كرهها عمر و أجازها عليّ.. حقيقة الخلاف في عملية تدوين الحديث الشريف
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
هناك سؤلًا يظلّ دائم الحضور عبر الأزمان وباختلاف الأجيال، هذا السؤال يترتب عليه جدلًا واسعًا في عملية التشريع الإسلامي واستنباط الأحكام الشرعية، وهو: لماذا تأخر تدوين الحديث إلى زمن البخاري؟، وبعبارة أخرى هل عاش المسلمون طوال قرنين من الزمن دون حديث؟ إذا لماذا تُفرض علينا أحاديث البخاري اليوم وأصبحت جزءً من التشريع؟.
الحقيقة أن السؤالين في قمة السذاجة، ذلك أن العمل بالسنة النبوية الشريفة لا يحتاج إلى وجود الأحاديث الجامعة أو صحيح البخاري، فضلًا عن أن الصدر الأول من الإسلام كان يعيش فيه صحابة النبي، وهم أولئك الذين عاشوا وتعلموا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يعيشون بفعل وقول النبي سلوكًا وحفظًا، أمّا التابعين فقد تأثروا بسلوكيات النبي، فضلًا عن الصحف التي دونها بعض من صحابة رسول الله، إلى جانب جهود الحفظ الشفهي الذي اُشتهر به العرب في علومهم شتى.
هل رفض النبي صلى الله عليه وسلم عدم تدوين الحديث على وجه الإجزام
في صدر الإسلام، كانت عملية تدوين الحديث الشريف عملية نادرة، إذ نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كتابة الحديث في بداية الأمر، فعن أبي سعيد الخدري أن الرسول (ص) قال :” لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج”. لم يفهم الصحابة رضوان الله عليهم حقيقة النهي الذي قاله رسول الله، هل هو نهي على وجه الإجزام أم ماذا أراد النبي بهذا النهي .
كان بين الصحابة عندما قال النبي (ص) اختلاف كبير في كتابة ما ورد عن النبي، فكرهها كثيرون أمثال، عمر بن الخطاب وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وغيرهم، وأجازها أكثرهم أمثال علي بن أبي طالب وأنس بن مالك، وعبد الله بن عمرو، ويمكن تقريب المسألة بالحجج الذي ذكرها كل فريق في تلك المسألة.
الفريق الأول : استند الفريق الأول الذي كره كتابة الحديث الشريف قول النبي الصريح : “لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه”.
الفريق الثاني: استند الفريق الثاني الذي أجاز كتابة الحديث، يستند إلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي شاه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما فتح الله على رسول الله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلّط عليها رسول الله والمؤمنين فإنها لا تحل لأحد قبلي، وإنها أُحلت لي ساعة من نهار ولإنها لا تحل لأحد بعدي فلا يُنفّر صيدها ولا يُختلى شوكها ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد ومن قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفدى وإما أن يُقيد فقال العباس إلا الْإِذْخِرَ فإنا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول اللخ صلى الله عليه وسلم إلا الْإِذْخِرَ فقال أبو شاه رجل من أهل اليمن :” اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله : اكتبوا لأبي شاه””، وكانت الاستفادة من قوله اكتبوا لأبي شاه أن النبي أذن بكتابة الحديث.
دليل عقلي
إن الاستناد على الأدلة العقلية في هذه المسألة ضرورية للوقوف على طبيعة النهي الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ذكره أبي سعيد الخدري، ثم الإذن والإباحة بكتابة الحديث في رواية أبي هريرة، هي وجود مخطوطات ثابته عن بعض الصحابة كُتبت في زمن النبي، ومنها صحيفة الصحابي” عبد الله بن عمرو ابن العاص” والمعروفة في علم الحديث باسم” الصادقة في الحديث”، فلا يتصور أن يكون كتب “عبدالله” كل هذه الأحاديث دون أن يعلم عنه النبي شيئًا،كذلك وجود صحيفة الصحابي جابر بن عبد الله، والصحيفة الأهم صحيفة الصحابي: نبيط بن شريط الأشجعي” فهذه الصحيفة مخطوط في الظاهرية (حديث 279)، والقاهرة (حديث 1557). وجزء منها في مسند أحمد، هذا كله إن يدل على صحة ما فهموه وأن هذا النهي لم يكن على وجه الحتم أو على وجه الإطلاق بل كان النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، أو ينصرف الناس لكتابة الحديث دون القرآن أو جمعهما معًا في صحيفة واحدة.
تدوين الحديث وطرق جمعه في صدر الإسلام
إذًا كان هناك تدوين وإن كان قليلًا بين فترة وأخرى ومن فرد إلى فرد طيلة القرن الأول الهجري حتى كاد ينصرم. ولمّا ولي الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز سنة ٩٩ من الهجرة أمر عُماله على الأمصار بجمع الحديث وتدوينه، فأمر عامله على المدينة أبي بكر بن محمد التيمي القرشي جمع الحديث وتدوينه، فكتب إليه قائلًا :”انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء”، كذلك “الزهري”، فكان عمر بن عبد العزيز يأمر جلساءه أن يذهبوا إليه لأنه لم يبق على وجه الأرض أحد أعلم بالسنة منه.
كانت طريقة الكتابة في الزمن الأول كأي شيء يُشرع فيه، وكان كل شيء يُبتدع على غير ترتيب فتجد الرجل يدون لك ما آثره ومجمعه بإسناد فقد تجد الحديث الأول في الصلاة، الذي يتلوه في التفسير وآخر في البيع ثم الطهارة الخ.. فكان الحديث غير مُرتب أو مبوب لأن غرضه الجمع هكذا كان الجمع الأول .
في أواسط القرن الثاني، ظهر أقوام فألفوا جوامع صنفوها عن أبواب، وهؤلاء الأقوام كانوا في زمن متقارب فلا يُدرى أول من وضع، وهناك من يزعم أن الإمام مالك هو أول من وضع علم الحديث في موطأه لكن لا يستطيع الجزم به. يقول السيوطي ـ رحمه الله ـ في ألفيته :
أول جامع الحديث والأثر ** ابن شهاب آمراً له عمر
وأول الجامع للأبواب ** جماعة فى العصر ذو اقتراب
كابن جريج وهشيم مالك ** ومعمر وولد المبارك
لم يهتم أصحاب الجوامع بالتصحيح ولم يجعلوه غرضًا لهم فكان غرضهم في هذا الوقت هو الترتيب والتبويب، إلى أن جاء الإمام ” البخاري” فصنف فيه كتابه الذي يشترط فيه الصحيح من الحديث.
وقد ورد في الأثر أن همة البخاري في جمع الأحاديث الصحيحة في كتاب واحد سببان؛ السبب الأول ما يرويه الخطيب البغدادي بإسناده إلى إبراهيم بن عقيل الحنفي قال:” قال البخاري كنا في مجلس إسحاق بن راهوية فقال لو أن أحدًا وضع كتابًا لصحيح سنة رسول الله!، قال البخاري: فوقع ذلك في قلبي فكان هذا سببًا ليضع الأحاديث الصحيحة في كتاب واحد”، هذا الوقت كانت بكورة لم يسبق لمثلها أحدًا إذا وضع هذا فجعلها في نفسه.
والسبب الثاني رؤى البخاري، فيروي ابن حجر قال:” سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول رأيت كأنني واقف بين يدي رسول الله وبيدي مروحة أذب عنه بها، فسألت بعض المعبرين فقالوا أنت تذب عنه الكذب فهذا الذي دعاني أن أضع الجامع الصحيح”.
استمر “البخاري”يؤلف كتابه مدة طويله كانت قرابة ١٦ سنة ليصحح 2600 حديث . قال النووي ” روي من جهات ثابتة” وقال الذهبي “روى من وجهين ثابتين” وعن البخاري أنه قال:” ألفت هذا الجامع الصحيح من 600 ألف حديث في 16 سنة”. وهذا المدة الطويلة وهذا الانتخاب كان له فيها طريقة عجيبة يمكننا الحديث عنها في مقال لاحق، لكن هذا جزء مما قيل عن طريقته:
يروي الخطيب البغدادي بإسناده قال كنت عند البخاري ذات ليلة فأحصيت البخاري يقوم ويسرج 18 مرة، في حين يقول “الأوراق”:”كنت مع البخاري في السفر فكان يسرج ويعلق ما بين عشرة إلى عشرين مرة” يقول عن نفسه أنه ما وضعت حديثًا في الصحيح إلا بعد أن أغتسل وأصلي ركعتين، عزيز القارئ لا تظن أن الشيء لا يأتي من اللاشيء! تدوين الحديث عملية مستمرة منذ عهد النبوة إلى أن أصبحت علمًا كاملًا له مكوناته وأجزاءه وعلماءه
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال