كسوة الشتاء .. حِسبة الأسرة المصرية منذ عقود!
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
وصل الشتاء كعادته، حيث زادت مظاهره بعد عصر السوشيال ميديا، الجميع ينشر مقاطع من أغاني فيروز، و”ريلز” القهوة التي تصب إحدى الحسناوات خيطًا ساخنًا منها على الشيكولاته في فنجانًا من الفخار الذي يرفع لديك الرغبة حتى تتمنهى لو التهمته التهامًا .. ويثير الشتاء في حد ذاته معركة ضارية على السوشيال ميديا .. معركة عمرها وصل لعقد من الزمان تقريبًا حيث حزب الصيف الكارهين للشتاء يدخل بسلاح تعديد مشاكل الشتاء بينما يدافع أعضاء حزب الشتاء عن الفصل المفُضّل لديهم .. بين هذا وذاك لا يخلو الجو من المعالجة الساخرة لأسعار ملابس الشتاء المرتفعة دائمًا .. حيث كان نفس التريند على صفحات الجرائد المصرية قبل 30 عامًا تقريبًا، وبالتحديد عام 1994، حيث نزل محرر جريدة “الأحرار” لشارع قصر النيل، يسأل عن أسعار ملابس الشتاء ويتابع ردود أفعال الناس عن هذه الأسعار، وتحديدًا ردود أفعال الأمهات اللائي نزلن يشترين لأطفالهم “كسوة الشتاء”، وهذا مصطلح مصري شهير لأن الكتلة الأكبر من الأسر المصرية –قبل عصر السوشيال ميديا و”الأوت فيت” – كانت تنزل لمحلات الملابس مرتين فقط في العام، مرة في الصيف وأخرى في الشتاء.
في يوم 12 ديسمبر 1994 ، دق الشتاء الأبواب في مصر، وبدت تباشير البرودة والأمطار، ومعها الأسرة المصرية تستعد لشراء “كسوة الشتاء” .. الكل يمسك بالورقة والقلم محاولًا تدبير حاله .. ولكن يقع الجميع في “حسبة برما” وتبدأ الشكوى من أسعار الملابس الشتوية المشتعلة، وتتعالى الأصوات متهمة التجار بالمغالاة، فقد وصل سعر البلوفر الشتوي العادي إلى 250 جنيهًا حتى بدا أن نار أسعار ملابس الشتاء هذا العام أشد قسوة من برودته .. ولعل مجرد تفكير الأسرة المصرية في شراء كسوة الشتاء معادلة صعبة ومأزق خطير فكيف تخرج الأسرة منه.
قد تجد محلين لبيع الملابس، متلاصقين والأسعار متفاوتة بينهما مع إن المنتج واحد والخامة أيضًا، وهذا يشكّك المواطن ويجعله يحجم عن الشراء وقد اشترى أحد المواطنين بلوفر جديد، ويقول : اشتريت هذا البلوفر بـ 175 جنيهًا، ويعتبر هذا متوسطًا بالنسبة للأسعار التي رصدتها في المحلات .. حيث رأيت قطع تصل لـ 300 جنية ! .. فقد اشتريت قميص منذ 3 سنوات، كان ثمنه 20 جنيهًا، واشتريت مثله اليوم، تخيلوا وصل إلى 80 جنية ! .. حقًا إنها أسعار خرافية !
وفي شارع قصر النيل وبجانب أحد المحلات تقف ثلاثة من الأمهات الشابات يمسكن بأطفالهن وبعد نظرة تأمل طويلة إلى الفاترينة انتقلن في صمت إلى المحل المجاور دون أن يلتفتن إلى كلمات البائع التي تدعوهن إلى الدخول وتعلن عن جودة بضاعته المعروضة ويتكرر المشهد مرارًا .. فإعراضهن مازال مستمرًا والدعوة مازالت مفتوحة والأطفال يتساءلون في دهشة عن سر عدم شراء الملابس التي نالت الكثير من إعجابهم، حيث اقترب محرر “الأحرار” منهم ليسمع سؤال الأطفال المتوسل للأمهات، فكانت إجابتة واحدة من الأمهات : الأسعار غالية يا حبيبي ليس بمقدورنا شراء بلوفر المفروض أنه للأطفال لكن سعره يصل إلى 65 جنية!
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال