كلمة شيخ الأزهر تعيد صراع السلفيين والأشاعرة للواجهة
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
كلمة شيخ الأزهر، الشيخ أحمد الطيب، هي كلمة بروتوكولية روتينية في توقيتها، بمناسبة مولد النبي، سياسية في مُجملها العام.. نجح خلالها في إلقاء الضوء على جرايم الحرب والمجازر الواقعة في حق الشعب الفلسطيني المُبتلى، ذلك عبر ترديد كلاشيهات تخالف كثير من الروايات المكتوبة بأقلام المؤرخين العرب والمسلمين.
لكن أبرز فقرة في الكلمة وأكترها إيجابية هي أكتر فقرة أثارت الجدل عند الناس، وده لإن كان فيها مساحة من التسامح من خلال النهي عن التناطح بين الناس على أساس الإنتماء الديني.
التسامح مالهوش زبون
التأكيد خلال كلمة شيخ الأزهر على أهمية عدم انخراط المؤمنين، على اختلاف ديناتهم، في المقارنة بين الأنبيا والديانات اللي بيتبعوها وإن كل واحد يُعلي من شأن نبيه ودينه على حساب أديان وأنبيت المؤمنين التانيين؛ الكلام ده مالاقش هوى عند كتير من المسلمين، زي ما هو ظاهر في التعليقات على الفيديو هنا.
غضبة الناس دي سببها حالة الاستقطاب الديني المنتشرة في الجو بفضل هيمنة السلفيين، المتمكنيين من المجتمع على مدار حوالي نُص قرن (عُمر مشروع الصحوة الإسلامية)، والطريف في المشروع ده إنه خلق حالة من الهدنة بين الأزاهرة أتباع المذهب الأشعري والسلفيين أتباع المذهب السلفي. هدنة من غير حل حقيقي لأعماق الخلافات الدينية بينهم.. خلافات بدأت من زماااااااااااااااان.
الفريقين
باديء ذي بدء مهم نعرف إن الأزهر كمؤسسة لها مذهب عقدي رسمي متبنياه اسمه المذهب الإشعري، نسبة لمؤسسه الشيخ أبو الحسن الأشعري (873 – 936 م) وهو أحد كبار المتكلمين.
أما بقى المذهب السلفي فصعب تعيين حدوده بشكل واضح وقاطع، فأنصاره بيردوه للنبي شخصيا.. باعتبار إن كل الفرق التانية دي ليها مشايخ محددين لكن همه السورس ذات نفسه، في حين إن العاقلين منهم بيردوه للإمام أحمد بن حنبل (780 – 855م) بوصفه أبرز الاسماء اللي صمدت في الفتنة الصغرى “مسألة خلق القرآن”.
لكن في الوقت نفسه بيعلنوا تبجيلهم لأسماء لاحقة على الإمام ابن حنبل وأهمهم ابن تيمية (1263 – 1328م) ومحمد بن عبد الوهاب (1703 – 1792م)، والإتنين دول تحديدا خصوم السلفية بيركزوا على تعريف المذهب السلفي بيهم.
الصراع على اللقب
بين الأشاعرة والسلفية صراع تاريخي على احتكار لقب “أهل السنة والجماعة“، والصراع ده مش الخلاف الوحيد بين الفرقتين، الجماعتين دول بينهم خلافات فقهية كبيرة أشهرها الخلاف حوالين فهم أسماء الله وصفاته.
كان بودي هنا أضمن فيديو يشرح الخلاف بين الفرقتين بشكل حيادي؛ لكن وللنقص الحاد في الحياد بالمادة المتاحة بالعربي أو باللغات المحلية فهاضطر أضيف فيديوهين ورا بعض، بواقع فيديو لكل فريق.
الخلاف بين الفريقين ولإنه عقدي، يعني خلاف في العقيدة، فالفريقين بيشككوا في صحة إيمان بعض ويتهموا بعضهم بالابتداع.
فمثلا في كتاب شرح الحموية، لعبد الرحيم السلمي، نلاقاه مضمن على لسان ابن تيمية جملة بيهاجم فيها المتكلمين عموما: “المتكلمون: مصطلح عرفي لكل من تكلم في الدين بغير طريق المرسلين”، ثم الكاتب بيشرح التعريف “(مصطلح عرفي) يعني أنه لغوي لا شرعي، وإنما هو عرفي تعارف عليه أصحاب هذه الأفكار وغيرهم، على أن هذه الطائفة التي لها هذه السمات ولها هذه الطبيعة يسمون بالمتكلمين، وهم الذين يتكلمون في قضايا الدين بغير طريق المرسلين، ويمكن أن نضيف إليها: بالأسلوب الجدلي العقلي”.
فالأشاعرة طبعًا مايسكتوش؛ فيطلعوا من كتب ابن تيمية كلام على لسانه يدينه ويقول إنه راجل درويش وكان فاضله تَكّْة ويقول “أنا أبو خطوة”، ما لما يحكي إنه كان مسجون بس في نفس الوقت كان فيه جني بيحبه (حب بريء) فبيروح للأعداء في هيئته وينتحل شخصيته يعاملهم زي ما ابن تيمية الحقيقي كان بيعمل؛ دي حاجة تفتح باب الشك في باقي كلامه.
الموضوع مش بس في العصور القديمة إنما قائم لحد النهارده عادي جدًا، فتلاقي إن السلفية يقولوا على الأشاعرة مبتدعين “أهل بدع.. وكل بدعة ضلالة”.
أما الأشاعرة فيردوا بأن السلفية خوارج العصر الحديث.
التحالف المؤقت
على مدار أربعين سنة وأكتر، عمر مشروع الصحوة، سكت الفريقين عن خلافاتهم الجوهرية، وأكتفى السلفية في مهاجمة الأزهرية بالتشكيك في ذمتهم عن طريق مصطلح “شيوخ السلطان” بعيد عن فتح الملفات العقائدية والفقهية الصعبة. ومن ناحية تانية اكتفى الأزهر بمهاجمة الإرهاب مع الطناش على التطرف كمرض حقيقي الإرهاب مش أكتر من عرض له، وكلها رُزِقت بشكل أو بأخر وحققت مكاسب سياسية ومجتمعية وطبعا مادية.
فحسب رواية د. محمود جامع، الإخواني المقرب من السادات، في كتابه “عرفت السادات”: فالرئيس السادات كلفه هو وعثمان أحمد عثمان يسافروا السعودية يتفاوضوا مع قيادات الإخوان المسلمين هناك، وفعلا سافروا وتمت الاجتماعات برعاية الملك فيصل بن عبدالعزيز، واتبرع بـ100 مليون دولار للأزهر، دفع منها 40 مليون دولارًا؛ لقيادة حملة ضد الشيوعية والالحاد، وحضر المقابلة دي من القيادات الإخوانية القرضاوي وعبد المنعم مشهور وأحمد العسال.
ختام
اللي أعرفه أني زي ما هاجمت كلمة شيخ الأزهر بمناسبة ليلة القدر من كام سنة ووصفتها بكلمة المندوب السامي القرشي أحب دلوقتي أشيد بكلمته في مولد النبي بتاع السنادي؛ لإنه قال كلام ضد الاستقطاب الديني كواحد من أكتر التفاصيل المدمرة للمجتمعات.
بس اللي ماعرفوش بقى هل إعلان السعودية في ثوبها الجديد إنهاء مشروع الصحوة، وبالتالي وقف تمويله، هيعتبر بمثابة نهاية الهدنة المؤقتة بين الأزهر الأشعري والتيارات السلفية؟ ولا الخلاف راجع للواجهة لإسباب سياسية؟ في كل الأحوال الأزهر موجود والسلفيين موجودين وإحنا قاعدين.. وبنتفرج.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال