“كبدة زبادي” .. لماذا ينجذب الرجل المصري لـ “الشعبي” ؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
باتت كلمتي كبدة زبادي الأكثر تداولاً في الكام ساعة الأخيرة حين انتشرت صورة للفنانة مروة الأزلي صورة لها من فيلم صندوق الدنيا بشخصية “زبادي” وهي شخصية في هيئة فتاة شعبية ترتدي عباءة خضراء بسيطة ومنديل رأس وتقف على عربة كبدة، إلى الآن نحن أمام لقطة “عادية” ليست بها أيًا من عوامل الإثارة المطلوبة لتكوين “تريند”.
كبدة زبادي على فيس بوك
لكن المفاجأة أن ماسورة شير لهذه الصورة قد انفتحت وتدفقت بلا توقف ، مصحوبة بعبارات الإطراء، والإعجاب، والإنبهار أحيانًا بمدى جمال هذه المرأة ، ومدى إغرائها وإثارتها ، وهو الأمر الذي يجعلك تتسمر من الدهشة ، ما الجديد في هذه المرأة يا جماعة؟ عباءة خضراء ومنديل رأس؟ لا يوجد أبسط من ذلك ! السؤال الذي بادر أحد أصدقائي من نادي الأربعين بالإجابة عنه ملخصًا كل هذا في كلمة واحدة : “كيف الرجل المصري”
والحقيقة أن الرجل لم يكذب .. فالرجل المصري سواء أكان معلمًا أو سباكًا أو طيارًا أو صحفيًا أو طبيبًا أو مهندسًا لم يجتمع على رأي إلا في “العود” الذي يفضله .. الشعبي مهما تغيرت الأوضاع يظل في الصدارة ، مهما ظهر من تقاليع الموضة الجديدة ، مهما غلى من بيرفيوم ، مهما تناسقف الألوان ، وأصبحت الأحذية من ماركات عالمية ، يظل الشعبي في صدارة المشهد .. وأنا أظن أن ترسيخ هذه الفكرة جاء نتاج عدة عوامل
ما قبل زمن كبدة زبادي .. ميراث الأم
في زمن ماضي ليس بالبعيد ، وبقى منه بعض العادات إلى الآن ، كان أحد مقاييس جمال عروس ابنها “الوزن” ، لم تكن النحيفة تملئ عين الأم بالشكل الكفي ، وكانت تطلق عليها “المقفّعة” ، والمقفّعة لفظ يطق على المرأة التي تشبه عود القصب تقريبًا ، وفي الأغلب لم تكن تتم الجوازة نظرًا لأن النحيفة – من وجهة نظر أم العريس- غير قادرة على القيام بالمجهود اللازم لمراعاة الرجل والبيت والأبناء ، كما أن للأم أغراض غير ذلك تتعلق بأشياء أخرى نحن في غنى عن ذكرها ، وهذه أحد العوامل التي رسّخت عند الرجل المصري فكرة تفضيل الاستايل الشعبي ، ذلك لأن “الشعبية” عمومًا لا تهتم بالقوام الرياضي ، لكنها تترك فطرة التطور كما هي ، لذلك فإن النحافة لا تعرف طريقًا للقوام الشعبي ، وهنا اشترك القوام المثالي في عين الأمهات ، للقوام المثالي في عين أبنائهم
متلازمة “روقه”
أظن أني لم أرى بوست متكرر منذ نشأة الفيس بوك حتى الآن كبوستات تغزل الرجال في شخصية “روقا” بفيلم العار ، تلك المرأة كثيفة الألوان ، فاقعة الميك أب، متبهرجة الشكل والأداء ، لكي تعجب زوجها تاجر المخدرات ، والحقيقة أن هذا النموذج من المرأة لم يظهر منه في الفيلم إلا الجانب الواحد ، المطيع ، الهادئ، الذي يرص الشيشة باحتراف ، ويضحي من أجل زوجه في النهاية .. قل لي ما رأيك في إنسان يحرق نفسه من أجلك ، ويرص لك الشيشة بنفس الإتقان ؟ بالتأكيد سيكون جوهرة مجنون من يضيعها .. كل هذا الضغط من البوستات الكثيفة مثل “لوبي” غريب جعل من يعترض عليها معتوهًا بالتأكيد .. وهذه ثاني العوامل التي رسخت لفكرة المرأة الشعبية
الفقر للفقر يميل
ربما ما أكتبه (هيزعل) كثير من الشباب ، لكنها الحقيقة المجردة الوقحة دون عزل مصطلحات الكتابة المقعرة، والأدب العام، والحفاظ على المشاعر ، ولا أحتاج أن أقول لك مصدر المعلومة، فهي من قعر سيكولوجية الشاب المصري ، الذي يرى في (الشعبية) كيف على قد الأيد ، غير مكلفة ، لن تطالبك بفلوس اشتراك النادي ولا بنزين السيارة ولا شراء حذاء ذو كعب طويل ، ربما ستترك تغضب عليها نظرًا لأنها ليس لها ملجأ آخر إلا بيتها ، ربما هي رمزًا للجدعنة والعيش بجنية مثلما تعيش بمليون جنية ، وعلى رأي أحمد حلمي في صايع بحر .. “مش هتيجي تقولك تعالى نتعشى بره” ! وهذا هو العامل الأخير الذي جعل الرجل المصري “توب فان” للمرأة الشعبية !
اقرأ أيضًا
هرموناتي ليست مادة للسخرية
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال