كيف أدركت أن صديقي المسيحي إنسان عادي يشبهني تماماً
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
مثل كل بيت مصري مسلم يتناقل أفراده أساطير حول التناول عند المسيحين وماذا يفعل القس في الطعام الذي يجب أن نحرمه على أنفسنا، بل وتلك الرائحة الكريهة التي تنبعث من بيوت الأقباط ومما زاد الطين بلة أن أسكن في عمارة سكنية لا يقطنها سوى المسلمين وتخلو مدرستي الإبتدائية من مسيحي واحد لترسخ لدي الاعتقادات التي جعلتني أنفر للغاية من مجرد تناول تلك السيرة
(١) الرحلة
طالب في المرحلة الإعدادية، يصطحبني والدي الأستاذ الجامعي لرحلة إلى رأس سدر مع كليته بصحبة أختى الطالبة في نفس الجامعة ، أحمل كرتي فقط وتعد والدتي مجموعة من الأغذية المناسبة لجو الرحلة وتضعها داخل “أيس بوكس” وننطلق في الصباح داخل أوتوبيس الرحلة، أتابع بشغف رقص وغناء طلبة الجامعة الذين يحرصون على مداعبة ابن الأستاذ، لا أتوقف عن اللعب بعد الوصول حتى ينهكني الجوع لا التعب، يصرخ والدي منادياً إياي للغداء، أقترب ليفاجئني صديقه الأستاذ المسيحي بفتح “الأيس بوكس” ورص الطعام بيده على المنضدة التي أعدوها لذلك، أنسحب في هدوء رافضاً تناول الطعام مستعيداً كل الأساطير التي تغلبت حتى على جوعي.
(٢)الزيارة
تصر والدتي على اصطحابي للعزاء في بيت جيران مسيحيين بالقرب من بيتنا، أضطر للذهاب معها رغماً عني، أدخل البيت في توجس، تشغلني الأيقونات المعلقة، أشعر للمرة الأولى أن فيها بعض الجمال لكن ترفض الأساطير داخل رأسي أن أشعر بهذا الجمال ثم أصرخ في داخلي عندما يصرون على تناولي مشروباً في بيتهم، يتناول الجميع القهوة حسب طقوس العزاء بينما يحضر لي صاحب البيت كوب من عصير البرتقال، أتعلل بأنني لا أحب البرتقال، فتقول صاحبة البيت وهي تهز رأسها هزة المستوعب لبواطن الأمور : “سيبه ياجورج على راحته”، أشعر بالذنب لأنني ضايقت المرأة لكنني أشعر بالراحة.
(٣) السيجارة
كبرت قليلاً وصرت في الصف الأول الثانوي، “شلة” صغيرة مكونة من ٧ طلاب ، ٥ من المسلمين و٢ مسيحين، جمعتنا الكرة وشغب الفصل واستدعاءات أولياء الأمور فصرنا أكثر حرصاً على بعضنا البعض، لا يكفي مصروفنا أحيانا للتزويغ من المدرسة والإفطار والذهاب للسينما فنجمع كل ما لدينا لنقوم بتوفيق أوضاع التزويغة، حتى اضطرتني الظروف يوماً ما لاقتسام سيجارة أخيرة مع صديقي المسيحي هاني في حمام المدرسة.
أصر على إشعاله أولاً فيتهمني بعدم معرفة أصول “التخميس” ينتصر المراهق بداخلي ويشغلني ألا يتهمني صديقي بمعرفة أمور “الصياعة” فأناوله السيجارة ثم أعود لأستقبلها منه، ترتجف أصابعي قبل أن تضع في فمي نفس السيجارة التي كانت في شفاة صديقي المسيحي، أسحب النفس في وجل قبل أن يتخلل رئتي وأكتشف أنه نفس عادي تماما لا يحمل رائحة ما ولا شيئاً غامضاً، يخجلني إحساسي الذي لا يعرفه صديقي المبتسم، أشعر كم أنا صغير أمام حبه وابتسامته، يملأني الخجل فأنفخ النفس بعيداً وتتطاير مع الدخان كل تلك الأساطير الوهمية التي كانت في عقلي يوماً بعد يوم.
(٤) النهاية
تمر الأيام والسنين، تتغير رؤيتي تماماً وأعرف أن الدين علاقة بين الإنسان وربه، اقرأ الإنجيل والتوراة والكتاب الأقدس ، وأدرك أن الكل يعبد الله على طريقته، يصبح لدي أصدقاء مسيحيون أحبهم للغاية وأتقاسم معهم اللقمة والسر والهموم، ثم تمر الأيام وأصير أكثر نضجاً وأتجاهل تماماً التمييز بين إنسان وأخر بسبب معتقداته، أكتب رواية عن قبول الأخر بطلها بهائي الديانة، أتذكر أيام طفولتي تضحكني السذاجة والطائفية، كنت صغيراً والأن صرت كبير بما يكفي لادراك الأمور لكن يغضبني أولئك الذين كبروا ومازالوا يحملون بداخلهم كل تلك الأساطير “العبيطة” وتلك الروح الطائفية.
كلنا مصريون نحمل ذات الروح ونفس الأحلام ونفس الهموم، كلنا أدميون يجمعنا الفرح ويضمنا الحزن بلا فارق إلا في الأخلاق والمباديء.
إقرأ أيضاً
منذ متى ورأس السنة الهجرية أجازة في مصر؟ .. مسيحي وأديب ولاعب كرة كانوا السبب
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال