كيف يحاول الأجانب السطو على الحضارة المصرية القديمة
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم تكن حملات “الأفروسنتريك” هي الأولى من نوعها لسرقة الهُوية المصرية وحضارتها وثقافتها، فعلى مدار قرنين من الزمان يحاول الأوروبيون سرقة الحضارة المصرية بكل الطرق؛ إما عن طريق تهريب الآثار المصرية التي ملأت جنبات متاحفهم، أو من خلال علم ابتكروه وهو علم المصريات التي يُدرس في الدوائر الأكاديمية.
يقول الدكتور”أحمد مصطف” رئيس مصلحة الآثار المستردة الأسبق في حديثه للميزان إن سرقة الهُوية المصرية وحضاراتها عملية ممنهجة بدأت منذ قدوم الحملة الفرنسية على مصر واكتشاف حجر رشيد، ومن بعدهم الإنجليز، وتؤكد الدكتورة “مونيكا حنا” عميد كلية الآثار والتراث الحضاري هذا بقولها : إن الحملة الفرنسية سرقت مئات القطع الأثرية وآلاف المخطوطات من الجامع الأزهر والأديرة والكنائس المصرية .
وأضافت :”حنا” إن فكرة كشف الحملة الفرنسية حجر رشيد واكتشاف الحضارة المصرية حق يُراد به باطل، وهذا لعدة أسباب أولها كيف لصانع حضارة أن يقتل، فكما يقول مؤرخو الحملة الفرنسية أنفسهم إلى جانب “الجبرتي” إن نابليون قتل 900 مصري في طريقه من دمنهور لإمبابة حتى إن جثث المصريين كانت تطفوا فوق مياه النيل .
وتستكمل : “حنا” حديثها إن حملة نابليون بونابرت صحيح أنتجت كتاب “وصف مصر” لكن أنتجت عنها أيضا آلاف السرقات الأثرية ومنها سرقة حجر رشيد نفسه، والذي أخذ منه ” نيلسون ” قائد القوات الإنجليزية في معركة أبي قير البحرية 17 قطعة بموجب معاهدة أبي قير بين فرنسا وإنجلترا، إلى جانب القطع المصرية النادرة.
استمرت سرقة الحضارة المصرية وآثارها بل وسرقة الذاكرة الشعبية المصرية في عهد محمد علي مرورًا بأحفاده وحتى الآن فكما يقول الدكتور ” أحمد مصطفى” بعد سرقات الحملة الفرنسية بدأ صيت الآثار المصرية ينتشر في أوروبا فكل بلد تريد الأخذ من هذه القطع الأثرية النادرة، ومن ثَم حاول القناصل الأجانب في مصر الضغط على محمد علي للحفر والبحث عن الآثار في الأماكن المختلفة، منها منطقة الأهرامات وسقارة و صان الحجر والحفريات المختلفة في الدير البحري بالأقصر .
وفي هذا السياق تقول الدكتورة “مونيكا حنا”: إن الخلافات بين السلطان العثماني ومحمد علي جعلت الأخير يرتمي في أحضان القناصل الأجانب للحصول على السلاح لمواجهة السلطان، وحتى يحصل على السلاح كان يعطي التصاريح الخاصة بالحفريات للبحث عن الآثار دون ضمانات، كما حصل مع القنصل البريطاني “هنري سوت” و “دروفتي” ، وأوضحت إن القانون الذي أصدره محمد علي لحماية الآثار المصرية كان بهدف حماية الآثار لصالح القناصل والبعثات الأجنبية، ومن المفارقات، فإن شامبليون ـ مكتشف حجر رشيد ـ كان يتاجر في الآثار و هذه الآثار تعرضت للحرق في متحف اللوفر إبان الثورة الفرنسية .
احتكار البحث والتنقيب
احتكر الأجانب البحث عن الآثار المصرية، والبحث في علومها وأسرارها حتى الحديث عنها في الصحف وروّجُوا لاكتشافاتهم بهدف إقناع العالم أنهم صانعي ومكتشفي الحضارات، خاصة الفرنسيين، ومثال ذلك ما كتبه “أيتين دريتون” في ملحق صحيفة “الزمان المصرية” في العدد الصادر 10 فبراير عام 1948 ، إذ أوضح دور علماء الآثار الأجانب وحدهم في الاكتشافات الأثرية، تحت عناية الأسرة العلوية الحاكمة، لكن بالبحث وُجد أنهم احتكروا المعرفة والبحث عن أسرار المصرية بهدف السطو عليها ، وعلى المعارف المكتشفة.
تقول الدكتورة “مونيكا حنا” إن الأجانب وضعوا علم المصريات، وبالمناسبة أنا أرى أن هذا العلم علم استعماري، يهدف إلى وضع حاجز نفسي بين مصريين اليوم وبين حضارتهم القديمة، وأوضحت أن علم المصريات نشأ في الدوائر الأكاديمية الأوربية بهدف دراسة الآثار المصرية التي سُرقت من مصر ووضعت في المتاحف الأوربية المختلفة مثل المتحف البريطاني ومتحف اللوفر في فرنسا .
ومن خلال علم المصريات صدّر الأوروبيون الوهم للعالم فكما يقول الدكتور “أحمد مصطفى” إن اكتشاف الفرنسيين اللغة المصرية القديمة مجرد أسطورة، والدليل على ذلك ما أثبته الدراسات المختلفة في علم الآثار، وتؤيده في الرأي الدكتورة “حنا” في ذلك بقولها إن العرب المسلمين كانوا مهتمين باكتشاف الحضارة المصرية القديمة، حتى إنهم كانوا يدركون جيدًا أن الرموز المصرية على جدران المعابد كانت لغة لها قواعد وأصوات ودلالات وأسموها لغة الطير، وحاولوا فك شفراتها من خلال البحث في اللغة اليونانية القديمة واللغة القبطية المعمول بها في الأديرة والكنائس المصري بالتالي فك رموز حجر رشيد كان له مقدمات .
واستكملت “حنا” إن علم المصريات لم يكن يدرس تاريخ الحضارة المصرية بل الآثار المصرية المسروقة في المتاحف الأوربية، فهناك فرق بين الاثنين، فكما يقول “ابن خلدون” في مقدمته، إنه لا يمكن دراسة الحاضر دون دراسة الماضي، وهذا يعني إن علم المصريات لا يدرس عمق الحضارة المصرية بل يدرس القطع الأثرية ليثبت للعالم أن الحضارة المصرية نتاج الحضارة اليونانية، وكذلك بهدف وضع حاجز نفسي ومعنوي بين مصريين اليوم وحضارتهم القديمة وهذا ما نراه فالمصري يتصور أن رؤية الآثار والأماكن الأثرية للأجانب فقط.
انتقل هذا العلم بهذا المفهوم الاستعماري لمصر عن طريق بعض الأثريين مثل العالم الفرنسي”ميريت”، الذي تولى مصلحة الآثار المصرية، فكما هو معلوم أن الأجانب لاسيما الفرنسيين سيطروا على مصلحة الآثار المصرية منذ نشأتها وحتى 1952م ، وقد منعوا المصريين من معرفة أسرار الحضارة المصرية التي تُفصح عن لثامها يومًا بعد يوم.
وحول منع المصريين من معرفة حضارتهم تقول الدكتورة “مونيكا حنا” إنه الخديوي إسماعيل كان قد أنشأ مدرسة اللسان المصري، وفيها تعلم ست من الطلاب المصريين اللغة المصرية القديمة، وبعد أن أتقن هؤلاء اللغة المصرية القديمة أرادوا أن يدخلوا المتحف المصري ببولاق لمعرفة التعريفات الموضوعة على الآثار ومحاولة فهمها، لكن “ميريت” رفض دخولهم رفضًا قاطعًا حتى يكون النتاج المعرفي حكرًا عليهم فقط .
واستكملت أرد المصريون أن يعرفوا وأن يهتموا بهذه الآثار، وقد أكدت دار الوثائق والكتب هذا من خلال المخطوطات التي كان يتظلم بها ” أحمد كمال باشا” لرئيس الوزراء وفيها إن الفرنسيين استولوا على كل المناصب القيادية في مصلحة الآثار، رغم أدوار المصريين التي بدأت تظهر بقوة، وبهذه المناسبة فإن “كمال باشا ” صاحب أول معجم للغة المصرية القديمة لكنه مات دون استكماله وتستكمل مكتبة الأسكندرية هذا المعجم الآن .
سرقة الآثار وتهريبها خارج مصر
وبموجب سيطرة الأجانب على الآثار المصرية فقد خرج آلاف القطع الأثرية النادرة خارج مصر مثل رأس الملكة نفرتيتي، وهناك سجال بين الآثار المصرية وبين المتاحف الأوربية حول عودة هذه القطع الأثرية، التي لاشك في مصريتها، لكن الأجانب يقولون إن القطع الأثرية خرجت بموجب قانون التقسيم .
يقول الدكتور ” أحمد مصطفى” رئيس قطاع القطع الأثرية المستردة إن الحفريات كانت برعاية البعثات الأجنبية، وكان هناك عرف وليس قانون ينص على أن المكتشف له الحق في أخذ القطع الأثرية المتشابهة بهدف التحالفات السياسية والعسكرية، وأضاف أن هناك قطع أثرية خرجت على سبيل الإهداءات، وهذه القطع لايمكننا استردادها مرة أخرى، مثل ما أهداه السادات للبعثات الأجنبية التي ساهمت في حف آثار النوبة على سبيل المثال .
واستكمل : هناك قطع أثرية أيضًا خرجت بموجب التراخيص التي أعطتها الحكومة المصرية للتجار الأجانب المقيمين في مصر وبعض التجار المصريين، هذه التراخيص كانت تُملّك هؤلاء قطع الآثار والسماح بالتجارة فيها من خلال ضوابط معينة، ومنها إخبار مصلحة ” الأنتيكا ” والتي كانت في فترة من الفترات تحت إشراف” رفاعة الطهطاوي “، لكن بموجب هذه التراخيص كانت تحدث مخالفات بالجملة لا سيما من قبل التجار الأجانب الذين كانوا رعايا الاحتلال وقتها ولا يمكن اتخاذ أي مواقف قانونية ضدهم فالدولة تحت سلطة المحتل.
وأكد” مصطفى ” أن القانون كان يحميهم فمثلا هناك مادة كانت تنص على معاقبة كل من سرق أثر وهربه للخارج من المصريين بالسجن شهر و مع غرامة 100 جنيه، ونفس القانون نص على أن كل أجنبي سرق أثر وهربه للخارج بالسجن أسبوع ودفع 100 قرش على أن يوقع أخف العقوبتين ، معلقًا أن هذا أحد أشكال الضغط الذي مارسه المحتل الأجنبي لتمرير وسرقة الآثار المصرية وتهريبها للخارج.
وأكد “مصطفى ” أننا كأثريين و مسئولين قد عانينا من استرداد الآثار المهربة للخارج وإلى الآن نُعاني رُغم أنه لا أحد في العالم ينكر أن هذه الآثار مصرية، لكن الأعراف والقوانين التي وضعها حكام مصر من أسرة محمد علي كانت لصالح الأجنبي وليس لصالح المصريين وحضاراتهم، مشيرًا إلى أن حفظ الحضارة المصرية لن يكون إلى من خلال مصري ضاربة جذوره فيها.
استرداد الآثار من الخارج
ومن جانبه قال الدكتور “زاهي حواس” وزير الثقافة الأسبق إنهم يتتبعون الآثار المصرية المنهوبة في المتاحف العالمية المختلفة، وأكد أنه بصفة شخصية استعاد قطع أثرية مختلفة خرجت من مصر بطرق غير مشروعة . وقال إنه أرسل أول خطاب من أجل استعادة تمثال الملكة نفرتيتي من متحف برلين وما زال يحاول إعادة التمثال إلى مصر، كما أرسل وثائق متعددة للمتحف البريطاني بعودة حجر رشيد، وكذلك القبة السماوية من متحف اللوفر في فرنسا.
وفي نفس السياق صرح الدكتور”زاهي حواس” للميزان إن هناك قوانين كانت تنص على تقسيم الحفريات بين الدولة والشركات الأجنبية المنوطة بالحفريات والكشف عن الآثار مثل قانون 215 لسنة 51 وفيه تقسيم الاكتشافات الأثرية مناصفة بين الجانبي، ثم عدلت القوانين المصرية لسنة 83 ليصبح تقسيم الحفريات 90 بالمائة للجانب المصري، و10 بالمائة للجانب الأجنبي، ثم إلغاء التقسيم طبقا للقانون ، 2020.
وعن استرداد الآثار التي خرجت من مصر قبل قوانين اليونسكو، قال “حواس” إنه ليس من حقنا استعادة الآثار قبل 1972 م ، فيما نفى الدكتور ” أحمد مصطفى ” ما قاله الدكتور ” حواس” حول قوانين اليونسكو، ومشروعية استعادة الآثار من الخارج فقال أنه استعاد قطع أثرية خرجت قبل هذا التاريخ وقتما كان رئيس مصلحة الآثار المستردة.
واستكمل هناك قطع أثرية مهمة عملنا على عودتها بشكل ودي أو عن طريق القضاء، وهناك قضايا خسرناها وأخرى عادت من خلالها بعض القطع الأثرية من بعض الدول مثل سويسرا وانجلترا وأمريكا أسبانيا، ومن بعض البلدان العربية مثل السعودية والأردن، هذا إلى جانب استرداد 19 قطعة من مقبرة توت عنخ أمون، فكما هو معلوم أن المقبرة بأكملها كانت ملك لمصر فكيف خرجت هذه القطع حتى وإن كانت صغيرة للخارج لذلك كانت هناك سهولة نوعا ما لعودتها من أمريكا.
وعن القضايا التي خسرتها مصر، أوضح ” مصطفى ” إن مصر قد خسرت قضية استرداد الآثار من متحف برشلونة في أسبانيا وكذلك المتحف البريطاني، وكذا فازت مصر بقضية ضد بريطانيا، وهذه القضية كانت عودة رأس أمنحتب الثالث، إذ خرجت من إحدى الحفائر من كوم الحيتان في البر الغربي بالأقصر، وقتها دفعت مصر 40 ألف جنيه استرليني، وهذه أحد المشكلات الحقيقية التي تواجهنا في استرداد الآثار هي المبالغ المدفوعة للمحامين وللمحكمة.
كما أكد أن مصر قد مارست سلطتها على البعثات الأجنبية في مصر من أجل استعادت بعض القطع الأثرية ومنها وقف البعثات الفرنسية في مصر كأحد أشكال الضغط على متحف اللوفر لعودة القطع الأثرية المطلوبة وبالفعل استعدنا خمس قطع أثرية نادرة، تحديدًا خرجت من حفريات صان الحجر.
وللحفاظ على الحضارة المصرية وحمايتها يقول “مصطفى” إنه لابد من القضاء على تجارة الآثار، فمثلًا وجدنا أحراز في البنك المصري لواحدة أجنبية تسمى “هيلين”، وعثرنا على مجموعة من القطع الأثرية النادرة وكروت لتجار آثار ومنهم تاجر في الأقصر يدعى “محمد عبد الرسول”.
كما قالت الدكتورة “مونيكا حنا ” إنه لابد من وضع سياسة عامة للدولة للحفاظ على التراث المادي والمعنوي للمصريين، وتكون هذه السياسة تحت مؤسسة واحدة لا عدة مؤسسات، حتى تُنهي احتكار الأجانب على الإنتاج الفكري والمعرفي الخاص بالحضارة المصرية، فليس من المعقول أن تكون الدراسات والأبحاث حكر على الأوروبيون والدراسات العربية ضئيلة لعل أهمها دراسات سليم حسن لكنها دراسات منذ سبعين عامًا.
فيما يقول “زاهي حواس” أنه لابد أن تكون الآثار تابعة لوزارة الثقافة، حتى تشمل التراث المعنوي والمادي، وأكد أنه قال هذا حينما عُين وزيرًا لها، وإما أن تكون مؤسسة مستقلة تابعة لرئيس الوزراء مباشرة.
خلاصة القول أن الحضارة المصرية صوب أعين المحتل، وكل من ليس له حضارة يُريد إثبات لنفسه حضارة عظيمة فلا يكن أمامه سوى الحضارة المصرية بعظمتها وأسرارها، ولا سبيل للحفاظ عليها غير معرفتها والتفاعل معها حتى تتأصل وتتجذر فينا.
اقرأ أيضًا : مسؤول ملف الآثار أثناء حكم مبارك .. القوة تحكم ولا يوجد ما يسمى بقانون القسمة ( حوار)
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال