كيف كذبت علينا اعتماد خورشيد في شهادتها على انحرافات صلاح نصر؟ “تحقيق”
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
رحلت عن عالمنا الفنانة والمنتجة اعتماد خورشيد بعدما صارت هي المصدر الرئيسي لتفاصيل انحرافات المخابرات المصرية برئاسة صلاح نصر في مذكرات شاهدة على انحرافات صلاح نصر، ولكون هذه الاعترافات صارت مرجعًا تاريخيًا فينبغي إعادة قراءة المذكرات بشكل تاريخي.
اقرأ أيضًا
الحرب النفسية عن طريق الأجناس .. إرث صلاح نصر الذي لم نقرأه جيدًا
في هذا التقرير لا نحاول تجميل صورة صلاح نصر فالرجل له سلبيات كارثية اعترف بها جهاز المخابرات المصرية نفسه حينما طلب الجهاز بمحاكمته، لكن كلامنا على المعلومات التي ذكرتها اعتماد خورشيد وصارت تاريخًا ومرجعًا.
5 أشياء تثير الشك في مذكرات اعتماد خورشيد
هناك عدة ملاحظات في مذكرات اعتماد خورشيد تثير الريبة من ناحيتين، الأولى تتمثل في ظروف المذكرات نفسها، والثانية تتمثل في كمية المعلومات الواردة في المذكرات.
أول هذه الملحوظات أن اعتماد خورشيد لم تذكر واقعة الزواج العرفي من صلاح نصر أمام محكمة الثورة التي كانت تنظر قضية انحرافات المخابرات عام 1968 م، خاصةً وأن زوجها (طليقها) كان مثلها شاهدًا في قضية الانحرافات.
ثاني تلك الملاحظات أن القضاء المصري عام 1975 م نظر قضية الزواج العرفي ولم يُصْدِر حكم بإدانة صلاح نصر الذي توفي سنة 1982 م.
ثالث تلك الملحوظات أن اعتماد خورشيد أدينت قضائيًا في سنة 2014 بغرامة مالية قدرها 20 ألف جنيه بتهمة السب والقذف في حق صلاح نصر وزواجها منه.
رابع تلك الملحوظات أن بعض الفنانات اللاتي ذكرت إعـتـمـاد خورشيد أسماءهن اعترضن على ما جاء في الكتاب، فأول من تكلمت عن كذب اعتماد خورشيد كانت سعاد حسني عام 1988 م، أما شويكار فقد قالت في حوار صحفي مع جريدة الجزيرة سنة 2004 (نص الحوار كاملاً من هنا) «هذه المرأة افترت كثيراً وروجت لقصص وحكايات عني وعن غيري لا صلة لها بالحقيقة وعقابها في كل ما قالته عند الله وأؤكد لكم أنني لم ألتقي بصلاح نصر ولم أكن أبدًا من ضمن ضحاياه».
خامس تلك الملحوظات أن مذكرات اعتماد خورشيد صدرت بعد 15 سنة من وفاة زوجها أحمد خورشيد وبعد 6 سنوات من وفاة صلاح نصر.
المعلومات الواردة في مذكرات اعتماد خورشيد .. قراءة تأملية
كتبت اعتماد خورشيد 20 فصلاً في اعترافاتها على انحرافات صلاح نصر، واحتوت الفصول الـ 20 على كمًّا من المعلومات تتناقض بالكُليَّة عن ما قالته هي شخصيًا في شهادتها عام 1968 م.
«اللقاء مع جمال عبدالناصر»
ذكرت في الفصل الأول من مذكراتها أن اللقاء مع جمال عبدالناصر كان بناءًا على طلبه، والوسيط في هذا اللقاء كان الوزير أمين هويدي الذي تولى رئاسة المخابرات خلفًا لصلاح نصر، وكان اللقاء في تمام الساعة 10:30 صباح يوم 24 أكتوبر 1967 م (قبل 8 أشهر من محاكمة صلاح نصر التي تمت في مايو 1968) وامتد 6 ساعات.
لكن هناك 3 أخطاء وقعت فيها السيدة أثناء كلامها مع جمال عبدالناصر وتجعلها كاذبة، فأول هذه الأخطاء أن جمال عبدالناصر في صباح 24 أكتوبر 1967 م كان قد أنهى مباحثاته مع رئيس وزراء سوريا يوسف زعين والتي بدأت قبل ظهر يوم 24 أكتوبر واستمرت لمدة ساعتين وربع، فكيف يلتقي هذا الوفد واعتماد خورشيد في نفس ذات الوقت.
اقرأ أيضًا
آمنة مهران .. حكاية أم تاجر مخدرات أرسل لها جمال عبدالناصر خطابًا
ثاني تلك الأخطاء أنها اتهمت ذمة جمال عبدالناصر بطريقة غير مباشرة إذ جاءت إليه وقالت أن صلاح نصر أعطاها 5 آلاف جنيه ذهب وتسلمها منها جمال عبدالناصر وقال لا تذكري شيئًا عن هذا المال، وشخصية عبدالناصر لا يلائمها هذا التصرف وهذا يحيلنا إلى الخطأ الثالث.
الخطأ الثالث يتمثل في أنها ذكرت تشديد عبدالناصر عليها بأن تذهب إلى المحاكمة وتقول كل شيء حدث من استغلال نفوذ صلاح نصر وتربحه من عمله، فكيف يطلب منها هذا وفي نفس ذات الوقت لم تذكر ذلك في المحكمة لأنه سيدين صلاح نصر في قضية التربح وقد أدُين بالتربح فعلاً.
«دعم شيخ الأزهر ومساندة عبدالحميد كشك»
خصصت اعتماد خورشيد فصلاً كاملاً عن محاكمة صلاح نصر في 11 مايو عام 1968 م وذكرت في ص 60 و 61 أنها توجهت إلى مشيخة الأزهر والتقت الشيخ عبدالرحمن تاج شيخ الأزهر قبيل نظر قضية صلاح نصر بأيام وذلك لكي يدعمها معنويًا ويؤكد لها ضرورة الشهادة بالحق، كما أنها تكلمت عن هجوم الخطيب عبدالحميد كشك قبل جلسة المحاكمة بأسبوع وتنديده بالزواج العرفي الذي قام به صلاح نصر.
لكن هذه المعلومات لا تستقيم من حقائق التاريخ وذلك لأن شيخ الأزهر في ذلك التوقيت كان الشيخ حسن مأمون ولم يكن الشيخ عبدالرحمن تاج، فضلاً عن أن الخطيب عبدالحميد كشك خرج من المعتقل في مارس 1968 ولم يعتلي المنبر إلا بعد موت جمال عبدالناصر كما يذكر هو شخصيًا.
«استديو خورشيد .. زوج اعتماد خورشيد يكذب اعتماد خورشيد»
تذكر السيدة في مذكراتها كيفية تدمير زوجها أحمد خورشيد على المستوى الفني إذ تم الاستيلاء على الاستديو وتم إرغامه على تطليق زوجته ليتزوجها صلاح نصر ثم إيداعه بالمستشفى وإرغامه على مغادرة البلاد.
لكن هذه المعلومات التي ذكرتها بعد 15 سنة من موت زوجها تتناقض مع كلامه أمام محكمة الثورة التي كانت مهمتها محاكمة صلاح نصر على كل شيء.
فعملية بيع استديو خورشيد تمت لإدارة الشئون العامة للقوات المسلحة لإخراج أفلام التوجيه المعنوي وتلك الإدارة لا تتبع المخابرات، وبعد بيع الاستديو سافر زوجها إلى بيروت وحصل على تأشيرة سفر للكويت لزيارة ابنته المتزوجة.
كذلك لم يأخذ أحمد خورشيد أموالاً من المخابرات العامة، ويدلل على ذلك كلامه أمام محكمة الثورة إذ قال أن الدكتور عبدالقادر حاتم وصلاح عامر وكيل الوزارة أعطياه تعويضًا من وزارة الثقافة جراء إبعاده عن العمل الفني.
الإشكالية المهمة أن السيدة وزوجها الذي كان في المحكمة شاهدًا لم يذكرا أي شيء عن هذا الزواج العرفي أو الطلاق العرفي.
«ما هو مسطور لماذا لم يكن مسموع ؟»
تكلمت السيدة من ص 64 حتى ص 74 عن تفاصيل شهادتها في قضية انحرافات صلاح نصر، لكن الغريب العجيب أنها لم تذكر أي شيء عن ما استعرضته مذكراتها التي صدرت بعد المحاكمة بـ 20 سنة، ففي شهادتها تكلمت عن تجنيد الفنانات والاستعانة بالتنجيم، لكنها لم تتكلم عن التعذيب أو الزواج العرفي وسهرات السمو الروحاني، والعجيب أن محكمة الثورة لم تشير في حيثيات حكمها على صلاح نصر بأي شيءٍ مما احتوته اعترافات اعـتـمـاد خورشيد.
«الإخوان وشهادة اعتماد خورشيد بشأن جاسوسية مصطفى أمين»
لا يمكن تجاهل شيء هام في تلك المسألة وهي مسألة الإخوان وجاسوسية مصطفى أمين.
كانت إعتماد خورشيد متأثرةً إلى حدٍ بعيدٍ بالروايات الإخوانية عن سيد قطب وقد وصفته في ص 156 بأنه داعية إسلامي لقي كل صنوف التعذيب بإيمان وقوة أرهبت الشيطان وبطانته، كذلك سردت أقوال زينب الغزالي أنها تعرضت للتعذيب بسبب اتهامها لأجهزة المخابرات العالمية بأنها تريد استئصال الإخوان.
وجود مصطفى أمين في المذكرات له تبريره، فقد كان مصطفى أمين الداعم البارز للمذكرات وكتب مقالاً بعنوان من حق الشعب أن يعرف كل شيء، واعتمدته إعتماد خورشيد كداعم للمذكرات.
خصصت السيدة فصلاً عن مصطفى أمين بعنوان سر اتهام مصطفى أمين من ص 167حتى ص 178 وقالت أنها في محكمة الثورة أدلت بشهادتها حول أن مصطفى أمين بريء وأن صلاح نصر يغار من مصطفى أمين لأنه كان مقربًا من عبدالناصر، وأن القضية ملفقة تمامًا حيث تمكن صلاح نصر من تجنيد خادم مصطفى أمين لوضع أجهزة تصنت ولفق له القضية وغير هذا من الكلام المُرْسَل.
لكن هذا الكلام لا يستقيم مع حقيقة التاريخ، فأساسًا قضية انحراف المخابرات لم تتناول جاسوسية مصطفى أمين أصلاً، كما أن قضية التعذيب التي نظرتها محكمة الثورة كانت تخص حالة المحامي الدكتور عبدالمنعم الشرقاوي وقد قضت المحكمة ببراءة وكيل المخابرات من قضية التعذيب وأهابت بوسائل الإعلام ضرورة تقصي الحقائق وذلك لأن صحيفة الأهرام دشنت حملةً لمعاقبة كافة المتورطين قبل انعقاد المحكمة بـ 4 أشهر.
فضلاً عن أن أعداء صلاح نصر أقروا بجاسوسية مصطفى أمين وحتى أثناء نظر قضية التعذيب التي رفعها على صلاح نصر في السبعينيات، أقرت المحكمة والنيابة وتقرير المخابرات العامة في السبعينيات بأنه كان جاسوسًا، والعفو الذي أخذه مصطفى أمين كان إفراجًا صحيًا وليس عفوًا رئاسيًا وهذا يعني أن نظام السادات كان يعرف بأن مصطفى أمين جاسوس؛ (سيتم تناول قضية جاسوسية مصطفى أمين في تحقيق آخر قريبًا).
اعترافات صلاح نصر على شهادة الانحرافات
في 200 ورقة أجاب صلاح نصر عن 141 سؤالاً جمعهم عبدالله إمام في كتاب صلاح نصر .. الثورة .. المخابرات .. النكسة، واتسم عبدالله إمام بالمباشرة في طرح الأسئلة وإعطاء الفرصة للرد، بينما غلب على صلاح نصر أسلوب الرد أولاً بأول، وأيد شائعات مع توضيحها ونفى أغلبها.
واجه عبدالله إمام صلاح نصر بالكلام حول التعذيب وهل كان موجودًا أم لا، ولم ينفي صلاح نصر وجود تعذيب لكنه قال «من السهل أن أقول لا لكن هذا الرد ليس مقنعًا، لكن ما قيل فيه كذب حول استيراد وسائل التعذيب من ألمانيا، فالمخابرات الألمانية لا تلائم طبيعة مخابرات مصر، لأن برلين مخابراتها عسكرية بينما في القاهرة معلوماتية ورئاستي كانت لجهاز معلومات وليس لجهاز مخابرات عسكرية».
وحول مراقبة التليفونات كان رد صلاح نصر صادمًا حيث ذكر أن جميع الأجهزة الأمنية كانت تراقب التليفونات حسب تخصصها ويوضح ذلك بقوله « نحن نراقب تليفونات العميل وبريده (يقصد البوستة)، وتحركاته ومكالماته ومن يشرف عليها رجال مكافحة التجسس فليست العملية ارتجالية ولا هي عشوائية، فالمراقبة لا تتم بمجرد الشك، وإنما بعد دراسة نشاط المشتبه به، لكن فكرة مراقبة التلفونات لم تستخدمها أجهزة المخابرات فقط وإنما جميع أجهزة الأمن كمكافحة الآداب والمخدرات».
ونفى صلاح نصر فكرة وجود آلات تجسس في الأماكن العامة حيث قال «لنفترض أننا نزرع أجهزة تنصت في الأماكن العامة، هل هتعرف كُلْفة هذا الأمر ؟، كلفته أعلى من ميزانية الجهاز لأن تجهيز غرفة مساحتها 4 متر في 4 متر تحتاج لمعدات بآلاف الجنيهات ويجب تعيين فنيين عليها بمرتبات يتعدى راتب الفرد الواحد فيها الـ 1000 جنيه، وميزانية الجهاز أصلاً كانت أقل من هذه الشائعات».
لم ينفي صلاح نصر تهمة اعتماد خورشيد بتجنيد الفنانات أو السيدات ولم ينفي أيضًا وجود قسم للسموم داخل جهاز المخابرات المصرية، لكنه رد على ما ذكرته بأن صلاح نصر يشرف على تجهيز السم لقتل خصومه، حيث قال لم يكن اسمه قسم السموم، وإنما اسمه قسم الأبحاث الكيميائية وله جانبان أولهما وهو متخصص في تجهيز الأحبار السرية بعد عمل تجارب عليها، أما جانب السموم فليس لتجهيز سم من أجل قتل الناس وإنما لكشف طرود السم التي هددت حياة عبدالناصر وكان رئيس هذا القسم هو وزير الصحة وليس ضابطًا من المخابرات.
وبشأن علاقة المخابرات بالتأميم والحراسة جاء رد صلاح نصر مباشرًا « أنا كنت عضوًا لا رئيسًا وصلاحياتي كانت أقل لأنه ليس تخصصي وإنما تخصص المباحث العامة وأمين الفلاحين والقضاء، وكانت مهمتي المحددة هو البحث عن حالات التهرب وليس كما روج البعض أننا نختار أشخاصًا للانتقام منهم»، واستدل صلاح نصر بورقة رسمية على حديثه حيث قال «حسين الشافعي رئيس محاكمتي شخصيًا أصدر حكمًا بالبراءة عليّ من هذه التهمة لأن فرض الحراسة ليس من اختصاص المخابرات وسجل لجنة تصفية الإقطاع يدلل على هذا».
ردود صلاح نصر واعترافاته بالأخطاء ونفيه لاتهامات لم يسمعها كثيرون وذلك لأن صخب محاكمة الرجل الثالث في مصر بعد الرئيس والمشير كانت أعلى من كلامه، فالشامتون فيه يوازون عدد ضحاياه، وأجواء السبعينيات وأصداءها التي امتدت للثمانينيات نسفت أي محاولة للاستماع له.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال