همتك نعدل الكفة
264   مشاهدة  

قليل البخت يلاقي الصومال في الدعوة

الصومال
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



“كنّا قريبين من البهجة أوي لغاية لما الدقون اتحركت”…

كان يتابع فيلم الساحر بالورشة، وكان الساحر يحكي عن الدقون وكيف أفسدت البهجة؟!

فأغلق التلفزيون وراح يتطلع نحو الباب ربما يمن الله عليه بزبون، وبدل الزبون دخل تلاتة، كان جميعًا بدقون طويلة وجلابيب قصيرة.

واستبشر النجار وهو يرحب بهم: “اتفضلوا.. هنا”..

وتفضلوا بالفعل، وتساءل النجار عن سبب الزيارة، فرد أكبرهم: “وإنما جئنا من أجل دعوتك أو تبليغك”..

وأحس النجار أن في الأمر سوء تفاهم، فسأله: “دعوتي لماذا؟ وتبلغي بماذا؟”..

وأوضح الأصغر: “دعوة لممارسة شعائر دينيك إذا كنت مسلمًا وإبلاغ بالإسلام إذا كنت من ديانة أخرى”..

محمد إلياس الكاندوهلي
محمد إلياس الكاندوهلي

وأيقن النجار أن زواره من جماعة التبليغ والدعوة، وكان قد قرأ عنها وعرف أن الجماعة التي أسسها الشيخ محمد إلياس الكاندوهلي في دلهي بالهند قد انتشرت وراحت تغزو البلاد شرقًا وغربًا وها هي تصل قري مصر الريفية ومناطقها العشوائية.

وكان النجار قد عقد العزم سابقًا بأن لا يجادل أحدًا. غير أن الجدال في دمه فقال: “ولكن للدعوة أصول، وأولها أن يكون الداعي على علم بما يدعو له”

ورد الأوسط بحزم: “قال رسول الله صلي الله عليه وسلم بلغوني عني ولو آية… فمجرد التبليغ أمر من الرسول لا يجوز تجاهله”.

وقال النجار: “ولكن الرسول أيضًا قال: من حسن إسلام المرء تركه لما يعنيه”..

وتدخل الأكبر وقد شعر أنه أمام خصم عنيد: “وماذا تقول في قوله تعالي: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ  وهي الآية 110 من سورة آل عمران”..

وقال النجار: “ولماذا استخدم الله صيغة الماضي هنا… (كنتم)؟  هل لأنها صفة انتهت؟”.

واستشاط الأصغر غضبًا غير أنه تمالك نفسه وحاول أن يتكلم بهدوء محافظًا على ابتسامته المحايدة: “أنت تجرنا إلى الجدال ونحن لسنا أهل جدال، نحن أهل دعوة فإما أن تستجيب وأما غادرناك دون سوء”

وداهمه الأسطي أحمد سائلاً: “وماذا تعمل أيها الفتي؟”..

وأجاب الفتي بهدوء: “أعمل في الدعوة كما تري.. هل هناك أفضل من العمل في سبيل الله؟”.

فرد النجار: “أتعجب من فعلك الذي يناقض قولك.. ألم تسمع بحديث الرسول حين كان يدخل المسجد فوجد رجل لا يغادر المسجد أبدًا، فتعجب وسأله: من ينفق عليك؟ فقال الرجل: أخي! فرد النبي: أخوك خير منك”..

وابتسم الشيخ الأكبر وقال: “هذا ليس بحديث ولا يوجد له أصل في كتب السُنة”..

فقال النجار: “إذا كان هذا الحديث غير صحيح فما بالك بعمل الأنبياء وهم المختارون من قبل الرب لنشر دعوته والتبشير به وبكتبه… هل كان أحد الأنبياء بلا عمل؟ لا واللهِ! فـ داود حدادًا، وإدريس خياطًا، ونوح نجارًا، حتى محمد – عليه الصلاة والسلام- كان راعي للغنم ثم تاجرًا ثم قائدًا للأمة.

فإذا كان الأنبياء المكلفون بالدعوة قد أدركوا أن الحياة لن تستقيم بالدعوة فحسب ولكن بالعمل، العمل الجاد…. هل يمكنك أن تخبرني أين تعيش؟ وكيف تحصل على قوت يومك؟ ومن أين تنفق على آل بيتك؟ وما هو هدفك من الحياة؟”

وظن النجار أنه نال منهم ولكن أكبرهم قال: “نحن نقيم بالمساجد، والطعام والشراب يأتينا من عند  الله، وهدفنا رضا المولي فنحن في الدنيا كعابر السبيل من ترحال إلى ترحال، اليوم بمصر وأمس كنّا في أوروبا وغدًا من يدري، نحن نعيش للدعوة فقط لا غير!”…

وتساءل النجار: “ولكن بماذا تدعون الناس؟ وما هي طريقتكم للدعوة؟”

وأجاب الأكبر: “نحن ندعو الناس إلى توحيد الله وعبادته، وإلى أتباع نبيه محمد الذي بعثه إلى الناس كافة، ونبين لهم قدرة الله في خلقه، وأن الخلق كلهم في قبضة الله. أما طريقتنا للدعوة فليس فيها مناصب أو وظائف وعلى كل مجموعة أن تعيين أمير عليها، ننزل بالقري والمناطق فنمر على الدكاكين والحوانيت وندعوهم للصلاة لأنها عماد الدين، لا نجادل أحد في الفقه أو السياسة، فالسياسة عندنا تعني ترك السياسة، كما أننا لا ننزل ضيوفًا على أحد ونكتفي بالإقامة في المساجد، وكما قلت لك سابقًا فإن حياتنا من ترحال إلى ترحال!”

إقرأ أيضا
شد الرحال

وفكر النجار في السفر وفي أهواله، وتذكر أنه كان يحلم بالبلدان البعيدة وبأهلها، وبأن يعيش حياة كريمة مع ناس تقدر الآخر ولا تتدخل في شئونه!

وكان مرة قد عزم على الرحيل، واتفق مع صاحب مركب على هجرة غير شرعية ولكنه خاف البحر والمجهول والموت، وأعتقد أن بإمكان هذه الجماعة أن تحقق حلمه، وأن انضمامه لهم قد يكون بوابة للمرور إلى بلد بديل، وأعجبته الحيلة وداعبت طموحه القديم، فسألهم: “وماذا لو انضممت لكم؟ هل ترحبون بي؟”.

فبانت الفرحة على وجوههم، وقال كبيرهم بترحاب: “طبعًا… المهم أن تتوفر فيك الصفات الست!”..

الصومال

وسأله الأسطي أحمد: “ما هي هذا الصفات؟”..

فأوضح الشيخ الكبير: “1- شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. 2- الصلاة بخشوع 3- تعلم العلم الشرعي حتى تعرف الله حق المعرفة 4- إكرام المسلمين جميعًا. 5- النية الصادقة. 6- الخروج لنشر الدعوة”.

وقال النجار في نفسه: تلك شروط أسهل مما تفرضه سفارات الدول. وقال لهم: “تلك شروط بسيطة وسوف أعمل عليها.. ولكن أولاً عليّ أن أعرف… ما هي البلد التالية؟ إلى أين سوف تذهبون بمشيئة الله”..

وقال الشيخ الأوسط: “سوف تكون الصومال هي محطتنا القادمة بإذن الله.. فما رأيك؟”…

وقال النجار لنفسه: قليل البخت يلاقي الصومال في الدعوة!”…

الكاتب

  • الصومال عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان