عبدالمجيد محمد تردي علي (والذي كان متزوج من شقيقة سميرة مليان عرفي)».
كان عبدالله الصعيدي وعد سميرة مليان بالزواج مقابل 50 ألف جنيه مقدم صداق لكنه لم ينفذ وعده وفوجئت به يعقد قرانه بسيدة مغربية أخرى في كازينو الليل، مما دفعها لافتعال مشاجرة مع الثري السعودي الذي أصيب بحالة هيتسيرية فرفض عمل الزفة لعروسته، ثم تدخل الأصدقاء للحل ومن بينهم بليغ حمدي واتفقوا على إقامة حفل للصح بينهما وتعويض سميرة مليان عما تعرضت له.
الأمر نفسه أكدته الشاعرة الجزائرية لويزا علام التي حضرت إلى مصر للسياحة وعرض قصائدها على بليغ حمدي، وقالت أن بليغ رأى سميرة مليان في حفل كازينو الليل بعد مشكلة نشبت بينها وبين عبدالله الصعيدي، أما مطربة الكازينو التي كانت تحضر الحفل فلم يختلف كلامها عن ما ذكرته خادمة البليونير.
ذلك الخطأ القاتل الذي وقع فيه بليغ حمدي استدعى جهات التحقيق إلى إعادة سؤال جميع الموجودين، فتراجعت مديرة منزل بليغ حمدي عن أقوالها وأكدت كلام خادمة البليونير السعودي، خاصةً بعد أن أكد تقرير الطب الشرعي أنه لا وجود لانتحار في قضية بليغ حمدي وسميرة مليان أو حتى اغتصاب، حتى الآن غير مفهوم سبب عدم قول بليغ حمدي بوجود معرفة سطحية بينه وبين هؤلاء الشخصيات، والغريب أن بليغ حمدي لم يتم سؤاله عن واقعة كازينو الليل في مشهد عبثي من التحقيقات.
التصور الوحيد هو أن أخلاق بليغ حمدي الإنسانية منعته من كشف ستر امرأة كانت على ذمة رجل وستقوم بالطلاق منه من أجل رجل آخر، فضلاً عن صلات الصداقة التي كانت بين بليغ والمجتمع المغربي، ويتصور أن سرها يعرفه عدد محدود، فضلاً عن جهله بالعلاقات المتشعبة التي تجمعها مع عبدالمجيد تودري وعبدالله الصعيدي واللذين كانا آخر من رأيا سميرة مليان بينما هو نائم لا يشعر بشيء؛ فلو كان بليغ حمدي قال ذلك منذ البداية لكان مسار التحقيقات تغير منذ اللحظة الأولى.
محطات رحلة الآلام بعُمْر من الأيام
وصلت قضية بليغ حمدي وسميرة مليان إلى محطتها قبل الأخيرة بإعادة التحقيقات عقب أقوال خادمة الثري السعودي، وذلك بالتزامن مع تأخر تقرير الطب الشرعي الذي تأجل الإعلان عنه 3 مرات ثم خرج رسميًا يوم 9 يناير 1985 م ليعلن أن سميرة مليان ماتت منتحرة، لكن التحقيقات لم تتوقف وصارت كما تقول الأغنية التي لحنها بليغ «رحلة الآلام بعمر من الأيام».
المحطة الأولى | شهادة حميدة
فقط هناك كانت معلومة شديدة الخطورة قالتها حميدة محمود – خادمة البليونير عبدالمجيد تودري ـ قادت بليغ حمدي ومديرة منزله وطباخ المنزل وعبدالمجيد محمد تردي وسائقه إلى المحكمة.
قالت حميدة محمود « أنها توجهت إلى منزل بليغ حمدي بعد أن اتصل بها سيدها عبدالمجيد علي، ولما وصلت للمنزل وجدت عبدالمجيد في حالة ذهول وعلمت منه أن صديقته قد انتحرت عبر مشادة كلامية بينهما دفعته إلى أن اعتدى عليها بالضرب، ولما استوضحت من الطباخ ما جرى قال أنه سمع شجارهما من خارج غرفة النوم، ثم أمرها تردي بأخذ لوازم سميرة مليان من المنزل».
اقرأ أيضًا
تهمة أخلاقية لنبوية موسى .. أزمة قادت 8 وزراء تعليم للمحكمة
تم استدعاء صباح مديرة منزل بليغ لعرض أقوال خادمة تردي عليها فانهارت وقالت « أيقظني تردي وهو يقول لي أنا لا أجد سميرة، فاستيقظت وفتشت عنها وعثرت على ملابسها ملقاة على كنبة ثم طلب منها أن تفتش في الدولاب وكان الأمر غريبًا وكأنه أراد أن أكون أول من أكتشف جثتها».
المحطة الثانية | فضائح الثري السعودي
بدأت علامات الاستفهام تطل برؤسها حول المليونير السعودي ذا الأصل الفلسطيني عبدالمجيد تودري زوج شقيقة سميرة مليان عرفيًا وآخر شخص رآها وجرت بينه وبينها مشادة قبل دقائق من مصرعها، وتحولت الشكوك إلى اشتباهات واتهامات.
تمكن المقدم إبراهيم الميرغني في 27 ديسمبر 1984 م من جلب صحيفة الحالة الجنائية للثري السعودي عبدالمجيد تودري، والتي أفادت أن الثري السعودي كان يحاكم في أغسطس 1983 بتهمة تعذيب إحدى السيدات بعد أن احتجزها في منزله وقام بكي جسدها بأعقاب السجائر، وتم الحكم عليه غيابيًا بالسجن لمدة سنة وهرب خارج البلاد لمدة 6 أشهر ثم رجع بعد أن استأنف محاميه الحكم، ولم يفصل القضاء في القضية حتى يوم وقوع جريمة سميرة مليان.
على إثر تلك الجريمة مع حادثة سميرة مليان طلبت مباحث الجيزة من الانتربول الدولي رسميًا يوم 28 ديسمبر 1984 م المساعدة في القبض على الثري السعودي عبدالمجيد تودري والذي كان قد غادر مصر بعد 6 ساعات من معاينة النيابة لشقة بليغ مع صديقه السعودي الآخر.
المحطة الثالثة | صحف المعارضة والحكومة إيد واحدة في المذبحة
أخذت قضية بليغ حمدي وسميرة مليان حيزًا ضخمًا من الاهتمام الصحفي، فلم يكن هناك يوم يمر منذ 18 ديسمبر 1984 وحتى مطلع العام 1985 م إلا وكانت أخبار بليغ حمدي وسهراته على الصفحات الأولى من الصحف القومية بمصطلحات «السيدة المغربية، قتيلة شقة بليغ، لغز 84 في بيت بليغ».
صحف الحكومة وتحديدًا جريدة الجمهورية ساقت قصصًا أساءت لبليغ حمدي ولم تذكر لها مصدر باستثناء جملة (تفيد التحريات)، فمثلاً في عدد 31 ديسمبر 1984 ألمحت إلى محاولة بليغ حمدي للهروب حيث طلب من العقيد فيليب عبدالملاك مأمور قسم العجوزة السماح له بالسفر لارتباطه بأعمال فنية فأجابه المأمور بأنه غير ممنوع من السفر لكن الأفضل أن يبقى في القاهرة.
الجريدة نفسها في عدد 26 ديسمبر 1984 م قالت جريدة الجمهورية أن سميرة مليان كانت تحب بليغ حمدي وحاولت أن تدخل غرفه نومه لتنام معه وهو مالم يتحمله عبدالمجيد تودري فقتلها.
من ناحيتها فإن صحف المعارضة لم تكن لتتغاضى عن تغطية الصحف الحكومية، واتهمت المعارضة الإعلام الحكومي بأن النظام يحاول إلهاء الشعب بقضية بليغ حمدي، فكتب أحمد كمال حسن خالد في جريدة الأحرار مقالين أولهما بتاريخ 7 يناير 1985 عن إلهاء الصحف الحكومية للشعب بالقضية، والثاني بتاريخ بتاريخ 14 من نفس العام واتهم النظام بالضلوع في هروب المليونير السعودي.
صحفية الوفد أدلت بدلوها هي الأخرى فكتب مصطفى شردي مقالاً يوم 10 يناير 1985 عن اهتمام الناس بقضية بليغ حمدي، وفي هذا المقال جرد بليغ حمدي من الدين والأخلاق وطالب بعدم الاهتمام بفنه لأنه صاحب مستنقع.
المحطة الرابعة | فيلم موت سميرة
دخلت السينما على خط الترند فكان من ضمن أفلام عيد الأضحى يوم 26 أغسطس 1985 م فيلم موت سميرة عن قضية بليغ حمدي وسميرة مليان وعُرِض لأول مرة في سينما الأهرام بالهرم، وستراند وريو بالإسكندرية.
يتصور الغالبية أن فيلم موت سميرة كان أحد الأسباب المباشرة في تشويه سمعة بليغ حمدي، لكن هذا التصور غير صحيح ـ بصرف النظر عن جودة الفيلم واستغلال صناعه للقضية ـ، وذلك لأن بليغ حمدي نفسه لأن بليغ حمدي وافق على سيناريو فيلم موت سميرة وهو الخبر الذي نشرته جريدة الدستور الأردنية في ص 15 من عدد 2 يونيو 1985 م.
الصحفية بدرية البشر (التي صارت لاحقًا الدكتورة في علم الاجتماع والروائية صاحبة برنامج بدرية على MBC 1 وزوجة الفنان ناصر القصبي) كتبت مقالاً على جريدة الرياض في عدد 24 ديسمبر 1985 م هاجمت فيه فيلم موت سميرة لأنه يُجَمِّل صورة الملحن ويهاجم الثري (الذي كان سعوديًا في الحقيقة وعربيًا دون تحديد جنسيته).
الفيلم فشل فشلاً ذريعًا وندمت عليه إلهام شاهين التي كانت تجسد شخصية سميرة لاعتبار أن الفيلم أساء لبليغ حمدي ـ حسب تصورها ـ.
والغنوة الحلوة ملاها الدمع يا بليغ
كان إثبات أحقية مصر في طابا كانت أسهل من التعرف على طريقة موت سميرة مليان، فمصر في سبتمبر 1985 أعلنت عن أسماء المحامين الذين سيذهبون للتحكيم الدولي، وفي نفس الأسبوع وجهت النيابة وجهت النيابة إلى بليغ حمدي تهمة تسهيل ارتكاب الفحشاء وتضليل العدالة.
حوكم في قضية بليغ حمدي وسميرة مليان 5 أشخاص هم :-
- بليغ حمدي ـ الموسيقار وصاحب المنزل ـ بتهمتي تسهيل الدعارة وتضليل العدالة
- عبدالمجيد توردي ـ رجل أعمال سعودي ـ بتهمة ممارسة الدعارة وسرقة متعلقات سميرة مليان.
- صباح حماد عارف ـ مديرة منزل بليغ ـ بتهمة تضليل العدالة ـ وهي نفس التهمة للبقية وهم :-
- سعيد محمود عطية ـ طباخ منزل بليغ ـ
- سعيد محمود علي ـ مدير أعمال بليغ ـ
وفي 10 فبراير 1986 م حكمت محكمة جنح العجوزة على بليغ حمدي بالسجن سنة مع الشغل وكفالة 1000 جنيه وغرامة 1000 جنيه مع وضعه تحت المراقبة لمدة سنة، وقضت المحكمة بالسجن 3 سنوات على عبدالمجيد توردي مع الشغل والنفاذ، فيما قامت محكمة بتغريم مديرة منزل بليغ وطباخه بـ 20 جنيه.
وفي جلسة الاستئناف يوم 14 مايو 1986 م تم تأييد حكم سجن بليغ حمدي وشددت المحكمة عقوبة مديرة المنزل والطباخ من الغرامة لكليهما بـ 20 جنيه إلى سجنهما 3 أشهر مع الشغل وذلك.
ظل بليغ حمدي في الغربة منذ عام 1986 م حتى عام 1990 م ورغم نتاجه الغنائي في تلك الفترة إلا أنه تأثر نفسيًا بشكل عكسي حتى عاد إلى مصر في 25 نوفمبر 1990 م لحضور جلسة نطق محكمة النقض في القضية وكان محاموه هم «مجدي علي، علي نور الدين، فهمي ناشد» وقضت المحكمة ببراءة بليغ حمدي ورفض طعن مديرة منزله والطباخ في حكم حبسهما 3 أشهر.
وقال بليغ حينها «لقد عدت وأنا مقتنع تمامًا بأن أي حكم يصدر ضدي أرحم مما كنت أعانيه من الغربة، وكانت ثقتي بالله والقضاء المصري بلا حدود».
سافر من غير وداع
عاش بليغ حمدي 3 سنوات بعد المحنة، وكان من داخله متأكد أن بداخله أشياء لم يقدمها وهو ما عبر عنه في حوار مع ليلى الأطرش ببرنامج على ضفاف النيل حين سألته «الظلم الذي وقع عليك هل أوحى لك بشيء لحن .. عمل ؟ فقال «لا شك إن جوايا حاجات كتير لسه مقولتهاش، بس هتتقال الأيام دي أوي .. كنت محتاج للفترة دي عشان كل دا يتحول إلى أشياء، إلى مزيكا، بتمنى أطلعها».
بدأ مرض سرطان الكبد يدب في جسد بليغ حمدي وسافر إلى فرنسا للعلاج هناك بمستشفى جوستاف روس الفرنسي في يونيو من العام 1993 واستغرق علاجه شهرين ومات فيها يوم 12 سبتمبر 1993 م وشيعت جنازته من مسجد عمر مكرم بعد 3 أيام من رحليه ودُفِن بجوار والدته في مقابر البساتين تنفيذًا لوصيته.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال