كندة علوش .. امرأة من سحاب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
خلق الله كندة علوش من السحاب، تشبه تماما تلك الندف البيضاء التي تمر في السماء، فتمنع الحر وتهبنا المطر، وتشبه موهبتها تلك القدرة المدهشة على النماء التي يهبها المطر للأرض الخصبة.
ولأن لها نصيبا من اسمها، كانت كندة ذلك الحجر الثمين الذي خرج من رحم جبل الموهبة، وكانت متزنة مقفية مليئة بالمعاني كالشاعر الكندي «امرؤ القيس» حين قال : «إذا نَالَ مِنْها نَظَرَة ً رِيعَ قَلْبُهُ كما ذرعت كأس الصبوح المخمر».
خرجت من الشام كما يخرج كل طيب، واستقرت بمصر كما يستقر كل جميل، بملامح وجهها الفينيقية، بتلك الجبهة المرمرية وزوج العيون السومرية، وذلك الأنف المصنوع على عجل للحضارة الكلدانية، والشفاة العربية الأصيلة، وتلك الموهبة التي صنعها «أبولو» إله الفنون والموسيقى والشعر عند الإغريق.
أشرقت كنده في سوريا وسطعت في مصر، وماللشمس بعد الدفأ سوى البقاء بالقرب من تلك الارواح التي عشقت النهار، كما عشقت هي الحق والعدل والثورة.
وربما كانت ابنة سوريا المولودة في دمشق المدينة العريقة التي استمدت منها روحها والتي درست الأدب الفرنسي ثم النقد في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لتعمل كمخرجة مساعدة قبل أن تمثل مع رشا شربتجي في أول أعمالها مسلسل «أشواك ناعمة» لا تعلم أنها تعد نفسها جيدا لتكون فنانة حقيقية في عالم يزخر بمدعي الفن.
ويبدو هذا واضحا للغاية في اخراجها فيلما وثائقيا عن عمال بلادها في لبنان تحت عنوان «في مهب الريح»، لتعطي درسا لا ولم تقصده للفنانين العرب ليتحدوا مع مشاكل بلادهم، يصنعون فنا للترفيه والمتعة ويشاركون أيضا فيما يصنع الأوطان، خاصة عندما تمر تلك الأوطان بفترات تهدد وجودها وهويتها.
شاركت في اكتشاف الوجوه الصاعدة في بلادها سوريا الحبيبة قبل الاستقرار في القاهرة مع حبة القلب عمرو يوسف.
كندة علوش مثال حي للفنان الحقيقي الذي صنع فنا ويشارك في صنع وطن، في زمن صار الفنان فيه مجرد سلعة يتاجر بها منتج من خلال فن وضيع استهلاكي يضيع الهوية ويهبط بالذوق العام.
فنانة تستحق اللقب الذي لا يستحق الكثيرون حمله، تحمل على عاتقها بصحبة رفيق رحلتها هم وطن وهدف حقيقي بتحقيق الذات يحمل في طياته كل تلك المعاني التي ننتظرها من فنانينا حين كانوا يشاركون في صنع الوطن.
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال