كانت فأصبحت (6) ثورة أم إنقلاب موسيقي.
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في لقاء جمعني بأحد من كان له دورًا هامًا في ثورة الموسيقي في السبعينات، بادرت بسؤاله عن رأيه فيما حدث للأغنية المصرية بعد عام 1988 وهل يمكن تسميته بثورة موسيقية جديدة أم إنقلاب على ثورتهم الموسيقية، أجابني بأن ماحدث لم يكن ثورة أو أستكمال لما بدأوه بل هو أشبه بمن عاد للخلف مئة خطوة.
كان عام 1988 فاصلًا في تاريخ الأغنية المصرية، نجحت أربعة ألبومات بشكل غير مسبوق في أحداث طفرة في صناعة الكاسيت، النجاح الأهم كان لألبوم “علي حميدة” لولاكي، الألبوم الأكثر مبيعًا في تاريخ موسيقى الجيل وتاريخ صناعة الكاسيت، يأتي خلفه ألبوم “عمرو دياب” ميال الذي شهد ظهور حميد الشاعري لأول مرة معه، وتنافسهم ألبومي “كوكب تاني” مدحت صالح “علي الضحكاية” هاني شاكر المحسوبين على الطرف الآخر من نهر الموسيقى.
المدهش في الأمر هو أن ثلاثة من ضمن تلك الأغنيات الناجحة كانت من ألحان شخص واحد، هو الملحن “سامي الحفناوي” الذي ورزع ألحانه بين عدة تيارات موسيقية مختلفة، و ظهر اختلاف شكل الإخراج الموسيقي لألحانه الذي تنوع بين الإيقاع الراقص في “لولاكي” والكلاسيكي الأوركسترالي في “كوكب تاني” وأتت “علي الضحكاية” كمزيج ما بين الشكلين السابقين.
أما ميال فكان فتحي سلامة يريد استثمار نجاحها في أن يجرب بعدها أشكال جديدة في الأغنية، أثار ذلك حفيظة المنتجين الذين ارتأو أن مادام الشكل ناجح فلما لا نكرره، في نفس الوقت رفع نجاح “لولاكي” أسهم حميد الذي قرر أن يتبنى وجهة نظر المنتجين في تكرار هذا الشكل الناجح، بالإضافة إلي انفراده بنجاح ألبوم “ميال” وحده وهو الأمر الذي أغضب سلامة الذي قرر الابتعاد عن سوق الأغنية مفضلًا التفرغ لفرقته “شرقيات”.
ماذا حدث في شكل الأغنية.
مع ثورة السبعينات الموسيقية كانت الأغنية في الغالب تعتمد في تسجليها على الاّلات موسيقية حية، لكن ومع التطور التكنولوجي الذي حدث في تقنية التسجيلات، قل الاعتماد عليها وهو الاتجاه الذي تبناه حميد الشاعري وسيطر به تمامًا على سوق الأغنية.
أعتبر البعض ما قام به حميد هو ردة إلي الماضي مرة أخرى ولكن بشكل متطور تكنولوجيًا أكثر، ففي السابق كانت الأغنية تسير تحت سيطرة المونوفونيك وتوحيد النغم المصاحب لأداء المطرب، والشكل الذي قدمه حميد أفرغ الأغنية موسيقيا بشكل كبير فلم نعد نري الاّلات حية في أغلب الأغنيات ولم يعتمد على خطوط هارمونية موازية للحن الأساسي بل مجرد إيقاعات سريعة لاهثة تصاحب صوت المطرب، وابتعدت الألحان عن التطريب بجمل موسيقية خفيفة لا تحتوي على نقلات مقامية مرهقة للمطرب، والكارثة الأكبر كانت في ظهور العديد من الأصوات الغنائية التي اثارت الجدل وبدأ مصطلح المؤدي بديلًا للمطرب، ورغم النجاح الجماهيري الكبير إلا أن تلك الموجة لم تسلم من هجوم النقاد والصحفيين وبدأت تطال حميد إتهامات بإفساد الذوق العام، وسط تحريض العديد من الفنانين الجالسين دون عمل وإستخدامه التكنولوجيا الحديثة التي قللت من الإستعانة بالعازفين، لكن رغم كل ذلك لم يثني هذا الهجوم شركات الإنتاج من مواصلة الإستعانة بحميد للإشراف على البومات المطربين بل قدم اكتشافاته الجديدة مثل “إيهاب توفيق” و”مصطفى قمر” و”هشام عباس”حكيم”
عاد المشهد الغنائي في أوائل التسعينات لكي ينقسم على نفسه مرة أخرى، الجيل القديم لملم أوراقه بعد رحيل “عبد الوهاب” بليغ حمدي” واتخذ بعضًا منهم موقع المهاجم لتلك الموجة الجديدة من الأغنية مثل كمال الطويل وحلمي بكر،بل ودخل معهم نفس الخندق بعض المطربين المحسوبين على ثورة الموسيقى في السبعينات مثل “محمد منير” الذي رفض التعاون مع حميد، وعلى الحجار الذي نصب نفسه وريثًا شرعيًا للأغنية الطربية، وسارت الأغنية المصرية تتأرجح بين طرفي نهر كل طرف ينتهج شكلًا مغايرًا عن الاّخر.
تحمل حميد الشاعري وحدة مسئولية سجن الأغنية المصرية في خانة المقسوم الراقص، ولكن لم يقف البعض لكي يهاجم هوس المنتجون بالنجاح السريع ولو على حساب جودة الأغنية المقدمة، و حميد نفسه كان يصنع أغنية مغايرة في ألبوماته الشخصية تتنوع فيها الإيقاعات والأشكال الموسيقية، لكن كان عليه أن يدفع الثمن فقامت نقابة المهن الموسيقية بإيقافه عن العمل في أوائل التسعينات.
في الجزء التالي “الأخير” هل وصلت الأغنية المصرية إلي العالمية
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال