كلام يليق بوجود غرباء
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد
الهمس فى الجماعات مؤرق، و الكلمات التي ترفع حجاب الصمت و الصوت المنخفض تترك وراءها شكوك تكفي لشن حروب كثيرة.
من أين ينبت سوء الظن؟
تتكدس القلوب بالضغائن الصغيرة، وتنشغل النفوس بتأويل الهمس والصمت فى اللقاءات، سوف تظهر علامات استفهام فى رأس احدهم لماذا يُخفض فلان صوته وهو يتحدث، أو بأي شيء تهمس فلانة؟ ثم يتطوع العقل باستكمال مكان النقط، واقتراح اجابات الأسئلة.
تأتي الاجابات مشابهة لأفكار صاحبها فى تلك الفترة، البعض محمل بالأسي، والبعض تعثر فى أحاديث مثبطة، والبعض تعرض لوشايات، وكثيرة هي الخبرات السيئة.
الفرضية الأولى أن الهمس والأحاديث الجانبية فعل يليق بالتآمر
فى الأنشطة الاجتماعية أو حتي فى أماكن العمل والتجمعات، لا تستوي العلاقات بين الأفراد بنفس الدرجة، الأمر يخضع لتفاصيل كثيرة، الكيميا والتوافق، الراحة النفسية والثقة، المصالح، مسارات اخرى عديدة تُقرب بين البعض بينما تباعد بينهم وبين آخرين، قد تكون درجات القرب متفاوتة بدرجات صغيرة، فيرى جميع الأفراد أنهم علي نفس درجة القرب وهذا أمر غير صحيح،هناك دومًا متغيرات، فحتي العلاقة بين اثنين لا تظل بنفس درجة القرب لفترة زمنية طويلة، بل تمر بفترات قرب مبالغ فيها، وفترات متوسطة وفترات لا يلتفت فيه أحدهما للآخر.
نابليون الثالث.. أول رئيس للجمهورية الفرنسية خلق أزمة سياسية مع مصر ليتربح من قناة السويس
لكن الظن بأن الجميع مقربون يصنع أول الحفر التي نسقط فيها في العلاقات بيننا، فأول الاجابات التي تظهر فى مشاهد التهامس أنه لابد هناك شيء يريداه اخفاءه، وحين نضع فى معاملات التفكير أن هناك دوما صغائر وخلافات واختلافات فى وجهات النظر، ومواقف صغيرة من الضيق لا يتم تصفيتها، سيكون صاحب التساؤل أول ضحايا المؤامرة المتخيلة من جانبه، وعلى الفور سوف يتم شحذ أفكاره وحواسه لاستكمال مسيرة التكهنات حول المؤامرة، وهذه فرضية تليق بالأصدقاء أو الجماعات التي يجمع بينها عمل أو مصالح.
الفرضية الثانية الهمس والضحك كإشارة للسخرية… ونميمة ضد شخص
تاريخ البشرية ملئ بالوشايات، والعلاقات التي فسدت عقب نميمة، أو حسد، ولذلك بات احساسًا أصيلًا لدى غالبيتنا أن يشعر بالقلق من جماعته ورفقته، حتى لو خفت حدة القلق والتوتر، أو زادت كلها مؤشرات تعتمد على حالة صاحبها فى تلك اللحظة، ولأن الإرث كبير، ولأن ذات الشخص الذي يُفكر فى حديث آخرين بشكل منفصل هو نفسه قد فعل ذلك، هو نفسه تحدث عن آخرين وسخر منهم، وصنع نميمته الخاصة، بات طبيعيًا أن يتوقع أنه الآن الضحية التي يأكلون لحمها.
كثير من ظنونا مصدره أننا فعلناها من قبل، حتى لو مرة واحدة، أو أننا شاركنا فيها بقدر، وكثير من مخاوفنا مصدره وعينا بالحفر والصعاب التي قد تنتج أو نتورط فيها لو أكملنا نفس الطريق.
دليل شراء الهاتف الذكي الحلقة الثالثة .. كيفية فهم معالجات الهواتف الذكية
الغالبية شاركت فى الوشاية، فى النميمة، وفى التآمر حتي لو كان بغرض لُعبة كأطفال وكبرت معنا تلك الممارسات، وكل حسب أرضه وما يغرسه، هناك من تجاوز، ولا يهتم، وهناك من يرى ويحترس لكنه لا يعطي الأمور أكبر من حجمها، وهناك من يري ويُعيد التأويل وهناك من يصنع الوحش.
فرضيات كثيرة يمكن أن نتحدث حولها، ونضع لائحة طويلة، لكن النتيجة ستكون فى نقطتين الأولى حين تكون طرفًا فى لقاء ابتعد عن الهمس والأحاديث الجانبية، وإن كان لديك أمر تريد مناقشته اجعله فى لقاء مستقل قدر الامكان، وإن طرحته فى لقاء فاحرص ألا يبدو كلامك كأنه همس.
حكاية التدين الشعبي في مصر .. ورثه العوام من مشايخ السلفية المعاصرة
النتيجة الثانية حين تكون فى لقاء جماعي لا تراقب، ولا تدخل فى أحاديث حميمة تخص علاقاتك بشخص محدد، فهذا يعطي اشارات متبادلة بينكما تُثير القلق لدي السامعين.
حين تكون فى لقاء جماعي تعامل أنك مع غرباء واجعل اللقاء فيما صُنع لأجله، إذا كان ترفيهيًا لا تُعقده، وتصنع القضايا الكبرى، وتغرس ظنونك واحتمالات التآمر، وإذا كان اجتماعيًا اسع للقرب ولا تبني أسوار البعد بالأفكار عن ماذا يقول الآخرين، فأنت لن تقف لتسأل ماذا يقول الغرباء لكنك ستمضي فى طريقك.
الكاتب
-
عزة سلطان
كاتب نجم جديد