لماذا تعثر فيلمًا غنائيًا بصوت أم كلثوم؟…قصة كوكب الشرق (35)
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أهلا بكم أعزائي القراء في الحلقة الخامسة والثلاثين من قصة كوكب الشرق و درة القرن العشرين الآنسة أم كلثوم إبراهيم، وفيها نتحدث عن مشروع فيلم لم يكتمل، كان مقررا أن يحكي سيرة كوكب الشرق أم كلثوم، كذلك نتحدث عن مشروع فيلم كان مقررا أن تقوم أم كلثوم ببطولته الصوتية إلا أنه قد تعثر هو الآخر فلم يخرج للنور.
أم كلثوم ومشروع فيلم “ثومه” الذي لم يكتمل:
لم يكن مسلسل أم كلثوم للكاتب محفوظ عبد الرحمن وإخراج إنعام محمد علي وبطولة الممثلة صابرين هو المحاولة الأولى لعمل فني يحكي قصة وسيرة كوكب الشرق أم كلثوم، فهناك محاولة أخرى سبق وأن مهد لها ولكنها للأسف ظلت أفكارا على الورق فقط، ففي عام 1968م، تبنت المؤسسة العامة للسينما مشروع إنتاج فيلم يحمل اسم “ثومة” وهو (اسم الدلع) الذي كانت والدة أم كلثوم تناديها به، ويحكي سيرتها، وكلفت المؤسسة العامة للسينما الكاتب الكبير المرحوم سعد الدين وهبة بكتابة السيناريو والحوار، وتعاقدت مع المخرج الراحل يوسف شاهين لإخراجه، وبالفعل بدأ المخرج يوسف شاهين في اتخاذ الخطوات الأولى بتصوير حفل أم كلثوم الشهير في صالة مسرح أوليمبيا بباريس، كما قام كذلك بتصوير جزء من حفل آخر أقيم بمدينة طنطا في محافظة الغربية، وكان المبلغ المرصود لإنتاج هذا العمل الفني الكبير نصف مليون جنيه، وهو مبلغ كبير جدا في ذلك الوقت، وبدأ المخرج يوسف شاهين في إعداد الأجزاء التي صورها، وعاد إلى الأرشيف االسينمائي لأم كلثوم، وأعمالها القليلة في التليفزيون، حيث كانت أم كلثوم تكره أن تسلط عليها كاميرات التليفزيون، وإذا حدث وتم التصوير فلابد أن تكون الكاميرا بعيدة عنها وهو ما صعب الأمر بعض الشيء على يوسف شاهين.
وافقت كوكب الشرق أم كلثوم على هذا المشروع وكانت تتيح للمرحوم سعد الدين وهبة الوقت الكافي للجلوس معها والتحاور حول المادة الفيلمية التي ستقدم، وما يلزم لذلك من قصص وحكايات وذكريات وما شابه، كذلك كان المخرج يوسف شاهين يأخذ الممثلات المرشحات لبطولة الفيلم بالمراحل العمرية المختلفة ويذهب بهن إلى أم كلثوم، إلا أن المشروع لم يكتب له ان يكتمل في النهاية، والسبب في ذلك وفقا لكلام المرحوم سعد الدين وهبة هو المخرج يوسف شاهين الذي أصر على أن يشاركه في كتابة سيناريو الفيلم.
وعن ذلك يقول المرحوم سعد الدين وهبة:
قضيت أكثر من خمسة أشهر أتردد على أم كلثوم في فيلتها بحي الزمالك، وذلك بعد أن قرات كل ما كتب عنها منذ اللحظة الأولى التي بدأت فيها الغناء بقريتها طماي الزهايرة، وما جاء عنها في الصحف المصرية والصحف العربية والعالمية، وبعد هذا كله كنت أجلس معها وأتركها تحكي وتتكلم عن حياتها كيفما شاءت، وكانت أم كلثوم تركز على بعض النقاط بإسهاب، وتوجز في البعض الآخر، وعندما انتهيت من كتابة ملخص سيرتها الذاتية في نهاية تلك الجلسات، قرأته لها فأعجبت به وكانت شغوفة لمعرفة ما سوف يتعرض له الفيلم من قصة حياتها وجوانبها المتعدد، إلا أن فيلم ثومة لم يخرج للنور والسبب هو المخرج يوسف شاهين الذي كان مصرا على أن يشترك معي في كتابة السيناريو.
إقرأ أيضًا….حبيبة مسيكة صاحبة أغنية “على سرير النوم دلعني”..قصة جسد جميل التهمته ألسنة النيران
رفض الكاتب سعد الدين وهبة طلب المخرج يوسف شاهين وتصادف في الوقت ذاته أن توقف القطاع العام عن الإنتاج وآل الإنتاج إلى يوسف شاهين ولكنه اختلف مع الورثة فتوقف المشروع كله.
فيلم ثومة ومعلومات لم تخرج للنور:
كان مقررا أن يتناول الفيلم قصة حياة كوكب الشرق بشيء من التفصيل، متضمنا معلومات وحكايات لم يكن يعرفها أحد عن أم كلثوم، وقد روى سعد الدين وهبة أن الفيلم يحكي من خلال قصته الكثير من الأسرار الخافية التي احتفظ بها وحافظ عليها لينفرد بها الفيلم كما سمعها من أم كلثوم نفسها، ومن بين تلك المعلومات، معلومات حول علاقة طلعت باشا حرب بأم كلثوم خاصة في فترة العشرينات والثلاثينات، فطلعت باشا إلى جانب اشتغاله بالاقتصاد كان يهتم بالفن كثيرا، وقد حصل وأعاد المخرج محمد كريم من ألمانيا ليكون فيما بعد واحدا من رواد السينما في مصر، كذلك هو الذي أنتج أول فيلم مثلته أم كلثوم، وكانت صلته بأم كلثوم صلة وثيقة وقوية، فهو الذي اقترح عليها أن تسجل أعمالها على اسطوانات وشجعها على التعاقد مع الشركات المختصة آنذاك، وبالفعل استجابت أم كلثوم وتعاقدت مع الشركة إلا أن الشركة أهملت أغنياتها ووضعتها في الصف الثاني بعد المطربة الكبيرة فتحية أحمد التي كانت تلقب وقتئذ بمطربة القطرين، وذهبت أم كلثوم لطلعت باشا تستشيره في الأمر خصوصا وأن الشركة قد وضعت شرطا جزائيا كبيرا قيمته ألفي جنيها مصريا، فأشار عليها بفسخ العقد فورا وإلا ظلت طيلة حياتها مطربة صف ثاني، وأقرضها المبلغ المطلوب من بنك مصر لتنقذ نفسها من تلك الورطة.
أم كلثوم ومشروع فيلم آخر لم ير النور:
فيلم سميراميس هو ملحمة سينمائية عظيمة كتبها الشاعر الكبير طاهر أبو فاشا في مطلع الستينيات، وكان من المقرر أن تقوم ببطولته كوكب الشرق أم كلثوم، إلا أن هذا المشروع قد تعثر هو الآخر وظل حبرا على ورق بما عد خسارة كبيرة للفن في مصر، وقد جاء في مجلة الكواكب في الثامن من شهر مارس من العام 1966: نجحت المحاولات التي بذلت مع أم كلثوم في السينما لتقوم ببطولة فيلم سميراميس، وقصة الفيلم تتلخص في أن واحدة من الملائكة أحبت رجلا من البشر، ونزلت لتعيش معه على الأرض وحملت منه وأنجبت طفلة صغيرة، فاستحقت غضب الملائكة، واضطرت لأن تترك ابنتها الوليدة في غابة، ليجدها أحد الراعاة وقد راحت الحمامات البيضاء تحوم حولها، فأخذها إلى كوخه ورباها وأطلق عليها اسم سميراميس، وسميراميس هذه كانت نصف ملاك ونصف بشر، وكان في صوتها حلاوة صوت الملائكة، وأصبح هذا الصوت إلهاما للشعب الذي ذاق مرارة الهوان والاستعباد، واستطاع هذا الصوت بجماله أن يحرض ذلك الشعب المقهور على الثورة والتحرر من العبودية، وكانت أم كلثوم ستقوم بدور سميراميس ولكن صوتا فقط، وحاول المرحوم سعد الدين وهبة أن يقنع الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب بتلحين أكبر عدد ممكن من الأغنيات التي كان من المفترض أن تغنيها كوكب الشرق أم كلثوم في هذا الفيلم والتي كتبها الشاعر الكبير طاهر أبو فاشا، إلا أن هذا المشروع هو الآخر لم يخرج للنور، فقد تعثر لأسباب كثيرة من أهمها العقبة المالية، فعمل كهذا كان سيحتاج إلى ميزانية ضخمة ربما تتخطى المليون جنيه وقتها وهو مبلغ كبير جدا، فالفيلم يتطلب مجاميع كبيرة في مشاهد كثيرة منه، فضلا عن الديكورات الكثيرة التي يتطلبها هذا الجو الأسطوري الذي يجسده الفيلم، فضلا عن أعمال التصوير وأجور الفنانين والمصورين والمخرج وهكذا، ورحلت أم كلثوم، وطوى المرحوم طاهر أبو فاشا أوراق الفيلم حزينا آسفا، فقد كان لا يتصور أن صوتا آخر يمكن أن يجسد صوت سميراميس في الفيلم سوى صوت كوكب الشرق أم كلثوم.
وإلى هنا أعزائي القراء نكون قد وصلنا إلى نهاية هذه الحلقة، على أن نكمل الحديث في حلقات قادمة إن شاء الله.
دمتم في سعادة وسرور.
الكاتب
-
أحمد كريم
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال