كيف خدعت المخابرات السعودية وزارة الدفاع الأمريكية في معركة الصواريخ أرض – أرض؟
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في حوار شيق للغاية أجراه مدير المخابرات السعودية الأسبق الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز مع موقع الاندبندنت روى قصة تسليح الدفاع الجوي السعودي بصواريخ صينية بموافقة أمريكية كاملة في أحد أكثر توقيتات اشتعال الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي بخدعة عربية موفقة.
البداية
في منتصف الثمانينات وبعد ما يزيد قليلا عن عامين من تولي الملك فهد بن عبد العزيز الحكم في المملكة العربية السعودية يزور واشنطن في لقاء مع رئيس الولايات المتحدة في هذا التوقيت رونالد ريجان في فبراير عام ١٩٨٥، يشغل بال الملك طول مدة السفر قوة إيران العسكرية القادرة على ضرب بغداد بالصواريخ ومقدرتها على أن تصل إلى مدن داخل المملكة لو امتدت الحرب لأرضايها ، يطلب من ريجان خلال اللقاء أن يمده بطائرات إف ١٥ وصواريخ بيرشينج الأميركية، لكن الرئيس الأمريكي يبلغ الملك أنه لا يملك القدرة على تمرير تلك الصفقة ويحتاج لموافقة الكونجرس الذي غالبا سيرفض، ثم يعرض على الملك أن يواجه الكونجرس لكن فهد يخبره بأنه لا يرغب في احراجه، سأل الملك ريجان، لكن ألا تتفق معي أن من حق أي دولة أن تتخذ ما تراه مناسباً لحماية أمنها؟ رد ريجان بالإيجاب، كان خادم الحرمين فقط ينتظر الرفض الأمريكي للعمل على الحلول البديلة.
القرار
يقرر الملك فهد شراء الصواريخ الصينية رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية بين السعودية والصين في هذا التوقيت، ومما يزيد الطين بلة وجود علاقة بين السعودية وتايوان تمتد لبداية الستينيات مما يثير غضب الصينيين، لكن الملك يتخذ القرار ويكلف بندر بن سلطان سفير السعودية في واشنطن بتنفيذه، فكيف خدع بندر وزارة الدفاع الأمريكية.
الوصول
يستضيف بندر بن سلطان سفير الصين في واشنطون في حديقة بيته ويبلغه طلب المملكة بشراء صواريخ أرض – أرض صينية، الذي يعود بالرد بعد ٣ أسابيع، وأن الحكومة الصينية مهتمة بالموضوع لكن لعدم وجود علاقات بين البلدين نرحب باستضافتك في بكين، فيخبره بندر أنهم مرحب بهم في الرياض، وعند الاختلاف على مكان اللقاء يقترح بندر بن سلطان جنيف لكت السفير الصيني ينحيها لنشاط عمل أجهزة المخابرات فيها، ويتفقا في النهاية على باكستان.
يتم اللقاء تمويها عبر لقاء شركة سعودية وشركة صينية للبتروكيمياويات في إسلام آباد، لا يعلم أي عضو من الوفدين سبب اللقاء سوى رئيس كل وفد اللذان يلتقيان في النهاية على انفراد لمناقشة التفاصيل، يتفقا في النهاية على أن يزور بندر الصين دون ضمانات من الجانب الصيني أو التزام منه لإكمال الاتفاق.
الخدعة الأولى
يطلب الملك فهد بن عبد العزيز – رحمه الله – من سفيره في واشنطن ألا يكذب على الولايات المتحدة في موضوع الصواريخ، مما يضعه ويضع المخابرات السعودية في حرج شامل، كيف توافق أمريكا على تسليح شرقي صيني للسعودية، لكنه ينفذ أوامر الملك، يذهب لزيارة وزير الدفاع الأمريكي في هذا التوقيت جورج شولتز، يخبره أنه يحمل رسالة من الملك فهد للرئيس الأمريكي ونائبه ووزير الدفاع فقط، يتحدث فيها عن التسليح الصيني لإيران وأنها مصدر السلاح الأهم للقوات المسلحة الإيرانية، وأن لدى السعودية رغبة في الذهاب إلى الصين وشراء كل صفقات السلاح الإيرانية نقدا ومقدما – لاغراء الجانب الصيني – فتخسر إيران مصدر تسليحها وتنتهي حرب الخليج ، يسأله شولتز عن ماذا تفعل السعودية بكل هذا السلاح الشرقي، فرد بندر سنعطيه لصدام حسين حتى يحارب به، يخبر شولتز سفير المملكة باستحسانه للفكرة، فيخبره بندر أنه أخبره ليكن على علم عندما تأتيه رسائل مخابراته بأنه يزور الصين، يطمئنه وزير الدفاع الأمريكي ويعده باتخاذ اللازم.
السفر
يقول الأمير بندر في حواره مع الإندبندنت العربية : “”ذهبنا إلى الصين، وكانت الرحلة غريبة، حين وصلنا أخذونا من المطار وانتقلنا إلى السكن بسيارات ستائرها مقفلة، وفي فلل الضيافة الصغيرة، في المجمع الكبير، طلب منا الصينيون عدم فتح الستائر. المشهد يشبه الأفلام. وقتها كان عبدالعزيز ناظر مدير مكتبي، وجاءني بعدما وصلنا إلى الفلل وقال لي: يا سمو الأمير أنا تطفلت، وتلصصت عبر الستائر وفتحت الستارة، وتعال أريد أن أطلعك على شيء. فتحنا الستارة وإذ بوفد إيراني موجود في الفلل المجاورة لنا، للتفاوض على شراء أسلحة. هذه مشيئة القدر فعلاً.”
يقدم بندر عرض السعودية إلى نائب رئيس الوزراء الصيني فيسأله عن كيفية اتمام هذا العروض دون علاقات بين الدولتين، فيخبره أن لديه تفويض من الملك بأن يوقع اتفاقية مع سفيركم في واشنطن بفتح مكاتب تجارية بين البلدين، ثم يقيما علاقات دبلوماسية خلال عام من الأن”
يعود نائب رئيس الوزراء برفض القيادة لعرض المملكة لكن السيد تشاو بينج رئيس اللجنة العسكرية يرى العرض في مصلحة الطرفين، ثم يطلب ضمانة توقيع اتفاقية تبادل مكاتب تجارية بأسرع وقت، وارسال وفداً عسكرياً بملابس مدنية، ليرى المواصفات والتفاصيل، ثم يصحب الأمير السعودي في اليوم التالي لزيارة مصانع الصواريخ ليرى كل شيء .
الخدعة الثانية
فوجيء الأمير بندر بحجم الصاروخ الصيني الضخم للغاية، لدرجة أنه طلب التأكد من أن مدى هذا الصاروخ هو ١٠٠٠ كم فقط، ثم تسائل في حيرة “أين نضعه في السعودية وكيف نخفيه؟”، يعود الرجل إلى السعودية ويتسر الخبر ويصل إلى وزارة الدفاع الأمريكية التي تخبر الجميع أن كل شيء معروف وتحت السيطرة.
يخبر بندر الملك فهد أن الصاروخ يزيد طوله عن مجلس الملك أكثر من ٧ مراتويحتاج مخابيء وبنايات، يطلب منه الملك التصرف ليجد نفسه في مأزق جديد.
يبحث مع رجال المخابرات الأمر فينبهونه للأقمار الصناعية التي ستكشف الصواريخ، ثم يعود إلى واشنطون والبنتاجون تحديدا ليزور شولتز من جديد ويخبره أن مخازن ذخائر القوات المسلحة جميعها في الخرج – قرب الرياض، تبعد عنها 100 كلم- وقد يحاول شخص مجنون التعرض لهذه الذخيرة، الملك يفكر بنقلها كلها بعيداً عن العاصمة، قال شولتز هذه فكرة جيدة.
وقلت له سأقترح على جلالة الملك أن نعطي عقد المقاولات للصين، حتى نضمن عدم تسليحهم لإيران أيضاً. وحين أيد شولتز الفكرة قلت له: إذا سأبدأ بالتنفيذ، ولكن هناك إشكالية، وهي أن المنفذين الصينيين سيأتون للسعودية عبر باكستان. وكنت بحديثي، أمهد لكل شيء. وكان شولتز يؤيد كل ما أقول”.
وبهذا وصلت مجموعات البناء الصينية تحت نظر وزارة الدفاع الأمريكية والسي آي إيه وأتمت عملها بكامل رضاء الولايات المتحدة ومباركتها.
الخطوة الأخيرة
يقرر مسؤولو المخابرات السعودية نقل الصواريخ التي سوف تصل إلى ميناء رابغ في حافلات ضخمة تضيع ملصقات مياه معدنية وبيبسي كولا، لكن المشكلة كانت في دورة الأقمار الصناعية التي ستكتشف ما بداخل الحاويات قبل وصولها للمخابيء، ، يعود بندر هذه المرة إلى المخابرات الأمريكية طالبا ايضاح معلومة تحرك قوات إيرانية في اتجاه السعودية عبر أقمارهم الصناعية، فيطلب مدير المخابرات مهلة ١٢ ساعة للرد، يعرف المسؤولون السعوديون أن لديهم ١٢ ساعة فقط لنقل الصواريخ في أمان.
النهاية
تصل الصواريخ بالكامل إلى مخابئها في الموعد المحدد عدا سيارة واحدة تعطلت لينكشف الأمر وتصل صور الصواريخ لوزير الدفاع الأمريكي الذي يبعث سفيرا سابقا للولايات المتحدة لدى السعودية ريتشارد ميرفي إلى بيت الأمير بندر في واشنطن حاملا الصور والتقارير ليبلغه بأنه خدع شولتز وأنه يمنعه من أي نشاط أو زيارة أي مكان حكومي، فماذا فعل بندر.. في الحلقة القادمة
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال