“لكي لا ننسى ونأخذ من ذلك عبرة” الأخطاء الـ 16 التي وقعنا بها في جائحة كوليرا 47
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
ونحن نختتم ملف تاريخ وباء الكوليرا في مصر وخاصةً كوليرا 47 الذي نشرناه على موقع الميزان ينبغي أن لا نترك أيضًا السلبيات التي وقعت فيها الحكومة وتسببت في خسائر بالأرواح، فكما ذكرنا الإيجابيات علينا أن نشير إلى الأخطاء.
أخطاء الحكومة النقراشية في كوليرا 47
يتفق أغلب المؤرخين وعلى رأسهم صلاح السيد عبدالعال علام على أن الحكومة النقراشية رغم جهودها لكنها وقعت في سلسلة من الأخطاء وأعمال التقصير، كان أولها تأخر التعقيم، فقد كان يتحتم على الحكومة أن تبدأ حملتها لمقاومة الوباء بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتحديدًا منذ 15 أغسطس أي بعد تفشي هذا الوباء في الهند، لأن الحكومة تعلم أن مصر تتصل بالهند بحرًا وجوًا، ثاني تلك الأخطاء هو أغفال الحكومة عزل المنطقة التي ظهرت فيها الإصابات الأولى عزلاً تامًا عن باقي أجزاء بلدة القرين، ولم تحاصرها حصارا عسكريا بقوات كبيرة مسلحة فتفشى المرض في الأجزاء السليمة منها.
ثالث أخطاء الحكومة في كوليرا 47 هو تهاونها تهاونًا معيبًا في إعداد القدر الكافي من المعازل، فلم تنشأ معازل كافية إلا بعد مضي مدة طويلة وكانت المسافة بين المعازل والقرى الموبوءة تتراوح ما بين 35 لـ 40 كم، ورابع أخطاءها يتمثل في نظام الإشراف الطبي حيث ظل الإشراف الطبي على المعازل حتى في المناطق الموبوءة في حكم العدم، وكان الموت المحقق هو النتيجة الحتمية لكل مصاب ينقل إلى هذه المعازل فعمد الأهالي إلى التفنن في الفرار منه، خامس تلك العيوب أن الحكومة لم تدخل في حسابها عاملاً هامًا في علاج هذا الوباء، وهو تقوية الروح المعنوية ومراعاة التقاليد الشرقية بقدر الإمكان ، ومن ذلك وجوب مراعاة تقاليد الغسل والدفن، بينما سادس تلك العيوب فكانت في إهملت الحكومة أمرًا خطيرًا في مكافحة الكوليرا بالقرين وهو أن البلح ومشتقاته هي وسيلة فعالة لنقل الميكروب لمسافات بعيدة فقد كان على الحكومة الاستيلاء فورا على محصول البلح والعجوة وإغراء الأهالي بتسليم كل ما لديهم وذلك بتعويضهم على حساب الحكومة.
أما الخطأ السابع فتعلق بالمواصلات حيث كان يجب على الحكومة أن تصدر أمرًا بوقف وسائل النقل من أتوبيسات وسيارات والسكة الحديد فورا دون الإعلان بتاريخ سابق عن موعد ابتداء أمر الوقف كما حدث ذلك مع أهالي الوجه القبلي عندما أعلنت الحكومة بتاريخ 1 أكتوبر 1947 أن المواصلات بين الوجه البحري والوجه القبلي ستعطل نهائيا بتاريخ 17 أكتوبر فأسرع أهالي الصعيد بالسفر ولم تنتبه الحكومة إلى ذلك إلا في يوم 13 أكتوبر وكان هذا التصرف سببا في نقل الوباء إلى بعض مديريات الوجه القبلي.
اقرأ أيضًا
“تاريخ الكوليرا في مصر” إحصاء المواقع غير صحيح وهذه حكاية كل وباء
ثامنا أخطاء الحكومة تمثل في عدم دراسة مشاكل العمال الذين حرموا من مصادر أقواتهم بعد الحرب العالمية الثانية وكانوا سببا في نقل هذا الوباء وانتشاره في بلدة القرين وما جاورها من مناطق بسبب انحطاط الحالة الصحية لهم، أما تاسع الأخطاء فكان يجب على الحكومة إمداد بلدة القرين منذ نشأة الوباء بالمياه الصالحة للشرب بواسطة عدد كاف من المضخات الارتوازية، وردم موارد مياه الشرب غير الصحية، والاستيلاء على المضخات التي ترفع المياه السطحية.
وتمثل الخطأ العاشر في أن الحكومة سارت في عملية التطعيم باللقاح الواقي سير السلحفاء، وكذلك قضت الحزبية على الحكومة في توزيع اللقاح على نوابها وأنصارها وفضلت الحكومة تعميم التطعيم في القاهرة والإسكندرية عن تعميمه في المناطق الموبوءة، أما الخطأ الحادي عشر فلم توجه الحكومة للدعاية الصحية قدرًا يذكر من العناية ، فكان في استطاعتها الاستفادة من رجال وزارة المعارف وطلبة المدارس والمعاهد في معاونة رجال الصحة في بث تعاليم الوقاية بين الجمهور وإرشادهم.
وجاء الخطأ الثاني عشر متمثلاً في قيام وزارة الصحة العمومية برفض طلبات المساعدة التي قدمت لها من وزارة الزراعة متمثلة في أطباءها البيطريين، كما عرضت وزارة المعارف عليها أطباءها فرفضت، والأطباء الأحرار عرضوا مساعدتهم ، وكذلك طلبة كلية الطب رغبوا في التطوع فلم يلتفت لهم كذلك ، وذلك كله لأن الوزارة لم تقدر المسألة تقديرا صحيحا.
أما الخطأ الثالث عشر فبينما كانت الحكومة تدعو إلى النظافة إذ بها تهمل إهمالا شديدا في نظافة الأماكن الموبوءة وغيرها، وتتهاون في فرض رقابة شديدة على الباعة الجائلين في قلب العاصمة والأطعمة المكشوفة التي تعرض في الأحياء الفقيرة والأزقة الضيقة ، ولا تستطيع عملية رش سائل الـ DDT أن تصل إلى أماكنة تجمع الذباب، وأيضًا صعوبة إيصال السائل إلى داخل المنازل بنسبة تكفي لإبادة الذباب.
نقاط أخرى رصدها صلاح السيد عبدالعال علام في كتابه عن كوليرا 47 قال عنها «هناك مسئولية كبرى أيضا على الحكومة المصرية ووجه لها التقصير في بعض النواحي» وقصد بذلك بقية الأخطاء الـ 16، فالخطأ الرابع عشر هو نقل الدكتور محمد خليل عبد الخالق وكيل وزارة الصحة لشئون الحجر الصحي من منصبه وندبه إلى مكان آخر ، وإحالة أعماله إلى السكرتير العام للوزارة الدكتور محمد نظيف، وهو غير متخصص في مسائل الحجر الصحي، وترتب على ذلك منع الدكتور محمد خليل من متابعة مشروعه المقدم المؤتمر الصحة بباريس أبريل 1946م بتعديل المادة (۹۲) من المعاهدة مما أدى إلى رفض اقتراح مندوب مصر ، وتأجيله أكثر من مرة حتى تسرب الوباء إلى مصر في سبتمبر عام 1947 م، أما الخطأ الخامس عشر فتمثل في عدم اهتمام الحكومة المصرية بانتشار وباء الكوليرا في الهند، وذلك بعدم
اتخاذ الاحتياطات نحو القادمين من الهند سواء من المواني أو المطارات ، واذا قارنا بين ما اتخذته الدول من احتياطات عند ظهور الوباء في مصر وما اتخذته مصر عند ظهور الوباء في الهند مع بعد المسافة بيننا وبينهم لتبين مدى التقصير الكبير الذي وقعت فيه الحكومة المصرية.
أما الخطأ السادس عشر والأخير فكان التقصير الجسيم من الحكومة وعدم الاهتمام بالبحث عن مصدر الوباء لأنه لو لم تهتم الحكومة بالبحث عن مصدر الوباء لظل هذا الباب مفتوحا ينفذ الوباء منه يوميا إلى داخل مصر ، فكان أول ما يجب على الحكومة بمجرد ظهور الوباء أن تهتم بمعرفة مصدره لكي تسد هذه الثغرة التي تسرب منها الوباء إلى مصر ، وليس الغرض من معرفة مصدر الوباء سياسة التشهير بالإنجليز، فالمعلوم أنه مضى ثلاثة أشهر على ظهور أول إصابة في القرين ولم تعرف الحكومة مصدر الوباء، بالرغم من أنه في السابق كان لا يمر أكثر من أسبوعين على ظهور الوباء حتى يعرف مصدره.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال