كيف ودعت مجلة العربي مؤسسها المصري أحمد زكي عاكف لما مات ؟
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
يبلغ عمر مجلة العربي الكويتية 65 عامًا منذ أن تأسست في ديسمبر عام 1958م ووضع الدكتور أحمد زكي عاكف السياسة التحريرية لها حين تولى منصب رئيس التحرير والذي بقي فيه 17 سنة حتى رحيله في أكتوبر عام 1958م.
اقرأ أيضًا
“تحقيق بالصور” مجلة المسرح وأم كلثوم .. توثيق الحملة الصحفية الصفراء على سُمْعَة الست
واصلت مجلة العربي صدورها بعد رحيل مؤسسها أحمد زكي عاكف منذ 48 عامًا، وإلى الآن فإن السياسة التحريرية التي وضعها أحمد زكي عاكف هي ما تحكم المجلة وبفضلها بقيت العربي إحدى أهم المجلات الثقافية في عالمنا العربي والأوسع انتشارًا؛ ولذا فإنه عند رحيل مؤسسها كان الحزن ظاهرًا عليها.
تفاصيل وفاة أحمد زكي عاكف مؤسس مجلة العربي
قبل أشهر من رحيله أصيب الدكتور أحمد زكي عاكف بمرض شلل العضلات وسافر إلى بريطانيا حيث عولج في مستشفى ويلتجتون، بعدها طلب العودة إلى القاهرة ومكث فيها شهرًا يعالج داخل مستشفى القوات المسلحة في المعادي؛ إلى أن رحل ظهر 13 أكتوبر 1975م(1)، وشيعت الجنازة من مسجد عمر مكرم وأقيم العزاء بجانب نفس المسجد، واستقبلت الأسرة العزاء من الخارجي على برقياتٍ أرسلت بريديًا على عنوان منزله الكائن في 16 شارع 5 بمنطقة المعادي.(2)
داخل الكويت أعلنت مؤسساتها الرسمية حزنها على رحيل الدكتور أحمد زكي، فقدمت وزارة الإعلام عزاءها في بيان رسميٍ، وقام ولي العهد الشيخ جابر الأحمد ووزير الإعلام الكويتي جابر العلي بإرسال برقيات التعازي لأسرة الراحل.(3)
ومما يلحظ في نعي الكويت لمؤسس مجلة العربي التركيز على أنه توفي وهو يمارس مسؤوليته تجاه المجلة، وذلك صحيح فقد ظل المقال الافتتاحي لمجلة العربي بقلم رئيس تحريرها أحمد زكي عاكـف يُكْتَب ويُنْشَر حتى في شهريّ مرضه ووفاته [سبتمبر وأكتوبر 1975م] والشهر الذي جاء بعد وفاته [نوفمبر 1975م].
مما يفيد أن الراحل كان حتى لحظاته الأخيرة يكتب، بل وهناك مقال آخر كان يكتبه ولم يُتِمَّه ونشرته مجلة العربي في عدد ديسمبر عام 1975م.(4)
نعي مجلة العربي لمؤسسها
حالة الحزن في مجلة العربي كان مؤثرًا، ففي بداية المجلة وداخل مبحث عزيزي القارئ قالت المجلة أنه كان يشعر بالامانة تجاه المجلة ويتعامل معها بحماسة رغم أنه كان في الشيخوخة ومتاعبها، ومنحه الله بكل أشكال العبقرية والمعرفة وكان حريصًا على أن يستفيد القارئ من المجلة.(5)
وفتحت المجلة فرصةً باب المراسلات لاستقبال التعازي في مؤسس العربي من قراء المجلة وكُتَّابها فنعاه مواطنين من مصر وسوريا والعراق والأردن والسعودية، وكان تركيز أغلبهم أن تسير مجلة العربي على النهج الذي وضعه أحمد زكي عاكـف.
أحمد زكي عاكف .. لا زالت روحه ترفرف على مجلة العربي
في منتصف خمسينيات القرن الماضي ظهر مجموعة من الشباب الكويتي المتعلم بالقاهرة ورأوا أن تصدر دولتهم مجلة لها صلة بالثقافة العربية، وعرضوا تلك الفكرة على مكتب الشيخ صباح الأحمد عندما كان مدير دائرة المطبوعات والنشر في الكويت، فرحب بالفكرة وعرضها على أمير الكويت الذي أعطى توجيهات بتشكيل لجنة يترأسها الدكتور أحمد السقاف سنة 1957م لتأسيسها.
تزامن تشكيل اللجنة مع وجود الدكتور أحمد زكي عاكف عالم الكيمياء المصري داخل الكويت في مارس عام 1958م وكان له باع طويل في مجال العلوم جنبًا إلى جنب مع الآداب والفنون ووضع تخطيطًا لمجلة العربي وسياستها التحريرية لا زال قائمًا حتى اليوم إلى أن صدرت المجلة في ديسمبر عام 1958م.
يمكن إدراك مدى تأثير الدكتور أحمد زكي في مجلة العربي بمشاهدة لقاء تلفزيوني مع الدكتور إبراهيم المليفي رئيس تحرير مجلة العربي الحالي والذي قال «افتتاحية مجلة العربي في العدد الأول التي كتبها الدكتور أحمد زكي هي الدستور الأساسي والنظام الأساسي الذي تمشي عليه مجلة العربي».(6)
سر تميز مجلة العربي هو ما وضعه أحمد زكـي في مقاله الافتتاحي للعدد الأول إذ قال «العربي هي لكل ما يتمخض عن الفكرة العربية من معاني، فهي ضد الجهل ومع المعرفة في هذا الوطن العربي كله، هي ضد المرض ومع الصحة، ومن الصحة صحة العقول، وهي ضد الفقر، ومعنى الغني تطلبه للفقير ليستغني وتطلب له من أجل ذلك التعليم الطويل والتثقيف الواسع، العربي لا تصل معنى العروبة بمعنى الأرومة (الجذور) والدماء، ولا تصل معنى العروبة بدين».(7)
سر تميز مجلة العربي الحقيقي أيضًا أنها ليست سياسية، وهو الشيء الذي حذر منه أحمد زكي منذ الظهور الأول للمجلة رغم أن اسمها نفسه ظهر في ظروف سياسية متعلقة بالقومية العربية وجاء اسم العربي كجنين لتلك الأفكار، لكن العربي مع ذلك رفضت الوقوع في الاشتراكية المفرطة والسياسية بشكلٍ عام وقال في ذلك «إن السياسة ليست همّ العربي عن قرب، لأن السياسة تأخذ من الوقد ما نريد أن ننفقه للثقافة كاملة، وعدا هذا فالسياسة لها الجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية وهي تفي بها أكبر الوفاء، فتلك شرعتنا أيتها القارئ العربي وذلك عهدنا والله الموفق لأقوم سبيل».(8)
وفي لقاء تلفزيوني يعود إلى سنة 1968م تكلم الدكتور أحمد زكـي عن أسباب تميز المجلة(9)، فقال 3 أسباب نلمسها الآن سنة 2023م فهو قال «نحن اختتطنا لهذه المجلة أن لا تكون سياسية نحن أبعد ما نكون عن السياسة، نحن نعلم أن الأمزاج مختلفة».
السبب الثاني الذي يكشف سبب تميز العربي ووضعه أحمد زكـي أنه هو يتبنى قناعة صحيحة تقول «لا يوجد إنسان يقرأ مجلة من دفة إلى دفة، إنما هو يتخير منها، وكانت خطتي أن أجعل من العربي طيفًا ثقافيًا يعطي ألوانًا متعددة للثقافة وتعدد الألوان الثقافية كتعدد الأنواع على مائدة الطعام، يتخير منها المرء ما يشتهيه».
السبب الثالث الذي جعل مجلة العربي متميزةً تمثل في إصرار أحمد زكي على أن لا تكون أكاديمية متخصصة وإنما ثقافية متنوعة تخدم المثقف بدايةً من التحاقه بالجامعة وحتى كبر سنه، وقال في ذلك «القارئ العربي المتخصص ليست هذه صحيفته، لا بد أن نترك للتخصص مجلاته وكتبه، ونحن لا نريد أن نجعلها أكاديمية».
لكل هذه الأسباب بقيت مجلة العربي واحدةً من أهم الصحف الثقافية والأكثر انتشارًا حتى الآن.
(1) وفاة د. أحمد زكي أبو العلماء المصريين، جريدة الأهرام، عدد 14 أكتوبر 1975م، ص1.
(2) نعي د. أحمد زكي، صفحة الوفيات، المرجع السابق، ص11.
(3) الدكتور أحمد زكي فقيد الأدب والفكر، جريدة الرأي العام الكويتية، عدد 16 أكتوبر 1975م، ص4.
(4) أحمد زكي، الافتتاحية الأخيرة، مجلة العربي، عدد 1 ديسمبر 1975م، ص ص8–17.
(5) بريد القراء، المرجع السابق، ص ص6–7.
(6) برنامج خليج العرب | الذكرى الستون لتأسيس مجلة العربي الكويتية، قناة العربي، مرفوع على يوتيوب بتاريخ 21 ديسمبر 2018م
(7) أحمد زكي، الحديث الأول، مجلة العربي، عدد 1، ص8.
(8) أحمد زكي، المرجع السابق، ص9.
(9) برنامج أضواء وأصوات، تلفزيون الكويت، إنتاج 1968م، مرفوع على يوتيوب بتاريخ 26 أكتوبر 2019م.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال