كيف بدأ التنوير

انتشرت منذ بضع سنين مصطلح التنوير، كالجرثومة في الأوساط الثقافية الإصلاحية في مصر على وجه الخصوص، ونخص مصر على اعتبار أنها مركز ونواة الثقافة في العالم العربي والمشرقي عمومًا، لكن من أين جاء مصطلح التنوير الذي يقترن عادة بإثارة القضايا الدينية؟.

بين الفهم الخاطئ للمصطلح وتطبيقه وبين جوهره وظروف نشأته فهناك حساسية تصل إلى الامتعاض  بين هذا المصطلح و عوام المتلقين، ولإزالة هذه لفجوة بين النص المصطلح والمتلقي نحاول أن نفهم ماهية المصطلح وظروف نشأته ولماذا بتشدق به كل من يتحدث عن قضايا التجديد الديني، وفحص التراث الإسلامي وغيرها من القضايا التي تطفوا بين الحين والآخر على السطح .

ظروف تاريخية لنشأة المصطلح 

عانت أوروبا في القرون الوسطى من حروب طويلة بين الممالك، كانت قائمة على النزاع الديني المذهبي في المقام الأول، فقد كان التنافس البابوي على أشده، فكل منهم يحاول أن يثبت للعالم الغربي أنه قدم للكنيسة وللمسيحية خدمات لا يمكن أن ينساها التاريخ ومن بين هذه الخدمات ـ حسب اعتقاد البابوات ـ ابتداع ما يسمى صكوك الغفران، وهي صكوك أو سندات تغفر خطايا الإنسان، وقد انتشرت هذه الصكوك بين العوام نظرًا للجهل الشديد ومحدودية  الثقافة وانتشار الخرافة بينهم في تلك الفترة التي سُميت بعصور الظلام، وقد استفاد منها بابوات الكنيسة أشد استفادة على الصعيد المادي وامتلاك زمام الشعب المسيحي .

ترتب على انتشار صكوك الغفران في أوروبا حروب بين الكنيسة و العلماء أو لنقل بين الكنيسة والعقلانية، وهي حروب كانت موجودة مبكرًا في تاريخ الكنيسة، ولعل قيام مجموعة من رهبان الكنيسة المسيحية في العام 415 م بقتل “هيباثيا” التي كانت أكبر عالمة فلسفة ورياضيات في مدرسة الإسكندر، بناءً على توجيهات أسقف الإسكندرية “سيريل” الذي جعلته الكنيسة البابوية قديسًا فيمَا بعد، كذلك ما حدث مع “جاليليو جاليلي” العالم الأشهر، حينما أثبت أن هناك كواكب سيارة وأن محور الكون الشمس وأن كوكب الأرض يدور حولها، وهو ما يتنافى مع اعتقاد الكنيسة، وبناءً عليه فقد اتهمته بالإلحاد وبالهرطقة ومن ثم تم تحويله إلى محاكم التفتيش في رومَا، وأجبرته لجنة المحكمة على الرجوع عن رأيه، بعد استخدام وسائل التعذيب المستخدمة، وقد أنهى حياته حبيسًا معتقلًا في منزلة، وغيرهما الكثير وهو ما أدى إلى ظهور حركات تنتصر للعقل بدلًا من الرب والدين .

التنوير مقابل الظلام

التصق مصطلح التنوير الذي هو مقابل للظلام التي عانت منه أوروبا، بحركات ثقافية تاريخية اهتمت بالدفاع عن العقلانية ومبادئها كوسائل لتأسيس النظام الشرعي للمعرفة و الأخلاق، واعتبر رواد حركة التنوير أن مهمتهم هي قيادة العالم التطور وترك التقاليد الدينية القديمة ( التقاليد المسيحية ) ونشر العقلانية وعلمنة الدول بعد أن عاشوا عصورًا امتلئت بالحروب والظلام والخرافة بسبب الدين.

الحديث عن هذا الظرف التاريخي طويل، يتعلق بتاريخ أوروبا الممتد في القرون الوسطى، لكن على أيه حال فإن مصطلح التنوير انطلق من هذا التاريخ وهذا التضارب بين الكنيسة والعقلانية، ومن ثم جاء إلى المشرق الإسلامي عن طريق حركات الاستشراق، وتوغلت بقوة فيمَا بعد عهد محمد علي نتيجة الإرساليات البعثات العلمية إلى أوروبا.

جاء مصطلح التنوير إلى المشرق، بنفس الفكرة التي كان بها في أوروبا، ولأن الديانة الرسمية في مصر هي الإسلامية، فكان هناك الصراع بين الإسلام والعقلانية، والسؤال هنا هل الإسلام كديانه بها كهنوت أو صكوك غفران، أوحتى هناك تعارض ما بين العقل وصحيح الدين، الإجابة قطعًا لا ـ دون تحيز ـ .

إقرأ أيضا

دور التلقين والعزل المجتمعي في بناء الكادر الإخواني.

ومن ناحية التنويرين كما يلقبون في منصة تكوين الانطلاق نحو نقد  الدين الإسلامي والتشكيك الكلي في الموروث دون مقدمات واضحة أو أسس علمية مبنية على نظريات لذلك فإن التنوير بهذا المصطلح غير التنوير في أوروبا أسبابه ومقدماته.

اقرأ أيضًا: حديث المفلس .. ومفاجآت القيامة