كتاب آيات الرحمن في جهاد الأفغان.. وأسطورة كرامات المجاهدين
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مع اندلاع الحرب الأفغانية السوفييتية التي حظيت بدعمٍ خليجي (سعودي بالتحديد) وبمباركة أمريكية، انتشرت ثقافة كرامات المجاهدين الأفغان التي أثرت في وعي جيلٍ كامل.
فخ كتاب آيات الرحمن في جهاد الأفغان
يشكل كتاب «آيات الرحمن في جهاد الأفغان» نقطة انطلاق لفكرة كرامات المجاهدين، وهو من تأليف عبدالله عزام (1941م – 1989م)، أحد أبرز وجوه جماعة الإخوان في الأردن، وفاعل رئيسي في الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، وحظي الكتاب، الذي صدر عام 1985م عن دار المجتمع للنشر والتوزيع في جدة بالمملكة العربية السعودية، بجدل واسع في الأوساط الإسلامية، وشهرة لافتة في العالم العربي.
تمت مناقشة الكتاب في برنامج «فتاوى نور على الدرب» عبر الإذاعة السعودية، وقدم الشيخ عبدالعزيز بن باز (1912م – 1999م) رأيه فيه «أنا قرأت الكتاب، وسألت جمًا غفيرًا من المجاهدين وغير المجاهدين، فذكروا بعض هذه الكرامات التي في الكتاب، فهي بين صحيح وبين محتمل، فجملة منها صحيحة ومعروفة وواقعة، وجملة منها قاله بعض المجاهدين وقاله بعض الإخوان؛ فيحتمل أنه واقع، ويحتمل أنه ليس بواقع؛ لأنه ليس كل خبر يكون معتبرًا حتى يخبر به الثقة المضبوط؛ والمقصود أن كرامات الأولياء ثابتة، والمجاهدون في سبيل الله من أفضل عباد الله الصالحين إذا أخلصوا لله وصدقوا في الجهاد، وهم من أولياء الله؛ فكراماتهم يقينية ليس فيها شك، وقد وقع هذا للصحابة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ووقع لمن بعدهم من أولياء الله المؤمنين إلى يومنا هذا».
وتابع مفتي السعودية رأيه في الكتاب قائلاً «المجاهدون الأفغان جهادهم عظيم وجهادهم من الجهاد في سبيل الله، وهو جهاد لأكفر الدول وأقبحها وأشنعها، وهي لدولة الشيوعية دولة السوفيت، هذه الدولة أكفر الدول، وأشدها خطرًا على المسلمين، نسأل الله العافية، جهاد الأفغان من أفضل الجهاد، ومعاونتهم من أفضل المعاونة، والواجب على المسلمين أن يساعدوهم في كل شيء».[1]
عبدالله عزام يرد على منتقديه
لم يكن كتاب “آيات الرحمن في جهاد الأفغان” بمنأى عن الانتقادات التي دفعت مؤلفه، مع الطبعة الثانية، إلى تليين الموقف من قدسية جهاد الأفغان، حيث دعا إلى تبني الموضوعية، وتنصل من بعض القصص إذ قال: «هذا الشعب فيه الصالح وفيه مَن دون ذلك، وفيه نقائص البشر وضعفهم، فمنهم المبتدع ومنهم الكاذب والجاسوس والسارق والمدخن والمتعاطي بالحشيش».[2]
استمرت قصص المجاهدين الأفغان تتردد في الأوساط المختلفة، حتى أصدر د. عصام دراز (1944م – 2019م) كتابه «العائدون من أفغانستان – ما لهم وما عليهم»[3]، وهو أحد الذين رافقوا أسامة بن لادن، وخصص فصلاً بعنوان «الكرامات وسلبيات التواجد العربي»، قال فيه «اختلفت مع الشهيد الدكتور عبد الله عزام في هذا الموضوع وبدأت بجهد ذاتي أبحث عن الحقيقة بحياد وإخلاص، وأستطيع أن أقول إنّني وصلت إلى نتيجة خطيرة وهي أن موضوع الكرامات في أفغانستان هو صناعة عربيّة وإذا كان قد حدثت بعض الكرامات والله قادر على كل شيء فهذا شيء مختلف تماما عمّا ذكره الشّهيد عبد الله عزام في كتابه».[4]
واتهم عصام دراز كتابه “آيات الرحمن في جهاد الأفغان” بالكذب قائلًا «جلست مع مجاهدين تحدّث عنهم عبد الله عزام وجلست مع مجاهدين عاشوا في جبهات القتال سنوات طويلة، وكلّهم دون استثناء واحد قرروا أن ما ذكر في كتاب آيات الرحمن كان ضربًا من ضروب المبالغة وأن بعضهم راجع الدكتور عبد الله عزام في هذا الأمر وهناك من ناقشوه وعاتبوه على هذا الكتاب، بل هناك من اختلف معه بشدة إلا أن الشهيد عبد الله عزام وهو أكثر واحد كان يعرف أن معظم ما كتبه فيه مبالغة ومعظمه لم يحدث أصلاً، يرى أن المبالغة مطلوبة لكي يحبّب الناس في الجهاد الأفغاني ونجح هذا الشق وهو تحبيب الناس في الجهاد الأفغاني وبالتالي دعمه بالمال، ولقد أطلق بعض الشباب المجاهدين على موضوع الكرامات بأنّه أعظم فكرة لجمع التبرعات فهو مشروع مالي ناجح، وللأمانة والتاريخ أقول لقد قمت باستقصاء عن الموضوع بنفسي والتقيت بأكثر من 100 مجاهد عربي وأفغاني وسألتهم سؤالاً واحدًا: هل شاهدت كرامات في أفغانستان؟، كانت الإجابة بنسبة 100% أنّهم لم يشاهدوا ولكنهم سمعوا مجرد سماع، الكل سمع ولا أحد شاهد، وكانت نتيجة العملية الخطيرة هو تصور الشباب العربي القادم إلى أفغانستان، بأنهم سيشاهدون بالعين المجرّدة الملائكة وهم يقاتلون والقبور تضيء وأنهار المسك والطيور التي تأتي تحت أجنحة الطائرات؛ وكانت النتيجة الخطيرة التالية: اعتقد الشباب العربي أنّه ذاهب إلى المجاهدين الأفغان الذين سينقلونه إلى عصر ظهور الإسلام ويلتقون بمستوى رجال على مستوى الصّحابة وفي مصافّ الملائكة ولهذا كانت الصّدمة ثمّ الصّدام فقد وجدوا المجاهدين الأفغان بشرًا بكل معنى الكلمة فيهم كلّ عيوب البشر وحسناتهم».
خاتمة
لتنتهي الحرب الأفغانية السوفيتية، ومن بعدها الحرب الباردة بين السوفييت والأمريكان.. ويعلن الاتحاد السوفييتي حل نفسه، وتنتقل السياسة العالمية من مربع صراع القطبين إلى مربع القطب الأوحد، تغيير كل شئ.. لكن بقيت أفغانستان تعاني ويلات الحروب والدمار.. وبقيت العقلية العربية مؤمنة بتلك الخرافات.. أو الكرامات.
[1] عبدالعزيز بن باز، فتاوى نور على الدرب (877)، موقع إسلام ويب، (د.ت)
[2] عبدالله عزام، آيات الرحمن في جهاد الأفغان، ط/2، مكتبة المنار، الزرقاء – الأردن، 1407هـ / 1987م، ص30.
[3] عصام دراز، العائدون من أفانستان .. مالهم وما عليهم، ط/1، الدار المصرية للنشر، القاهرة – مصر، 1993م.
[4] المرجع السابق، ص ص42-43 (نسخة الكترونية على موقع أرشيف)
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال