همتك نعدل الكفة
24   مشاهدة  

كوميديا ع الواقف.. زمن الكوميديا التفاعلية حيث الواقع أكثر ضحكًا

الكوميديا


قبل ما يزيد عن 500 عام قبل ميلاد السيد المسيح، وقف مجموعة من الرجال والنساء في عيد الحصاد عيد إله الخمر “ديونيسيوس” يضعون على وجوههم تفل العنب الرطب، ليقدموا بعض النكات والمواقف الطريفة للمجتمعين حولهم في تلك الساحة على شاطئ البحر المتوسط والتي تعرف منذ وقتها حتى الآن باسم اليونان، لم يكن يدري هؤلاء الرجال أنهم يفتحون الباب أمام فن جديد، ولم يكونوا على دراية، أن بعد ما يزيد عن 2500 عام سيقف شباب لا يضعون على وجههم تفل العنب وليسوا بسكاري ولا يحتفلون بعيد ما لينتزعوا الضحكات من قلوب الجمهور بعروض الكوميديا التفاعلية التي عادت لتحيي أصل نشأة الكوميديا.

أن تأتي متأخرًا

تمثال من النصف الأول من القرن الثاني الميلادي
تمثال من النصف الأول من القرن الثاني الميلادي

انقسمت الكوميديا منذ ولادتها إلى أنماط رئيسية الفارص أو الهزل البارودي أو المحاكاة الساخرة، الكوميديا السوداء، والساركازم أو السخرية، وقد يدمج مقدم الكوميديا سواء ممثل أو مؤدي بين أكثر من نمط، فلكل صانع كوميديا طريقته وأسلوبه وبصمته في الكوميديا، ذلك الفن الذي نشأ في الساحات ثم انتقل للمسارح ومنه إلى السينما ثم إلى الإذاعة والتلفزيون، وعرفه العالم عبر دراما محبوكة تقدم له عبر وسيط، مسرح أو راديو أو شاشة عرض أو تلفزيون، أو ربما تلك هي الوسائط التي عرفناها هنا في منطقة الشرق بينما في أمريكا كان هناك وسيطًا أخر.

عرفت أمريكا الكوميديا الارتجالية في القرن 19 ولكن بشكل بدائي ذلك الشكل الذي انتقل إلينا هنا في مصر فظهر المونولوجست، ذلك الشكل هو الأقرب على الإطلاق لشكل الكوميديا الارتجالية في تلك الفترة في أمريكا، ولكن مع الحرب العالمية الثانية تطور هذا الشكل، ليتحول لشكل انتقادي لاذع لقادة النازية والفاشية بهدف رفع الروح المعنوية للجنود في الخطوط الخلفية القريبة من جبهات القتال، ولأن التليفزيون ظهر مبكرًا في أمريكا فانسل هذا الفن إليه ليتحول بالتدريج إلى فن مستقل.

أفرزت ستوديوهات الكوميديا الارتجالية العديد من أهم الأسماء الفنية في مجال التمثيل بشكل عام والكوميديا بشكل خاص وربما يأتي على رأسهم روبين ويليامز وإيدي ميرفي فكانوا في البداية مؤديي كوميديا ارتجالية على المسارح وفي الأستوديوهات وفي الوقت الذي كان هذا الفن ينتشر ويحقق النجاح كنا في مصر لا نعرف عنه شيء قبل أن يتفاجأ العامة بقناة فضائية خاصة بالكوميديا تقدم عروض الكوميديا الارتجالية “موجة كوميدي” وبرنامجها “موجة ستاند أب”.

عين جمل على ساحل اليونان القديمة

قناع الكوميديا مسرح كاتلر ماجيستيك بكلية إيمرسون
قناع الكوميديا مسرح كاتلر ماجيستيك بكلية إيمرسون

صحيح أن قبل موجة كوميدي بسنوات قليلة ظهر هذا الفن على استحياء في بعض المراكز الثقافية مثل ساقية الصاوي، ولكنه لم يحقق الانتشار إلا عن عرضه على تلك القناة ليعرف الشارع لأول مرة أسماء مثل جورج عزمي ومحمد سلام وعلي قنديل، ولينفرد الأول بالجماهيرية الأكبر قبل أن يبتعد عن الساحة، ويظهر العديد من الأسماء الجديدة، والأهم هو ظهور شكل جديد للكوميديا الارتجالية وهو الكوميديا التفاعلية.

بعد تلك الرحلة التاريخية للكوميديا عادت الكوميديا لنقطة البداية، على ساحل اليونان القديمة، فحينما يقف عمر الجمل وهو أحد أهم إن لم يكن رائد فن الكوميديا التفاعلية في مصر، حينما يقف ليتفاعل مع الجمهور ويسمع منهم، بعدما ينتقي موضوع معين للحفل، هذا أقرب ما يكون لكيف نشأت الكوميديا من الأساس ولكن هذه المرة بشكلها الجديد.

  • حينما يقف عمر الجمل على المسرح ليقول جملته الرئيسية أن هذا العرض يعتمد على الكوميديا التفاعلية وعلى الجمهور بالأساس فلو كان الجمهور لطيفًا لجاءت الحفلة لطيفة ولكن العكس فالعيب ليس منه، هو بتلك الجملة يعود الزمن لآلاف السنين، حيث نشأة الكوميديا فلو كانت مشكلات الناس في اليونان القديمة صالحة للسخرية لضج الحشد بالضحكات أعلى واعلى-

ما فعله عمر الجمل ونجاح تلك التجربة دفع العديد من مقدمي الكوميديا الارتجالية للاتجاه للكوميديا التفاعلية فلحق به العديد من الأسماء من بينهم محمد حلمي وعلاء الشيخ، وأحمد خيري، ومحمد أشرف وغيرهم، فكأنما أصبح المستقبل للكوميديا التفاعلية لا لغيرها، أو كأن الكوميديا تتقدم إلى الخلف.

الواقع أكثر إضحاكًا ومأساوية

الكوميديا
الكوميديا

ولكن ما السر وراء انتشار هذا الشكل من الكوميديا؟ خاصة وهو جامع بين نمطين من الأنماط الأساسية للكوميديا السخرية والكوميديا السوداء، ربما كان الهدف الأساسي هو البحث عن الجديد لتقديمه، البحث عن عرض متفرد ومختلف، مشكلة الكوميديا الارتجالية أنها قائمة على سكريبت يحضره مقدم العرض نفسه، وقد يحتاج إلى فترة يقوم بتقديمه مرات ومرات قبل أن يضع سكريبت جديد، وهذا التكرار قد يسبب الملل عند البعض خاصة عن عرض العروض عبر الإنترنت ومواقع التواصل، فالأمر يكون مكررًا في بعض الأوقات.

ولكن تمتاز الكوميديا التفاعلية بعد وجود نص مسبق، مجرد موقف صغير يحكيه مقدم العرض ليفتح شهية الجمهور ثم يبدأ العرض الفعلي بتعليقه على مشكلات ومواقف الجمهور، هذا الشكل أو الفورمات ثابت في إطاره ومتغير في محتواه بشكل دائم، مما يجعل العرض حيوي ومتجدد طوال الوقت.

إقرأ أيضا
طه الدسوقي

وربما التفت صناع الكوميديا لنقطه هامة أن واقع الناس أكثر إضحاكًا بكثير من سيناريوهات معدة سلفًا حتى وإن قامت على أحداث حقيقية تعرض لها مقدم العرض نفسه، ولكن في النهاية يأتي الحضور بمواقف شديدة الغرابة والقسوة أحيانًا ولكنها غنية وثرية بفرص السخرية التي تخلق الضحك على المأساة وهو جوهر الكوميديا السوداء.

وربما أيضًا انتشر هذا النمط لأن الجمهور أصبح بحاجة لمن يسمعه، المتابع لحفلات على قنديل وهي كوميديا ارتجالية وليست تفاعلية، يمكنه ببساطة مشاهدة عدد مداخلات ومقاطعات الجمهور لعلي قنديل والتي يتفاعل معاها دائمًا ولكنه يوقفها على الفور، وربما في بعض الحفلات يتململ من تكرارها، تلك إشارة إلى أن الجمهور أصبح يريد الحديث أكثر عما يشعر به ويتفاعل مع ما يقوله مقدم العرض.

في النهاية الكوميديا الارتجالية التفاعلية فن تبادلي، يسخر فيه فنان الكوميديا من واقع أكثر إضحاكًا ومأساوية في بعض الأحيان من خياله، فالعالم دائمًا أكبر بكثير مما تراه أعيننا وتدركه عقولنا.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان